الخبر المنشور في القبس السبت الماضي عن قيام أحد النواب بالذهاب شخصيا الى حديقة عامة، ومطالبته بإلغاء حفل لإحدى السفارات هناك، وتجاوب ادارة الحديقة فورا لطلبه، أمر يدعو الى التمعن والدراسة. في الدول الديموقراطية تتم الأمور وفقا للأنظمة والقوانين، وليس وفقا للأهواء الشخصية لبعض الناس، أو وفقا لمعتقداتهم وآرائهم وفهمهم للعادات والتقاليد، التي أصبحت «مشجباً» يعلق عليه البعض أفكارهم المريضة. السماح والمنع للأمور العامة يتمان من خلال القنوات الرسمية، خاصة إذا كان الأمر يتعلق بالجاليات الأجنبية الموجودة في البلاد. هذا الأمر اذا تم تناقله فإنه سيتطور لتصل الأمور الى اصدار فتاوى ما أنزل الله بها من سلطان، لتحريم هذا الشيء أو لتحليله، من دون الالتزام بالقوانين العامة التي تنظم الحياة في البلاد. ما يقوم به البعض اليوم من إصدار فتاوى تحلل قتل الأبرياء وتعذيبهم وإعلان الجهاد هنا وهناك، بدأ من هذه الأمور الصغيرة، حيث تم السماح لأمثال هؤلاء بإصدار فتاوى شخصية بدأت بسيطة حول قضايا هامشية كمنع بعض الصحف من دخول الجمعيات التعاونية أو منع إقامة الحفلات البريئة لبعض الجاليات «المستضعفة»، من دون الجاليات الأخرى، التي لا يتجرأ أمثال هؤلاء النواب على التصدي لها ومنعها، ثم يتطور الأمر إلى فرض رأيهم على الواقع الاجتماعي، ثم يتطور إلى الواقع السياسي، ثم الانقضاض على الوضع العام بأكمله، فالنار تبدأ من مستصغر الشرر. على المسؤولين ألا يتجاوبوا مع هكذا تصرفات، وعلى مديري الحدائق العامة ألا يتعاملوا مع الأفراد، مهما كانت مناصبهم، بل يتعاملون كما الدول المتحضّرة مع القوانين التي أصدرتها الدولة، وأن يلجأوا إلى حماية رجال الأمن في مثل هذه التجمعات كي لا يفسحوا المجال لاصحاب النفوس المريضة بأن يطبقوا فتاوى «الجاهلية» على مجتمعنا المسالم، وألا يكيلوا بمكيالين فيسمحوا للبعض بإقامة كل أنواع الحفلات، ويمنعوا البعض الآخر وإن لم تتدخل الدولة من البداية فإن هذا سيجرّئ الآخرين على استخدام أيديهم لمنع كل ما يرونه «حراما» في «خيالهم»، بل وسيصدرون فتاوى «الفتنة» على كل أبناء المجتمع، وعندها «ولات حين مناص»، وهنا لنا أن نتساءل في بلدنا الديموقراطي: من يحمي أبناء الجاليات من أمثال هؤلاء؟ د.عبدالمحسن يوسف جمال [email protected]