فعاليات للهيئة النسائية في حجة بذكرى الصرخة ووقفات تضامنية مع غزة    استمرار انهيار خدمة الكهرباء يعمّق معاناة المواطنين في ذروة الصيف في عدن    3 عمليات خلال ساعات.. لا مكان آمن للصهاينة    - اعلامية يمنية تكشف عن قصة رجل تزوج باختين خلال شهرين ولم يطلق احدهما    - حكومة صنعاء تحذير من شراء الأراضي بمناطق معينة وإجراءات صارمة بحق المخالفين! اقرا ماهي المناطق ؟    شاب يمني يدخل موسوعة غينيس للمرة الرابعة ويواصل تحطيم الأرقام القياسية في فن التوازن    غرفة تجارة أمانة العاصمة تُنشئ قطاعا للإعلان والتسويق    بدعم كويتي وتنفيذ "التواصل للتنمية الإنسانية".. تدشين توزيع 100 حراثة يدوية لصغار المزارعين في سقطرى    قرار جمهوري بتعيين سالم بن بريك رئيساً لمجلس الوزراء خلفا لبن مبارك    "ألغام غرفة الأخبار".. كتاب إعلامي "مثير" للصحفي آلجي حسين    مقاومة الحوثي انتصار للحق و الحرية    مقاومة الحوثي انتصار للحق و الحرية    أزمة جديدة تواجه ريال مدريد في ضم أرنولد وليفربول يضع شرطين لانتقاله مبكرا    إنتر ميلان يعلن طبيعة إصابة مارتينيز قبل موقعة برشلونة    منتخب الحديدة (ب) يتوج بلقب بطولة الجمهورية للكرة الطائرة الشاطئية لمنتخبات المحافظات    أزمة اقتصادية بمناطق المرتزقة.. والمطاعم بحضرموت تبدأ البيع بالريال السعودي    وزير الخارجية يلتقي رئيس بعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر    تدشين التنسيق والقبول بكليات المجتمع والمعاهد الفنية والتقنية الحكومية والأهلية للعام الجامعي 1447ه    وفاة عضو مجلس الشورى عبد الله المجاهد    عدوان أمريكي يستهدف محافظتي مأرب والحديدة    اجتماع برئاسة الرباعي يناقش الإجراءات التنفيذية لمقاطعة البضائع الأمريكية والإسرائيلية    مصر.. اكتشافات أثرية في سيناء تظهر أسرار حصون الشرق العسكرية    اليمن حاضرة في معرض مسقط للكتاب والبروفيسور الترب يؤكد: هيبة السلاح الأمريكي أصبحت من الماضي    الطيران الصهيوني يستبيح كامل سوريا    قرار بحظر صادرات النفط الخام الأمريكي    الحقيقة لا غير    القاعدة الأساسية للأكل الصحي    أسوأ الأطعمة لوجبة الفطور    سيراليون تسجل أكثر من ألف حالة إصابة بجدري القردة    - رئيسةأطباء بلاحدود الفرنسية تصل صنعاء وتلتقي بوزيري الخارجية والصحة واتفاق على ازالة العوائق لها!،    الفرعون الصهيوأمريكي والفيتو على القرآن    إعلان عدن التاريخي.. نقطة تحول في مسار الجنوب التحرري    الجنوب يُنهش حتى العظم.. وعدن تلفظ أنفاسها الأخيرة    مليشيا الحوثي تتكبد خسائر فادحة في الجفرة جنوب مأرب    المستشار سالم.. قائد عتيد قادم من زمن الجسارات    عقد أسود للحريات.. نقابة الصحفيين توثق أكثر من 2000 انتهاك خلال عشر سنوات    استشهاد نجل مستشار قائد محور تعز العميد عبده فرحان سالم في مواجهات مع المليشيا    اسعار الذهب في صنعاء وعدن السبت 3 مايو/آيار2025    الأرصاد يتوقع استمرار هطول الامطار ويحذر من التواجد في بطون الأودية    إصلاح الحديدة ينعى قائد المقاومة التهامية الشيخ الحجري ويشيد بأدواره الوطنية    عدوان مستمر على غزة والاحتلال بنشر عصابات لسرقة ما تبقى من طعام لتعميق المجاعة    مانشستر سيتي يقترب من حسم التأهل لدوري أبطال أوروبا    خلال 90 دقيقة.. بين الأهلي وتحقيق "الحلم الآسيوي" عقبة كاواساكي الياباني    الهلال السعودي يقيل جيسوس ويكلف محمد الشلهوب مدرباً للفريق    اللجنة السعودية المنظمة لكأس آسيا 2027 تجتمع بحضور سلمان بن إبراهيم    احباط محاولة تهريب 2 كيلو حشيش وكمية من الشبو في عتق    سنتكوم تنشر تسجيلات من على متن فينسون وترومان للتزود بالامدادات والاقلاع لقصف مناطق في اليمن    صحيفة: أزمة الخدمات تعجّل نهاية التعايش بين حكومة بن مبارك والانتقالي    الفريق السامعي يكشف حجم الاضرار التي تعرض لها ميناء رأس عيسى بعد تجدد القصف الامريكي ويدين استمرار الاستهداف    وزير سابق: قرار إلغاء تدريس الانجليزية في صنعاء شطري ويعمق الانفصال بين طلبة الوطن الواحد    الكوليرا تدق ناقوس الخطر في عدن ومحافظات مجاورة    غزوة القردعي ل شبوة لأطماع توسعية    الإصلاحيين أستغلوه: بائع الأسكريم آذى سكان قرية اللصب وتم منعه ولم يمتثل (خريطة)    من يصلح فساد الملح!    عرض سعودي في الصورة.. أسباب انهيار صفقة تدريب أنشيلوتي لمنتخب البرازيل    جازم العريقي .. قدوة ومثال    الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الاردنية د. سناء الشعلان - ثورة الشّباب أم ثورة المثقفين؟!
نشر في الجنوب ميديا يوم 23 - 10 - 2012


بقلم د. سناء الشعلان -
منذ كنّا صغاراً خدعتنا المناهج المدرسيّة التي يهيمن عليها المثقفون السّلطويون في غالب الأحيان،فضلاً عن المخرّبين المأجورين،فجعلونا نعتقد مراراً وتكراراً أنّ الثورات الشّعبيّة في كلّ مكان وزمان هي نتاج عقول المثقفين،ولذلك حفظنا مُلقنين أسماء الكثير من المثقفين فلاسفة وكتّاباً ومربّين وفنانين وإعلاميين،وغاب عنّا-في غالب الأحيان- كلّ أسماء الثائرين الذين كتبوا بدمائهم أسفار الحياة الجديدة! وبقينا أسيرين كذبة اسمها ثورة المثقفين،وريادتهم للحراك التّغييريّ والتّنويري في المشهد الإنسانيّ،وحفظ التّاريخ أكاذيبهم،ونسي وجوه الثائرين!!
ولكن جاءت الثورات العربيّة الأبيّة لتهدم الكثيشر من شجدران الكذب والخديعة والخوف والاستبداد والزّور،ولترسم خرائط جديدة للإنسان العربي،وللحقيقة العارية من كلّ كذب،ولتؤرخ لنفسها بنفسها،فتخلص بذلك إلى أن تضع الأبطال الحقيقيين لأوّل مرّة في مواجهة أفعالهم وأحلامهم وثوراتهم وأعدائهم،فتسلّط الضّوء عليهم،وتدير ظهر التّاريخ للمثقف الذي اعتاد –في معظم الأوقات- على أن يحصد مجد الثورات،ويقفز من الظّل إلى الصّدارة شأنه شأن أولئك الجبناء الذين يركبون السّفينة النّاجية ،ويتركون الغرقى يلاقون مصيرهم المشؤوم دون رحمة أو عون لهم،في حين ينسى التّاريخ أولئك الأبطال الحقيقيين الذين أداروا عجلات التّغيير والتّثوير والتّجديد،وينحاز لتلك الوجوه الكاذبة المجمّلة التي تجيد أن تبتسم بثعلبيّة لكاميرات الإعلام تحت مسميات رؤوساء وسادة وثوّاراً وقادة ومفكرين ومثقفين! ويغيب الوجه الطّاهر الوحيد عن دائرة التّذكّر،وهو وجه الثائر المظلوم المنكود الذي وقف دون حقّه في وجه الاستبداد الغشوم،ليقول بملء فيه:لا...
وبذلك ننسى أنّ الثورة عبر التّاريخ كانت نتاج الفقراء والمحرومين،لا هبة الأغنياء أو المثقفين للشّعوب وللإنسانيّة كما خدعونا فقالوا، وكما خدعنا أنفسنا فصدّقنا.فالثّورات هي لغة الفقراء التي يحترفونها عندما تعجز لغتهم البشريّة اللفظيّة عن أن تصرخ في وجه التجبّر والظّلم والجّوه قائلةً:كفى.وبذلك تكون الثورة شعبيّة بامتياز،ولا علاقة لها ببرجوازيّة المثقفين الذين يضنّون بأرواحهم وأقلامهم على الثّورة في مهدها وأوجها وبذلها،ويخرجون من جحورهم عندما تُعطي أوكلها،ليأخذوا منها نصيب الأسد ماداموا يحترفون وفق طبائعهم الاستغلاليّة أن يستفيدوا إلى آخر رمقٍ لأقلامهم وألسنتهم المأجورة من المواقف والفرص السّانحة ولو كانت ثورات حمراء مجبولة بعرق الكادحين،وغضب المظلومين،ودماء الشّباب والأطفال والعزّل والمقهورين.
فالمثقف بحكم أدواته المتطوّرة،وعلاقاته التّواصليّة الواسعة،وأفقه المُسرح على التّجارب يجيد أن يصطاد لنفسه مكاناً ومكاسب في الثّورات،بعد أن يقفز على أكتاف الثائرين ليكون في غفلة عين في الطّليعة يهتف للثورة، وكأنّه ابنها البار أو أبوها الشّرعي،وهو قد كان في البارحة- في غالب الأحيان- بوق الاستبداد وقلمه وجناحه وفمه،أو كان الصّامت السّلبي الجبان في أحسن الأحوال،إلاّ من رحم ربي من هذا الوباء المستشري،وهم قلّة يعدّون على أصابع اليد الواحدة في كثير من المشاهد العربيّة.
وتكون المحصّلة ثورة عظيمة،وثائرين مجهولين،وكذّابين لصوص يحصدون ثمار الثورة،ومن جملتهم المثقفون الأدعياء الذين يجيدون القول دون الفعل،والوعد دون العمل،والعهد دون الإخلاص شأنهم شأن كلّ المنافقين في كلّ زمان ومكان.
ولكن ثورة الشّباب العربي قلبت كلّ معادلات الكذب،ورسمت شكلاً جديداً للحقيقة وللإعلام ،فقالت لأوّل مرّة للعالم إنّ الثّورات هي فعل شبابي شعبيّ شريف،وهي ليست بأيّ شكل من الأشكال صيغة ثقافيّة يقودها المثقفون في أيّ مكان،فالثورة هي لغة المظلومين في وجه الطّغيان،ولذلك ألزموا المثقّف العربي بدوره السّلبيّ الحقيقي،وهو الصّمت والمراقبة مادام يحترفها دون أن يجنح إلى الصّدق قولاً وعملاً كي لا يخسر مكتسباته من الأنظمة الآفلة التي تربّعت عقوداً طويلة على ثروات الشّعوب العربية،ووزّعت أعطيتها على كلّ " المطبّلين والمزمّرين" لها!
الشّباب العربي قاد ثورته بنفسه عبر أدواته التّواصليّة الحديثة المتوافرة على آخر أبجديات الاتّصال الإلكترونيّ الذي استورده من الغرب،وتعلّمه،وأتقنه،وحوّله من أداة تواصل صمّاء،أو ترفيهيّة في أسوء الاحتمالات إلى أداة فعل وتحريك وتجميع وتجنيد،ومن ثم تثوير وتفعيل وعمل ورفض،وثورة،وانتصار،ولاشكّ بناء فيما بعد.وبذلك حرم المثقف المزعوم من أن يلعب لعبته النّفعيّة المعهودة المتمثّلة في الرّياء الموصول للأنظمة المستبدّة بغية الوصول إلى أكبر حصيلة ممكنة من المكاسب والمصالح!
ولأوّل مرة يجد المثقف العربي نفسه أمام معادلة صعبة،تتمثّل في الخسارة في كلّ أطرافها،فالأنظمة المنهارة الراحلة أو الموشكة على ذلك تتنّكر لكلّ أوراق لعبتها،ولاسيما أوراق المثقفين أو داعة الثقافة الذين قرفت الشّعوب من سحنهم الكاذبة،ومن أقلامهم المرابية،في حين لفظهم الشّباب صراحة بل وقرّروا محاسبتهم جهراً على كلّ مزالقهم بعد أن أبعدوهم عن دائرة الفعل،وألزموهم موقفهم المعتاد وهو الصّمت دون أن يسمح لهم بأن يكتبوا التّاريخ والثّورة بعد الآن؛فقد قرّر الشّباب العربي أن يكون الثائر والمثقف والمؤرّخ والقائد وصوت الحقيقة.
ولذلك لم تُملَ علينا من جديد أسماء أبطالٍ وهميين لم يقوموا بفعل بطوليّ واحد،ولم نحمل صور مثقفين كانوا آخر من قال لا،ولم نتلقَ حكماً ونصائح من تجّار كلمات،بل صمت الجميع،وقال الشّباب كلمتهم،وكان الثّوار الحقيقيون هم الذين ذاقوا الحرمان،وحلموا بالحريّة،فكانوا أولئك الذين زحفوا نحو معاقل الظّلم،واعتصموا في الشّوارع،وتعاهدوا على الرّفض والعصيان لكلّ أشكال الاستلاب والانتقاص من إنسانيتهم وحقوقهم،وانتفضوا في وجه كلّ آلات القمع،حتى كان لهم ما أرادوا،لم يحفظوا لنا اسماً كاذباً اعتاد أن يحتلّ العناوين الرئيسة في الإعلام،ولم يملوا علينا أسماء أبطال مزعومين لم يعرفوا من الثورة إلاّ الشّعارات المحفورة بعناية في خلوات مرفّهة في قصور أو منتجعات سرّيّة،بل عانقونا بوجوه الشّباب الثائرين المرسومة بالصّرخة والرّفض والدّم الذي خلّدهم في وجدان الأمة،ونبض البشريّة،وجعلهم عيار ميزان العدل الحازم في عالم استكان لكلّ موازين المطففين!
يبدو أنّ ثورة الشّباب هي ليست حركة إنسانيّة جديدة ذات توجّه تحرّري وحسب،بل هي تجربة إنسانيّة جديدة لاختراق منظومة الفساد في كلّ مكان،وهي تقدّم شكلاً جديداً لفكرة التحرّر والخير والعدل والصلاح والجمال والنّماء والبناء،فنجد الشّاب الثائر هو ذاته من يتزوج في أرض الاعتصام،وهو ذاته من يمارس كلّ طقوس الحياة والفن في أشدّ لحظات الاضطهاد،وهو من يرفض أن يهدم أو يخرّب وهو يواجه آلة القمع ورجالها أعزلاً إلاّ من إيمانه بقضيته،وهو من يفتح كلّ ملفات الفساد دون خوف،وهو من يطالب باسترداد دور أمّته الطّبيعي في السّيادة والبناء ومقاومة الأعداء،واسترداد الأراضي المحتلّة،ونبذ الخلافات،ودعم العربي للعربي،وهو من ينحني لينظّف الشّوارع،ويسقي الزّرع بعد أن تضع ثورته أوزارها،وينتهي اعتصامه في الشّوارع والسّاحات.هذا الشّباب – باختصار- هو هبة الحياة للأمة،هو جوادها المجنّح نحو الشّمس.
الشّباب العربي بثورته المقدّسة أعاد الاعتبار الغائب للعربي الذي غدا من جديد رمزاً للتنوير والرّيادة بعد أن غار عقوداً طويلة في النّسيان والذّل وهو مشرّد في وطنه أو خارجه يلحق حثيثاً لقمة عيشه أدركها أم عزّت عليه،وتحوّل من منتظر يائس على أبواب الحياة إلى عملاقٍ يفتح أبواب مدينة الشّمس لكلّ البشر،الآن يفخر العربي في كلّ مكان بأنّه الثائر المقدّس في الألفيّة الجديدة.
لا أكتب كلماتي هذه بقلم المثقّفة أو المبدعة أو الأكاديميّة المربّية،فهؤلاء جميعاً قد أُصيبوا منذ زمن طويل بشلل اختياري في كلّ وسائل تواصلهم وتعبيرهم ورفضهم في غالب الأحيان،باستثناء النّفر القليل من المثقفين الأحرار الذين يرقصون رقصة الحياة قهر أنف الموت،ولكنّني أكتبُ بقلم الشّابة العربية التي غدت تعلم أنّ من حقّها أن تحلم،ومن حقّها أن تؤمن بأنّ الخير قادم،وبأنّ الشّر راحل،وبأنّ الغدّ ينتظرنا بكلّ غلال السّعادة والإخاء والرّحمة.جسدي ينبض بكلّ دماء شباب العرب،ولذلك أعرف بأنّني جديرة بالحياة،وبدرب واحدٍ نحو الخلود،فما عدنا نقبل بأقلّ منه،فنحن الشّباب العربي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.