أن يتقزم موضوع ، فلا يرقى لمستوى فكر، يختزل مضمونه، يمسخُ محتواه، فلا يفهم شئ منه، يبدو هذا عادياً جداً!في زمن لم يعد المرء فيه يعي نفسه، حتى يعي ما يقول،فقد باتت الأقلام فيه أشبه بأقزام، أجسامها صغيرة ورؤوسها كبيرة، وفارغة، لا تعبر ولا تغني من جوع، فالقصور ليس في أصل اللغة، والأزمة ليست في الكلمات، إنما حقيقة الأزمة، في انعدام الأفكار الخلاقة وانحسار الإبداع والقدرة الفذة على التعبير؛ وهذا وإن دلّ على شيء فإنما يدل على فقر ثقافي ومستوى ً فكري ضحلٍ، لقد باتت المعلومة موجودة وجاهزة ولم يعد هناك من صعوبة في الحصول عليها، وهذا ما ساهم في تعطيل التفكير، وقلل بالتالي من القيام بالتجربة، والجهد الذاتي في سبيل الوصول إليها، فكيف ترسخ في أذهاننا إذاً؟ هذا من جهة، ومن جهة أخرى تدني الاهتمامات، فلم تعد الاهتمامات راقية، ذات قيمة، أو مبدأ إنساني أو أخلاقي،بل صارت مادية بحتة أوهي اهتمامات سخيفة من جهة ثانية، فأية ثقافة ستفرزها مثل هذه التطلعات وتلك الأهداف؟ وأي إبداع سينسكب من رأس قلم امتلأ بالسخافات؟ إن ثقافة كاتب ما، هي حصيلة شغفه وجهده ومعاناته الحياتية والكتابية فبقدرماتكون اهتمامات الكاتب الإنسان راقية،بقدر ما تعكس هموم واقعه و مثالب مجتمعه، فالكتابة هي فن الحياة، واللغة جمالها العبقري والكاتب نسغها الأزلي، ولايجوز أن ينأى الكاتب بفكره وقلبه عن الأصالة المنغرسة في بيئته، لينهل من ثقافات هي بعيدة كل البعد عن هويته وطبعه، فينغمس فيها بدعوى الانفتاح الفكري والتلاقح الثقافي، فيضيع عن عالمه، وينسلخ عن ذاته،إن هذا الابتعاد عن الثقافة الأم وما تحمله من قيم ومُثل وأخلاقيات ، يشوهها ويضيع معالمها، ويدعو وبكل بساطة إلى تبني ثقافة الغير، لابل إلى تقمصها لنصبح بذلك تابعين ثقافياً وفكرياً، إلى الغير الذي لايعنيه تقدمنا ولايعبأ كثيراً بحضارتنا، وسيأتي علينا وقت ليس ببعيد، يسخر فيه هذا الغير منا، ومن تبعيتنا لثقافته وفكره، هذا إذا لم يضق ذرعاً بنا، فيهاجمنا ويقضي علينا، قد نكون محتاجين إلى التأثر بثقافة الغير، ولكن ليس إلى الحد الذي ننقاد معه إلى الإسفاف والضحالة ونسيان الأصل أوتناسيه والتقزز منه! هل ثمة إنسان على وجه الأرض يتقزز من ذاته! كما نشمئزُّ نحن من ثقافتنا العربية!؟ونقول بعدُ عن أنفسنا: إننا مثقفون! وأصحاب أقلام!؟ أم أن العمالقة في زمن المعجزات، أصبحوا في زمن لاملامح له، أقزاماً وكركوزات ؟ ! غادة أحمد الشريف - جدة