تهافت النقد في كتاب نقاد الأدب في الأردنوفلسطين د. محمد عبدالله القواسمة يعرض كتاب نقاد الأدب في الأردنوفلسطين*، الذي صدر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر عام 2003 للباحث د.إبراهيم خليل الجهود النقدية لمجموعة من النقاد في الأردنوفلسطين، وهم على التوالي: إحسان عباس وجبرا إبراهيم جبرا وعيسى بلاطة وعيسى الناعوري وناصر الدين الأسد وغالب هلسا وتوفيق صايغ وسلمى الخضراء الجيوسي. وقد خصّ كلاً منهم بما يمكن أن نسميه فصلاً، ونوه بجهود عدد من النقاد في فصل مستقل تحت عنوان نقاد آخرون، وقد تكدس في هذا الفصل أسماء كثيرين من النقاد، اشار إليهم الباحث إشارات عابرة، مثل: سامح الرواشدة ويحيى عبابنة وغسان عبد الخالق وفخري صالح وعبدالله رضوان وغيرهم. ونحن لا نستطيع أن نفهم المسوغات التي دفعت الباحث إلى تقسيم فصول كتابه، والاهتمام بثمانية نقاد فقط، ليخصص لكل منهم فصلاً مع أن هنالك غيرهم ممن اعتبرهم الباحث نفسه من النقاد البارزين " الذين يتواصل عطاؤهم منذ مدّة "، (ص82) أمثال: نبيل حداد ومحمد الشوابكة وأحمد الزعبي وإبراهيم السعافين. ولكنهم رغم بروزهم النقدي الذي يعترف به الباحث فإنه لم يبرزهم في كتابه فضلاً عن إهمال غيرهم. وقد اعتبر الناقد زياد أبو لبن (الدستور، 19 أيلول 2003، ص36) هذا جناية على النقد الأدبي في الأردنوفلسطين، ونوعاً من نكران الجميل، إذ أن بعض النقاد الذين جرى تغييبهم، أو عدم الاهتمام الكافي بهم كانوا أساتذة للباحث " علموه حرفة الأدب والنقد ". وأعجب من الناقد زياد كيف يأسى على إهمال الباحث ذكره من بين النقاد الذين تناولهم في كتابه؛ فخير له أن يذكر في حاشية كتاب قيم من أن يخصص له فصل في كتاب يعتبره جناية على النقد.. ولكني- مع ذلك- أرى أن الكتاب لا يمكن أن يتجاهله الناقد أو الباحث في الأدب الأردنيوالفلسطيني؛ لأنه يتناول رواد النقد في الأردنوفلسطين، ومؤلفه ناقد وباحث أكاديمي أصدر ما يقارب الثلاثين كتاباً، وشارك في عدة مؤتمرات، ونشرت له بحوث ودراسات في دوريات عربية، كما يشير إلى ذلك في نهاية كتابه، الذي بين أيدينا. ويمكن القول: إن أول ما ينتبه إليه القارئ هو عنوان الكتاب؛ فقد جاء فضفاضاً يصلح ليكون عنوان موسوعة أو معجم لأعلام النقاد في الأردنوفلسطين، ولعلَّ الباحث اضطر مسايرة لهذه الفضفضة أن يقحم الفصل الأخير في كتابه، فيمر مروراً عابراً بأسماء نقاد كثيرين، لنغدو وكأننا أمام ببليوغرافيا بالنقاد وليس أمام بحث علمي محكم، وقد استدعى ذكر هذا الكم الهائل من النقاد استخدام إحالات كثيرة احتلت ثماني عشرة صفحة، وهي مساحة كبيرة بالنسبة إلى كتاب لم يتجاوز عدد صفحاته أربعاً وثمانين. ومثل هذا اللاتوازن امتد إلى المقدمة؛ فجاءت بعيدة عن المنهج العلمي، فلم تبين للقارىء مسوغات الموضوع ولا طريقة معالجته، وإنما عرضت المحاولات النقدية التي ظهرت منذ بداية القرن العشرين، وألمت بأهم المجلات والصحف التي اهتمت بالأدب والنقد في الأردنوفلسطين. ولم يكن خروج الباحث من المقدمة موفقاً، أو- كما يقول نقادنا القدامي- حسن التخلص؛ إذ قفز مباشرة إلى تناول أول موضوع من موضوعات الكتاب بقوله: " أما إحسان عباس.." (ص13) وإذا ما انتقلنا إلى موضوعات الكتاب فنجدها تضج بالتناقضات والمعلومات الخطأ والأحكام غير الموفقة: فالباحث مثلاً يمتدح إحسان عباس مشيراً إلى كتابه اتجاهات الشعر العربي المعاصر، بقوله: إنّ له " فضل السبق في التأليف حول الشعر العربي الحديث " ؟ (ص19) ونراه في موضع آخر يصف كتاب عيسى بلاطة الرومانطيقية ومعالمها في الشعر العربي بأنّه " المرجع النقدي الوحيد حول الشعر العربي وتياراته في النصف الأول من القرن " (ص32) فكيف يكون لإحسان عباس فضل السبق في التأليف حول الشعر العربي الحديث في كتابه اتجاهات الشعر العربي المعاصر الذي صدر عام 1978 ضمن سلسلة عالم المعرفة الكويتية، في حين صدر كتاب بلاطة الآنف الذكر في بيروت عام 1960، أي قبل كتاب إحسان عباس بثماني عشرة سنة !؟ والباحث يعتبر " عيسى الناعوري ممثلاً للنقد الرومانسي وناصر الدين الأسد ممثلاً للنقد التاريخي " (ص56) ولكنه يقول في موضع آخر عن عيسى الناعوري: إنه يمزج "بين توجه المؤرخ والنقد الرومانسي " (ص37) وكذلك يقول عن ناصر الدين الأسد: إنه في أهم كتبه وهو الحياة الأدبية الحديثة في فلسطينوالأردن حتى عام 1950 يجمع بين نوعي النقد التاريخي والتحليلي (ص54) فكيف يمكن أن يستنتج القارئ مما أورده الباحث أنّ عيسى الناعوري يمثل النقد الرومانسي، والأسد يمثل النقد التاريخي، إنه تصنيف بعيد عن الدقة. ونواجه مثل هذا الاضطراب في حديث الباحث عن غالب هلسا، فغالب كما يرى من الصعب وضعه في تيار نقدي " فهو كاتب مبدع وإبداعه يلاحقه في نقده التطبيقي " (ص56) ولكنه تارة يضعه في قالب النقد الايديولوجي، وتارة أخرى ينظر إليه بأنه ناقد " يمزج بين القراءة النفسية والايديولوجية "(ص78). ونعثر في مواضع كثيرة من الكتاب على أحكام جزافية، فمثلاً يرى الباحث أن الفضل يعود إلى الدكتور عبد الرحمن باغي في ابراز ظاهرة أدب المقاومة الفلسطينيه في الأرض المحتلة (ص78) ولكن أين دور غسان كنفاني؟ ألم يكن له الفضل في ابراز هذه الظاهرة في كتابه، الذي يشكل أول دراسة معمقة في هذا الموضوع ألا وهو كتاب الأدب الفلسطيني المقاوم تحت الاحتلال 1948- 1968، وقد نشرته مؤسسة الدراسات الفلسطينية عام 1968 ؟! ومن الأخطاء الواضحة أن الباحث يقرر ريادة شكري ماضي في النقد الروائي حول نكسة حزيران، في كتابه انعكاس هزيمة حزيران على الرواية العربيّة، الذي صدر في بيروت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر عام 1978، وقد غاب عن ذهنه أن هنالك دراسة سابقة تناولت نكسة حزيران في الرواية العربية نهض بها الياس خوري بعنوان تجربة البحث عن أفق مقدمة: لدراسة الرواية العربيّة بعد الهزيمة وقد صدرت عن مركز الأبحاث في منظمة التحرير الفلسطينيةببيروت عام 1974، أي قبل أربع سنوات من صدور كتاب شكري ماضي؛ مما يفقد الأخير حق الريادة الذي يتبناه الباحث. ويتعمد الدكتور ابراهيم خليل تجاهل جهود بعض النقاد، والتقليل من شأنهم، مثلما يرى في عبدالله رضوان ناقداً ينصب جهده على الرواية (ص84) بينما لهذا الناقد جهود أخرى في نقد القصّة القصيرة والشعر لا يستهان بها. وكذلك يرى في الدكتور محمد عبيد الله ناقداً يقتصر على الكتابة في الصحف والدوريات، ولم يصدر له أي كتاب نقدي،(ص84) وفي الحقيقة إن للدكتور محمد عبيد الله كتاباً نقدياً مهماً في القصة القصيرة في فلسطينوالأردن منذ نشأتها حتى جيل الأفق الجديد، وقد صدر عام 2002 أي قبل صدور كتاب خليل بعام واحد فضلاً عن كتب أخرى، كالقوس والحنين 2001، والشعر الجاهلي: الاطار القصصي والأسطوري 2002. فكيف غابت هذه المعلومات عن ناقد يتابع ما يجري على الساحة الثقافية بنشاط واضح؟!.. كما يتضح من رؤية الباحث السابقة لجهود د. عبيد الله أنه يعيب على الناقد أن يجمع في كتاب مقالاته التي نشرها في الصحف والدوريات، ويبدو مثل هذا أيضاً في حديثه عن الناقد فخري صالح؛ إذ أن له سلسلة من المقالات " جمعها في غير كتاب " (ص84) يتناسى أن هذا العيب يلحقه إن كان كذلك؛ فقد فعله في بعض كتبه. ومن الخلط غير المسوغ أن يضع الباحث ناقدين في سلة واحدة على اختلاف ما بينهما، فلا ندري كيف يتشابه الدكتور عبد الرحمن باغي والدكتور خالد الكركي في منطلقاتهما و أسلوبهما في الكتابة النقدية، (ص79) وأنّ سمير قطامي والناقد نزيه أبو نضال يؤثران الاستمرار "على النهج الايديولوجي" (ص84) فيما يكتبان. ومن الآراء القابلة للنقض تلك المسلمة التي يقر بها الباحث في كتابه من أن الكتابة عن الأدب القديم قلما تضيف إلى الإبداع النقدي الحديث، (ص84) ولكنا نلاحظ في ما كتبه كمال أبو ديب، وما كتبه نصرت عبد الرحمن إضافة وإثراء إلى النقد الحديث: ففي كتاب أبي ديب جدلية الخفاء والتجلي دراسات في شعر أبي أبي نواس وأبي تمام أغنت النقد البنيوي، وفي ما كتبه نصرت عبد الرحمن، وبخاصة كتابه الصورة الفنية في الشعر الجاهلي إضافة جديدة لتطبيقات النقد الاسطوري، وهنالك جهود أخرى لا مجال لذكرها تبرهن على أن الإضافة إلى الابداع النقدي لا ترتبط بالأدب قديمه وحديثه، وإنّما بالجهاز المفاهيمي النقدي المستخدم، وبالناقد الذي يستخدمه. وبعد هذه المراجعة القصيرة لكتاب نقاد الأدب في الاردنوفلسطين للباحث د. إبراهيم خليل نخلص إلى أنّ الكتاب لا يراعي قواعد المنهج العلمي، وما هو إلاّ عرض لمحتويات الكتب النقديّة يتخلله تعليقات مبتسرة، تتسم بالأحكام المتعسفة، والآراء المتناقضة، إنه باختصار لا يساهم في انتاج معرفة نقدّية عميقة، ولا يضيف جديداً للحياة الفكرية، بل يساعد على تشويهها. وهذا ما يحير الناقد والأديب على السواء. ----------------------------- * إبراهيم خليل، نقاد الأدب في الأردنوفلسطين، بيروت: المؤسسة العربيّة للدراسات والنشر،2003. [email protected]