عن الرومانسية والرومانسيين بقلم د. يسري عبد الغني عبد الله باحث وخبير في التراث الثقافي [email protected] عنوان المراسلات : 14 شارع محمد شاكر / الحلمية الجديدة / بريد القلعة (11411) / القاهرة / مصر . هاتف : 0223176705 محمول : 01114656533 الإبداعية أو الإبداعية أو الخيالية أو الرومانسية ، نزعة في جميع فروع الفن والأدب ، تعرف بالعودة إلى الطبيعة ، وإيثار الحس والعاطفة على العقل والمنطق ، وتتميز بالخروج عن أساليب القدماء باستخدام أساليب فنية وأدبية جديدة . والرومانسية حركة أدبية تقوم على الاتجاه العاطفي في مخاطبة الطبقة الوسطى بدلاً من مخاطبة الطبقة الأرستقراطية التي كان يخاطبها أصحاب الاتجاه الكلاسيكي . فالرومانسية إذن حركة معارضة للكلاسيكية ، ففي الوقت الذي كانت فيه الكلاسيكية تمجد العقل ، أو الاتجاه العقلي البحت ، تأتي الرومانسية لتمجد الاتجاه العاطفي ، اتجاه المشاعر والأحاسيس ، اتجاه الذاتية والشخصية . وإذا كانت الكلاسيكية تحاكي العادات والتقاليد والقيم والأعراف القائمة في المجتمع وتدافع عنها دفاعاً مستميتاً ، فإن الرومانسية لا تهمل الاتجاه الفردي ، وتتجه إلى الطبقة الوسطى أو البرجوازية لتعبر عن مشكلاتها ، وعما تتطلع إليه من الحصول على حقوقها . يقول موسيه : " أول مسألة لي هي ألا ألقي بالاً إلى العقل " . وهو ينصح أحد أصدقائه فيقول له : "اقرع باب القلب ففيه وحده العبقرية ، وفيه الرحمة والعذاب ،وفيه الحب ، وفيه صخرة صحراء الحياة حيث تنطلق أمواج الألحان يوماً ما ، إذا مستها عصى موسى . " . ومن هذا المنطلق راجت المسرحيات والقصص والأشعار الغنائية التي تعبر عن المشاعر والأحاسيس ، معلنة التعبير عن ذاتية الإنسان في الأدب الرومانسي . وتؤكد الرومانسية على أن الأدب يتخذ موضوعاته وشخصياته من أوساط الناس ، أو من الشعوب البسيطة ، ومن هنا تحتم عليه أن يعبر عن مشكلاتها وطموحاتها ، عن آمالها وأحلامها . كما دعت الرومانسية إلى إنقاذ الأفراد مما يقع على كاهلهم من سطوة الطبقات الأرستقراطية المتحكمة . وعرضوا في أدبهم صوراً من صراع الأجداد والآباء من أجل الحصول على حرياتهم وحقوقهم ، وانطلقوا من ذلك إلى رسم طرق للخلاص من المظالم الفادحة التي تقع على كاهل الطبقة الوسطى . وفي ظلال الرومانسية ازدهر الشعر الغنائي بصفة عامة ، هذا الشعر الذي قلل الكلاسيكيون من شأنه ، ازدهر ازدهاراً كبيراً في الأدب الرومانسي ، فقد اعتنوا بالصورة الشعرية المعبرة ، والوحدة العضوية ، كما اعتنوا بذلك في المسرحيات التي كتبوها أيضاً . واعتبر الخيال عند الرومانسيين جانباً مهماً قوياً لا يمكن الاستغناء عنه في أي عمل إبداعي . لقد ظهرت الرومانسية في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي ، ومطلع القرن التاسع عشر الميلادي ، وكان بدء ظهورها في انجلترا ، وتلا ذلك امتدادها إلى ألمانيا ، ثم إلى فرنسا ، وأعقب ذلك ظهورها في أسبانيا ثم إيطاليا . وما قلناه في الفقرة السابقة يؤكده تاريخ الأدب ودراسات الأدب المقارن ، وعليه فإن الرومانسية لم تظهر في بدايتها عند الفرنسيين ، كما يذهب بعض الباحثين ، لأن ذلك مخالف لواقع التاريخ الأدبي والمقارني . ويعد الفيلسوف الألماني / إيما نويل كانط ، فيلسوف الواجب ، من بين الفلاسفة الكبار الذين أبرزوا دور الخيال في العمل الأدبي ، وبرز هذا الأثر جلياً في كتابات وآراء الفرنسيين بعد ذلك . كما تعد الناقدة الفرنسية ، مدام / دي ستايل (1766 م 1817 م) في كتاباتها ، وفي صالونها الأدبي الشهير الذي جمع كبار أهل الأدب والفكر والفن والفلسفة ، تعد من أكبر دعاة الحركة الرومانسية في فرنسا ، ويؤكد الباحثون على أنها هي التي سمت هذا المذهب الأدبي باسم الرومانسية في مؤلفاتها . وهذه الناقدة سلكت مسلك التفسير والتعليل في دراستها للأدب من نواحيه الفردية والاجتماعية ، وربطت بين الإنتاج الأدبي والنسق الاجتماعي ، وما يؤثر فيها من الدين والعادات والنظم الاجتماعية ، بحيث أضحى الأدب صورة بانو رامية للمجتمع المعاش . تقول مدام / دي ستايل : إلى الشرائع و القوانين يكاد يرجع كل التخالف والتشابه الفكري بين الأمم ، وقد يرجع إلى البيئة كذلك شيء من هذا الاختلاف ، ولكن التربية العامة للطبقات الأولى في المجتمع هي دائماً وليدة النظم السياسية القائمة ، والحكومة مركز مصالح الناس , والأفكار والعادات تتبع تيار المصالح . وهذا الكلام المهم والذي يعد سابقاً لعصره ، جعل الباحثون لا يعتبروا مدام / دي ستايل مجرد ناقدة أدبية فحسب ، بل هي رائدة من رواد الدراسات الأدبية المقارنية . وقد ربطت هذه الناقدة المقارنية بين الآداب ودراسة التاريخ ، وكانت تلجأ إلى ضرب الأمثلة بالآداب الأخرى . كما كان لها فضل كبير في الاتجاه بالأدب إلى الدراسة التطبيقية ، واتصال الآداب بعضها ببعض ، مما كان له أكبر الأثر في الحركة الرومانسية في فرنسا . وأراء مدام / دي ستايل تشجع على الخيال ، وتدعو إليه ، لذلك كان لآرائها أصداء واسعة في الأوساط الأدبية والفكرية الأوربية ، مما دعم وقوى الاتجاه الرومانسي . ولعل هذه الناقدة وصالونها الأدبي يذكرنا بالأديبة اللبنانية / مي زيادة ، التي عاشت في مصر ، وكان لها صالونها الأدبي الذي يعقد كل أسبوع ، وضم في جنباته أشهر أدباء وكتاب وشعراء ومفكري وفناني العرب في تلك الآونة ، ومما لا شك فيه أن مدام / دي ستايل كانت أحدى المؤثرات المهمة في شخصية مي زياده ، وذلك بالطبع إلى جانب مؤثرات أخرى ، وقد اعترفت مي بذلك . نعود لنقول : إن الرومانسية تذهب إلى أن في داخل كل إنسان مشاعر ذاتية وفطرية لا تكتفي بالأشياء الخارجية ، وأن خيال الرسامين والشعراء هو الذي يكسب هذه المشاعر صورة وحياة . ومن أوائل الذين تكلموا عن الوحدة العضوية في الشعر الغنائي (لسنج) الألماني الذي عاش بين عامي 1729 م و1781 م ، وذلك في كتابه (لاكون) الذي نشر عام 1776 م . ويعد الألماني / جوته كذلك من الذين ساعدوا على نمو وتطور التيار الرومانسي في الآداب والفنون . ويدعو الرومانسيون إلى الأصالة الذاتية ، بمعنى أن يكون كل مبدع نسيج وحده ، وعليه فإنهم يدعون إلى عدم التقليد , حتى ولو كان لكبار الأدباء . يقول فيكتور هوجو : يجب أن يحترس الشاعر على الأخص من النقل عن أي كاتب كلاسيكياً كان أم رومانسياً , يستوي في ذلك : شكسبير ، و موليير ، وشللر ، وكورني . وبهذه المبادئ المهمة التي أرسوها نهض الشعر الغنائي نهضة عظيمة ، ووضحت كثير من أصوله الفنية التي برزت في الإنتاج الأدبي بعد ذلك , وكان لها أثرها الجلي فيما ظهر بعد ذلك من مذاهب أدبية وفنية ، أما عن الرومانسية في الأدب العربي الحديث فهذا موضوع سيأتي الحديث عنه إن كان في العمر بقية . والله تعالى ولي التوفيق ،،، د. يسري عبد الغني عبد الله