بدأت في اوروبا في القرن التاسع عشر حركة شبابية متحمسة للتغيير والتجديد، حيث فتحت الطريق لبناء اتجاه فني جديد يتمثل بالمذهب الرومانسي الذي شمل الأدب والفن على حد سواء.. وكانت زعامة الرومانسية التشكيلية معقود لوائها لديلاكروا, والأدب فيكتور هيجو ويتبعه كل من لامارتين, وجوتييه وغيرهما.. وكانوا متأثرين بآراء جان جوك روسو التي كانت تدعو إلى العودة إلى الطبيعة, وحيث الشعر الذي يخاطب العاطفة. وكلمة رومانسية أو رومانتيكية أو رومانطيقية كلها تحمل نفس المعنى.. وجاءت بالانكليزي romance وفي الفرنسي romantiqui. ويذكر أن أول استخدام لها كان في اللغة الانكليزية سنة 1654 ثم ظهرت في فرنسا سنة 1670 ثم استخدمها الكاتب الفرنسي – ليتورنير- في مقدمة ترجمته لأعمال شكسبير عام 1776 كما استخدمها روسو سنة 1777 في كتابه -أحلام متجول منفرد- بعد ذلك شاع استخدامها في القرن الثامن عشر في مجال الأدب والفنون التشكيلية, وأصبحت في انكلترا تطلق على المناظر الطبيعية.. وكانت مناظر الفنان الانكليزي تيرنر قد جسدت بقوة وجمالية المذهب الرومانسي. والرومانسية لها تعاريف كثيرة ولايمكن حصرها بمعنى واحد، فهي تعني الإفراط في الخيال وتعني المشاعر والعاطفة, وتعني الرواية الغرامية, وتعني القصة والحكاية, وتعني الجمال الذي هو مرآة الحقيقة, ومن خصائصها: الجحود عن العقل وتتويج العاطفة أو الشعور – تسليم القيادة للقلب – ثورة وتحرر وعاطفة – محاولة التمرد على الواقع وعدم الرضا والتغني بالألم والهروب من المدينة إلى الطبيعة - الحنين الى الشرق, هذا العالم المليء بالأسرار, حيث وجد الرومانسيون في فروسيته ونورانية مشاعره وقودا للخيال ومصدراً خصباً للتعبير عن العاطفة. ولم ترد كلمة رومانسية في القاموس العربي – لسان العرب – لابن منظور، ولكن وجدت كلمة رومان وتعني رجل، وروم: وهو جيل معروف، واحدهم رومي, ينتمون الى عصر بن اسحاق النبي عليه السلام.. وروم رام الشيء يرومه، طلبه وهكذا.. وكان تيوفيل جوتييه 1811 - 1872 Gautier يعد من أكبر أساتذة العالم الحديث فكان شاعرا وكاتبا وناقدا, وقد حاول دراسة الفنون وتوقع أن يكون فنانا مرموقا ولكنه لم يوفق فركب الشعر.. وقد وصفه أحد الكتاب بانه في شعره كأنه ينحت شخصياته من الذهب والعاج.. وفي سنة 1832 تحول من الرومانسية الى اعتناق مذهب – الفن للفن – وكان جوتييه يعتقد بان الفنان غير ملزم بالأخلاق الاجتماعية والتعبير عنها في اعماله, وإنما عليه الوصول الى الكمال الشكلي للعمل والتأنق والتزين والتعبير الحر, وبهذا فقد تأثر بالشاعر والروائي بودلير في اتجاهه الحر والمنفلت. ويعتبر جوتييه جسرا بين الرومانسية و(الانحدارية).. وظهرت في وقت لاحق حركة أخرى أخذت تشق طريقها تدريجيا باتجاه مضاد للرومانسية وكان يتزعمها شارل بودلير ثم انضم إليهم بعد ذلك جوتييه وأطلقوا على هذه الحركة بالدانديزم العقلي Dandyism وتعني الأناقة وتعني أيضا أناقة التعبير المنحرف عن الأوضاع السائدة يومذاك.. وكانت هذه الحركة تدعو إلى العودة الى المدينة.. وكان شارل بودلير 1867-1821 – Baudelaire – من المتحمسين والداعين لهذا الاتجاه, وكان شاعرا وناقدا ومترجما كما كان ومنحرفا عن التقاليد السائدة يومذاك.. وكانت أول كتاباته النقدية التي ظهرت في الصحافة الفرنسية، هي حول الفن تحت عنوان – الصالونات – Los salones – حيث كان قد بدأ بتحليل الأعمال الفنية المعاصرة ونقدها كأعمال ديلاكروا ودوميه ومانيه وغيرهم.. كما أصدر كتابا شعريا سماه – أزهار السوء – ويذكر بان أشعاره كانت مليئة بالقبح والرعب معا فيما تمثله من الأطياف الهزيلة التي كانت تسبح في خياله ليلا نتيجة لعدم النوم من فرط الشرب. ورغم أن نتاجات بودلير وأفكاره من الجدة وروعة في الأسلوب, إلا أنها كانت تنطوي على أفكار إباحية من الوجهة الأخلاقية, وقد أثرت على الجيل الذي لحقه من الأدباء والفنانين.. وكانت الاتجاهات الفنية التي تستمد صفاتها من الطبيعة قد تحولت في نهاية القرن التاسع عشر الى الاتجاه نحو المدينة وانتشر هذا الاتجاه أيضا في انكلترا على يد مجموعة من الأدباء منهم الكاتب المعروف شارل ديكنز.. ومن الفنانين الذين دعوا الى العودة الى المدينة الفنان الامريكي جيمس ابوت وشهرته ويستلرWhistler حيث درس في باريس ثم استقر في انكلتر سنة 1859 وكان يعتبر من الممهدين للانطباعية في انكلتر, كما البعض من الانحداريين, وكان مثقفا ومفكرا وله آراء مثيرة للجدل في هذا الاتجاه الجديد, ومن أقواله: «عندما يخلع الليل على شاطئ النهر أستاره الشاعرية فان المنازل تفقد وجودها في ظلام السماء.. وأن المداخن العالية تصير مآذن شامخة, كما تمسي الأكواخ المتواضعة قصورا في ليل بهيم.. بل المدينة بأسرها تبدو وكأنها معلقة في السماوات, وكأن أرض ساحرة تمتد أمام ناظرينا». وكان فيكتور هيجو 1802 - 1885 أول الثائرين والداعين الى التحرر من تقاليد الكلاسيكية المتحجرة والتي قيدت الأدب والفن وبذلك فتح الطريق الى ظهور المدرسة الرومانسية, التي تعتبر خطوة فريدة وكبيرة في الأدب الرومانسي الاوربي.. وفي سنة 1848 انضم هيجو الى الثورة الفرنسية وأصبح جمهوريا بعدما كان من أنصار الملكية كما منعت أحد أعماله المسرحية.. وفي سنة 1855 نفي الى جزيرةGuernsey وفي خلال هذه الفترة كتب عدة روايات وقصائد شعرية منها – البؤساء 1862. وبذلك تعتبر أعمال هيجو من الأعمال التي سجلت مرحلة حاسمة ومميزة في تاريخ الأدب الفرنسي خاصة في توجهها نحو الشباب, ولحد اليوم تعتبر أشعاره ذات أهمية كبيرة. أما ديلاكروا 1798 - 1863 فقد أعلن كرهه للمدينة وحبه الشديد للطبيعة وكان حواره معها ديناميكيا حيث كانت تجذبه الى درجة أنه يظل ساعات تحت الأمطار الهادرة والرياح, وكان يعتقد أن الطبيعة خلقت له فقط (يبدو لي أن هذا النظر خلق من أجلي) ثم يقول: ”(خارج باريس أشعر بأني أكثر رجولة وإنسانية, أما في باريس فلست إلا سيداً فلا يوجد هناك سوى سادة وسيدات.. أي لا يوجد سوى دمى...) وفي مجال التصوير كان يؤكد على التكنيك والإبداع اعتمادا على الربط الشديد بين العقل والعاطفة والتعبير عن المشاعر الإنسانية بأوضح قدر ممكن, فمزيدا من الضوء و الألوان ومزيدا من الحركة والانطلاق.. ويعد عام 1830 قمة عمله كفنان رومانسي.. كما رأى فن التصوير حريته ممثلة في لوحة – الحرية تقود الشعب – وكان مذهب الرومانسية في التصوير موجودا في انكلترا والمانيا قبل ظهوره في باريس بعدة سنوات على يد كونستابل وتيرنر.. فجاء ديلاكروا ليعلن وجوده وتحرره كاملا وخروجه عن تقاليد الكلاسيكية الموروثة. ويعتبر جوستاف فلوبير -1821 1880 من أشهر الروائيين في أوروبا ومن الحاقدين والناقمين على الطبقة البرجوازية الذي كان هو واحدا منها وقد عرف واشتهر بروايته – مدام بوفاري – حيث تمثل ملاحظة عميقة لما كان يحدث من شخصيات هذه الطبقة, فقد هاجمها وسخر منها ومن تقاليدها وأخلاقها.. وقد كتب هذه الرواية بعد عودته مباشرة من جولته المشرقية سنة1851 حيث زار فلسطين ومصر واسطنبول وايطاليا واثيينا.. وكانت هذه الزيارة زادت من أفق وثقافة فلوبير, وقد استغرق في كتابتها 51 شهرا.