هدير الضمير شاعر مسيحي يتغنى بأمجاد الإسلام!! ياسين السعدي والشاعر الذي نتحدث عنه في مقالتنا المتواضعة هذه، هو الشاعر اللبناني، البروفيسور أنيس الخوري المقدسي، المولود في طرابلس بلبنان في عام 1885م, وتوفي في عام 1977م، والذي كان عضوا في المجمع العلمي العربي في دمشق. إنه الشاعر والأديب العربي الكبير الذي تغنى مفاخراً بالنصر المبين الذي حققه المسلمون في معركة اليرموك بهذه القصيدة الرائعة التي كنا ننشدها صغاراً دون أن نعرف قائلها. البروفيسور أنيس الخوري المقدسي شاعر قدير، وعلم شامخ من أعلام الأدب العربي الحديث، له المؤلفات القيمة ولعل أكثرها شهرة هو كتابه القيم: (الاتجاهات الأدبية في العالم العربي الحديث)، الذي كان من المؤلفات المقررة في مناهج جامعة بيروت العربية عندما كنت أحد طلابها في بداية السبعينات من القرن الماضي. رجل في مكانة البروفيسور المقدسي لا بد أن يكون على قدر كبير من النباهة في قراءة التاريخ والنزاهة في إبداء رأيه في قومه العرب، ولو لم يكن مسلماً، لأنه يدرك أن الإسلام هو دين المحبة والمؤاخاة والسلام، وقرآنه هو الحافظ للغة العربية التي توحد العرب؛ مسلمين ومسيحيين، ولذلك يكثر في الأدب العربي الشعراء العرب النصارى الذين مجدوا الإسلام ومدحوا محمدا نبي الإسلام، صلى الله عليه وسلم، كما قال الشاعر القروي، رشيد سليم الخوري معجباً ومفاخراً مخاطبا الرسول الكريم، صلى الله عليه وسلم: يا فاتح الأرض ميداناً لدولته ***** صارت بلادُك ميداناً لكل قوي يا قومُ هذا مسيحيٌّ يذكّركم ***** لا يُنهِض الشرقَ إلا حبُّنا الأخوي فإن ذكرتم رسول الله تكرمة ***** فبلّغوه سلام الشاعر القروي أما في هذه القصيدة الصغيرة في عدد أبياتها والواسعة في دلالاتها، يجرد الشاعر المقدسي شخصا من ذاته على الطريقة العربية القديمة ويخاطبه قائلا: على اليرموك قفْ واقرَ السلاما ***** وكلِّمْه ُ إذا فهم الكلاما وقلْ يا نهرُ هل هاجتك ذكرى ***** شجت قلبي وهيَّجت الغراما والتحية هنا هي للنهر الذي يعرف الشاعر أنه لا يفهم الكلام لأنه مجرد مجرى نهر، ولكنه يقرئه السلام لأنه، كما جاء في البيت التالي، هيج ذكره في نفس الشاعر مشاعر الفخر بالنصر العظيم الذي أحرزه المسلمون هناك على ضفافه في حربهم ضد الروم وتخليص سوريا الكبرى من احتلالهم البغيض. إنه يخاطب النهر متسائلا، ولكن بمرارة وألم؛ لاختلاف الوضع الذي كان أيام عز المسلمين، وما صار إليه الوضع اليوم، وخصوصاً أن الشاعر نظم قصيدته بعد الاحتلال الفرنسي لسوريا ولبنان بعد الحرب العالمية الأولى، كما يبدو من مفهوم الأبيات. يفاخر الشاعر بالإسلام وبأبطاله الذين غيروا وجه التاريخ ببطولاتهم التي لم يذكر التاريخ لها مثيلا: هنا الإسلامُ ضاء له حُسامٌ ***** غداة استلَّ خالدُه الحُساما وهَبَّ أبوعبيدة مثل ليث ***** يقودُ وراءه الموتَ الزؤاما فأصلى الرومَ حربا أيَّ حرب ***** وفلَّ بعزمه الجيش الُلهاما وسارَ على روابي الشام يخطو ***** تخِرُّ له الرُبا هاما ً فهاما هنا، أي في رحاب اليرموك، لمعت سيوف الإسلام غداة استل خالد وجنوده سيوفهم لمواجهة الروم في معركة من المعارك التاريخية الفاصلة في حياة البشرية؛ لأنها ترتب عليها نهاية عصر وبداية عصر جديد، هو العصر الإسلامي المجيد. وينوه الشاعر بدور أبي عبيدة الذي وصفه بالأسد الذي يرمي الأعداء بالموت الزؤام والذي أصلى الروم بحرب ضروس وهزم الجيش اللهام، أي كثير العدد والذي كان يفوق جيش المسلمين أضعافاً في عَدده وعُدده، ومع ذلك هزم الروم وراح ينتقل من نصر إلى نصر، ويتعقب فلولهم ويقضي على وجودهم. ويختم الشاعر أبياته المحدودة من حيث مبناها، ولكنها كبيرة في معناها ومغزاها، فيخاطب النهر الذي صار رمزاً للنصر الذي تغنى به الشاعر، ويسأله بحسرة، ولكن فيها روح الأمل والرجاء: بربِّك أيها النهرُ المُفدَّى ***** بربِّك قلْ ولا تخشى الملاما أيُشرقُ نجمُنا من بعد ذل ***** ويعلو بعد أن لحقَ الرغاما يستحلفه بهذه الروح المفعمة بالألم لما آل إليه العرب من المذلة، أن يخبره بصدق ولكن برجاء وأمل كما قلنا، بأن شمس العرب التي سطعت على الدنيا بعد اليرموك ومعها القادسية وغيرهما من معارك الإسلام الخالدة، ولكنهم اليوم قد وصلوا من الهوان أدنى الدرجات حتى مرغت كرامتهم بالرغام، كما قال الشاعر القروي كذلك. لكن يبدو أن الشاعر، وكثير من الشعراء العرب، لم يفقدوا الأمل أبدا بإشراق الشمس العربية من جديد مهما طال غيابها فتساءل بما يفيد الرجاء قائلاً: أجبني هل يفيقُ الشرق حقا ***** وينهضُ بعد أن أغفى وناما وفي اعتقادنا أن هذا الرجاء قد بدأت تلوح بوادر تحقيقه فيما يجري في الوطن العربي الذي أشار إليه باسم الشرق، كما كان يقال في زمن الشاعر عن الوطن العربي، وأن النهضة العربية سوف يؤرخ لها أنها ابتدأت بهبوب رياح التغيير التي تعم الوطن العربي في أيامنا هذه. نشرت في مجلة (الإسراء) التي تصدر عن دار الإفتاء الفلسطينية - القدس العدد 109 عن شهري حزيران- تموز سنة 2013م؛ صفحة 89 [email protected] متصفحك لا يدعم الجافاسكربت أو أنها غير مفعلة ، لذا لن تتمكن من استخدام التعليقات وبعض الخيارات الأخرى ما لم تقم بتفعيله. ما هذا ؟ Bookmarks هي طريقة لتخزين وتنظيم وادارة مفضلتك الشخصية من مواقع الانترنت .. هذه بعض اشهر المواقع التي تقدم لك هذه الخدمة ، والتي تمكنك من حفظ مفضلتك الشخصية والوصول اليها في اي وقت ومن اي مكان يتصل بالانترنت للمزيد من المعلومات مفضلة اجتماعية