أصابتني الرهبة وأنا أتجول في أروقة أرشيف محكمة استئناف عدن ومتحفه المتواضع والجميل وأرى ذلك التاريخ القضائي العريق الذي عُرفت به عدن. لازالت مجلدات القوانين القضائية وملفات القضايا العتيقة آبان سنوات العدل منذ أن كانت مستوطنة عدن تابعة إدارياً وقضائياً لحكومة بومباي حتى العام 1937م, محفوظة وعلى نفس حالتها منذ تلك الفترة التي تجاوزت أكثر من مئة عام. وبمعية رئيس المحكمة القاضي فهيم عبدالله محسن وفريق عمله المكون من الأخوة: عبدالواسع محمد باهرمز (رئيس قسم ارشيف الثابت) وباسل عبده سعيد وعيدروس عوض علي الذين عملوا ولازالوا يبذلون جهد غير عادي ويعملون ليل نهار من أجل الحفاظ على الأرشيف القضائي العريق لهذه المدينة التاريخية بكل مقوماتها ويتولى القاضي ذلك طوعياً. وسعدت كثيراً عندما رأيت الجهد المبذول من قبل أولئك الجنود المجهولين الذين انتشلوا أصول ملفات قضائية تاريخية من تحت الأنقاض قبل أن تندثر مثل ما أندثر قبله في مرافق عدة وعفى عليها الزمن, حتى أنهم يعملون دون علم أن الضرر قد يلحق بهم بين جنبات تلك الغرف من خلال الثعابين السامة التي وجدوا إحداها تظهر عليهم فجأة. وأثناء تجوالي سألت القاضي فهيم الى ماذا ترمي من هذا العمل المضي فأجاب مباشرة: "أن لهذا المدينة تاريخ وتراث عظيمين وتقع على عاتقنا الحفاظ عليهما من الاندثار, وأن لم نقم به نحن سوف لن يذكرنا التاريخ بخير وستلعننا الأجيال..." وكانت سعادتي أكثر وأنا أرى ملفات قضائية يرجع تاريخها الى العام 1935م, لأحد الكوالية (مستخدم) وهو يطالب بتعويضه لأصابته في العمل وتصفحت في ملفه جانب من عدالة القضاء التي عرفتها عدن وإحقاق الحق, وكيف كان القضاء العادل يحافظ على حقوق كل فئات المجتمع فقيراً كان أم غني !! ومن خلال منبر الأمناء أتوجه بالشكر الجزيل لكل من ساهموا في الحفاظ على تاريخنا من الشباب الذين ذكرتهم أعلاه وأخص بالشكر فضيل القاضي فهيم الذي لم يتوان في إحياء هذا الارث العظيم والحفاظ على أرشيف هذا الصرح القضائي في عدن.