كانت إدارة الأشغال العامة, البريد, الهاتف, وإدارة الكهرباء العدنية, كلها عبارة عن مؤسسات منفصلة لكل منها مديرها وإدارتها الخاصة. وكانت هذه الإدارات تقدم أرقى أنواع الخدمات للمجتمع العدني, وأطلق عليها بالمعنى الشامل "المرافق العامة". قبل العام 1928م, كانت معظم إمدادات المياه تُستمد من مياه البحر المكثفة, وبعض الآبار القليلة الموجودة في الشيخ عثمان وكريتر. وبعد التنقيب والعثور على آبار جديدة وإمدادات جيدة من المياه في منطقة الشيخ عثمان, تم ربط الأنابيب من تلك الآبار إلى عدن, وتم ربطها بمحطات الضخ لزيادة كمية المياه المتاحة إلى عدن. شؤون الأراضي في سلطة الإيواء هي الجهة الإدارية والتنفيذية للحكومة المركزية, وكانت الجهة المسئولة عن توزيع المياه المستعمرة, كما كانت هي الجهة المسئولة عن الإمدادات الكهربائية والتي تأسست في العام 1928م, حيث عملت الإدارة البريطانية على بناء محطة بخارية لتوليد طاقة كهربائية سعة مائتان وأربعون كيلو واط عبر ثلاثة مولدات بُنيت في العام 1926م في عدن. وفي العام 1945م, تم حل سلطة الإيواء, لتفسح المجال أمام نظام جديد تحت مُسمى سلطة المدينة (المجلس البلدي). وتشكلت سلطتان تحت هذا المسمى وهما: سلطة مدينة عدن, و سلطة ضواحي الشيخ عثمان. ويشرف عليهما أعضاء مُعينون من قبل الحكومة, ولكن في العام 1949م, جرت أول hنتخابات بلدية في مستعمرة عدن, وتقرر بأن يُنتخب ثلاثة أعضاء للمجلس البلدي, وأضاف إليهما بالتعيين عضو حكومي رابع وثلاثة أعضاء غير حكوميين. وكان من واجبات المجلس, الأشراف على الخدمات المختلفة مثل: السيطرة وتنظيم الأسواق العامة, الحفاظ على الصحة العامة, صيانة شبكة الصرف الصحي, تحسين شبكة الطرقات في المدينة, وتوفير المرافق الترفيهية, ومراقبة عملية البناء, والإشراف على لجنة الإسكان, والمكتبات, بينما تولت الحكومة المركزية مسئولية إدارة الكهرباء, إمدادات المياه والأراضي. وبعدها بفترة وجيزة عملت إدارة مستعمرة عدن بتغيرات واسعة في الإدارات الخدمية حيث إنتقلت الخدمات الكهربائية لتصبح إدارة مستقلة وتضم في طياتها البريد والهاتف, كما إنتقلت مسئولية إمدادات المياه تحت إشراف وزارة الأشغال العامة. وكان مدير الأشغال العامة لديه صفة وظيفية مزدوجة, لأنه كان المفوض لأراضي التاج, وسلطة تخطيط المدن وفي إبريل 1953م, تحولت سلطة مدينة عدن إلى بلدية عدن, وخولت لها نفس المسئوليات أعلاه. وبعد الحرب العالمية الثانية حصلت في مستعمرة عدن قفزة نوعية في عملية التطوير والتوسعة وتحسين الخدمات لسكان المستعمرة, وكان ذلك جديراً للإهتمام, حيث تم زيادة الإنتاج الكهربائي في المستعمرة من خلال إدخال مولدات إضافية, كما تمت سفلتة الطرقات وتعبيدها وإظهارها المدينة بالمظهر اللائق لها. كما حصلت عملية صيانة شاملة للطرقات القائمة, وأيضاً تم تطوير أنظمة تصريف المياه والصرف الصحي للمدينة, وبُنيت مكاتب البريد الجديدة, والمباني العامة, والمدارس والمستشفيات, ومشاريع الإسكان الحكومية. وحصل توسع كبير في خدمات الإتصالات السلكية وتحسينها, وإزدياد في مرافق المطار المدني الخدمية, كما حصلت توسعة جديدة في إمدادات المياه, حيث تم حفر آبار جديدة في بئر أحمد وبئر ناصر, وشُيد سوق تعاوني جديد, ونتيجة لكل تلك التوسعات والتطورات الجديدة في المجال الخدمي في مستعمرة عدن, فكان لابد من بناء وتطوير ورش العمل, والمخازن, ومكاتب المحاسبة لصيانة كل تلك الخدمات والمحافظة عليها, وتوسيعها لمواكبة الطلب المتزايد على الخدمات نتيجة للزيادة السكانية. لم تكن عملية تحسين الظروف المعيشية في المستعمرة مسئولية إدارة واحدة, ولكن نتيجة تنسيق الجهود يد بيد مع الحكومة المركزية, بالإضافة إلى بعض المساعدات المالية الخارجية, ظهرت تلك الجهود المبذولة على السطح وحصل تطور نوعي من حيث تحسين الخدمات في مجالات التعليم, الصحة العامة, والرعاية الإجتماعية, والخدمات الطبية. وكانت هُناك ضرورة لمثل هذه التحسينات, وكان لابد من بدل جهود إضافية بغية تقديم مثل تلك الخدمات لتصل إلى معايير الدول الغربية المتقدمة. وكان ذلك هو الهدف المطلوب والذي من أجله تم إتخاذ كل تلك الإجراءات الضرورية. وفي نهاية المطاف أثبت جهود التنسيق والتخطيط بين الجهات الحكومية لتحسين الأوضاع المعيشية لسكان المستعمرة. وكانت هذا الإجراءات عبارة عن خطة شاملة لمدة خمس سنوات. تزايدت وثيرة العمل الفعلي في جلب العديد من التحسينات المطلوبة للمستعمرة, وأنفق على تلك الخطط الممتدة في الفترة من إبريل 1947م – 31 مارس 1959م, ما مجموعه:( 8,562,524 ) ثمانية ملايين وخمسمائة وأثنان وستين ألفاً وخمسمائة وأربعة وعشرون جنيهاً إسترليني. مما جعل حكومة مستعمرة عدن تتباهى على كل تلك الإنجازات التي تحققت في جميع المجالات الخدمية, وفي نظامها القانوني, وأسواقها التعاونية, والتقدم الذي أحرزته في مجال الصحة العامة, والرعاية الإجتماعية, والتعليم, والتحديث التي جرى في نظام السجون, وتنظيم الهجرة. وتحكمت إدارة الطيران المدني بحركة النقل الجوي, بينما تكفلت عناصر قوة البوليس على حركة المرور البرية العاملة على الطرق المعبدة جيداً. كل هذه الخدمات لم تكن لتحصل لولا سيطرة النظام البلدي على مفاصل الحياة في عدن وتنظيم سير عملها وتطورها المستمر, ورجال أكفاء أداروا ذلك الصرح العظيم بكفاءة بارعة... كانت بلدية عدن معنية بكل صغيرة وكبيرة داخل المدينة باسطة نفوذها على امتداد المدينة وضواحيها.. ويعد المهندس البلدي الرجل الاول والمسؤول عن تخطيط المدينة وتطوير بنيتها التحتية وفي الوقت نفسه ازالة كل ما يشوه جمالها وندرة ما يحدث ذلك لان الناس في عدن تربو وترعرعوا وعاشوا على النظام والقانون وتنفيذه وحمايته واستمر هذا الحال حتى عام 1994م ، وهنا بدأ التفكير بالانقضاض على النظام البلدي وانجازاته ، فما الذي حدث تابع معنا العدد القادم.