لم يكن بقاء الدين الإسلامي منذ أن جاء به محمد صلى الله عليه وسلم مرتبطاً ببقاء حاكم أو غيره حتى نقول للمصريين من كان منكم يعبد مرسي فإن مرسي قد عُزل؛ ومن كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر ويرتضي الإسلام ديناً عليه أن يتوجّه على ميدان رابعة العدوية؛ لأن من هم موجودون في ميدان رابعة العدوية هم المسلمون حقاً, لأن مثل هذا القول يجافي الحقيقة وفيه الكثير من الغلو والتطرُّف والتعصب الأعمى الذي يضر الأمة ولا ينفعها. ولهذا فإن على جماعة الإخوان المسلمين قبل غيرهم في مصر وغيرها من الدول العربية والإسلامية أن يعوا الدرس المصري جيداً ويستفيدوا من تجربتهم القصيرة في الحكم، ويكون لهم فيما حصل عبرة وعظة؛ لأن الجميع يعرف أن ما حصل للإخوان في مصر ليس خروجاً عن الإسلام ولا هو أيضاً انقلاب على شرع الله وسنّة نبيه الكريم، وأن كل ما حصل هو بسبب الإخوان المسلمين أنفسهم، وهم وحدهم من يتحملون الوزر الأكبر لخروجهم المبكّر وسقوطهم في أول تجربة حكم خاضوها. والأهم من هذا كله أن يعترف الإخوان المسلمون بفشلهم ويتحمّلوا مسؤولياتهم بكل صدق وأمانة إذا ما أرادوا تكرار تجربتهم مرة أخرى، أما إن استمروا على ما هم عليه وأصرّوا على أخطائهم وعلى قراءة الواقع من حولهم كما تهوى أنفسهم؛ فإنه من الصعب أن تتاح لهم فرصة تكرار تجربتهم يوماً ما. ولهذا فمن الغباء أن يحاول الإخوان المسلمون مداراة فشلهم بربط بقاء الإسلام في مصر ببقاء مرسي على كرسي الرئاسة؛ لأن لا علاقة للإسلام في الصراع السياسي على الحكم حتى وإن كانوا يمثّلون الأحزاب الإسلامية؛ إلا أن هذا لا يعني أن أغلب معارضيهم ليسوا مسلمين. كما أن الحقيقة التي يعرفها الإخوان أن الدين الإسلامي لن تهتز أركانه بعزل مرسي أو غيره، وأن غالبية الشعب المصري هم من المسلمين وسيبقون كذلك ولن يرتدّوا عن دينهم الذي ارتضوه لأنفسهم منذ قرون ولن يتأثر إيمانهم أو ينتقص منه برحيل حاكم أو بقائه؛ لأنهم يعبدون الله سبحانه وتعالى، أما أن كانوا يعبدون مرسي فهذا أمر, فيه نظر.!!. من حق جماعة الإخوان وأنصارهم أن يغضبوا لسقوط حلمهم وبهذه السرعة؛ لكن ليس من حقهم أن يستغلوا الدين لتحقيق رغبتهم في الحكم ويحوّلوا الصراع السياسي إلى صراع ديني ومذهبي وطائفي، وأن يربطوا بقاء الإسلام بعودة مرسي وبقائهم في السلطة. كما أنه ليس من حقهم أيضاً إشعال نار الفتنة والتحريض على العنف وإعلان الجهاد ضد الجيش المصري؛ لأن مثل هذه الدعوات بقدر ما فيها من إساءة وتشويه إلى سماحة الدين الإسلامي وقيمه وبما تحمله من قدح في دين وعقيدة المسلمين المختلفين معهم في الرأي يصل إلى حد التكفير؛ فهي أيضاً تجرُّ مصر وشعبها نحو حرب أهلية وخراب ودمار. واللافت للنظر أن الشعارات والخطب التي يلقيها قادة الإخوان المسلمين من على منصّة رابعة العدوية وما فيها من شحن وتحريض وإثارة للأحقاد والكراهية تكشف أن هؤلاء لم يستوعبوا الدرس بعد ولم يتخلّوا عن خطابهم المعادي والرافض للآخر رغم علمهم أن هذا الخطاب وأسلوب تعاملهم مع الآخرين هو الذي قادهم إلى ما هم عليه اليوم وأوصلهم أن يكونوا في هذا المكان الذي يقفون فيه. والسؤال: متى يعي الإخوان الدرس ويعيدون حساباتهم ويدركون أنهم السبب الأول والأخير وراء نكبتهم، أم أن إصرارهم وتمسُّكهم بآرائهم ومواقفهم سيدفعهم إلى المجازفة وتدمير مصرِ إرضاءً لرغبتهم الجامحة في الحكم والبقاء بالسلطة رغم أنف الشعب المصري