تصرّ قوى 14 آذار على مقاطعة أي حوار قبل اسقاط الحكومة اللبنانية، على الرغم من دعوة وجهها إليها الرئيس ميشال سليمان لحضور اجتماع الحوار في 29 تشرين الثاني (نوفمبر) الحالي، في ظل اجتماع قوى الموالاة والمعارضة في حاضرة الفاتيكان، حيث رسم البطريرك بشارة الراعي اليوم كاردينالًا. بيروت: تدور دوائر الحوار اليوم حول أكثر من محور، أهمها مبادرة وليد جنبلاط، رئيس جبهة النضال الوطني، التي يحملها مرسلوه إلى أقطاب الموالاة والمعارضة، وإلى سياسيين من الأطراف المختلفة، على نية إعادة الجميع إلى طاولة الحوار. فجنبلاط لم يتراجع يومًا عن مناداته بقطع الطريق على أي قطيعة بين الأطراف اللبنانية بالحوار، ولا عن تمسكه بإعلان بعبدا وبجهود الرئيس ميشال سليمان لعقد جلسة حوار من غير شروط مسبقة، كما صرح في الفاتيكان أمس السبت. لكن يبدو أن المراوحة سيدة الموقف، فكل فريق باقٍ على موقفه. 14 آذار ترفض الحوار قبل رحيل الحكومة، و8 آذار لن تتنازل عن الحكم بسهولة. بقلب مفتوح نقلت جريدة المستقبل المناشدة التي أطلقها الرئيس سليمان من الفاتيكان للجميع بأن "يأتوا إلى الحوار الذي سنقيمه في 29 من الشهر الحالي، وأن يأتوا بقلب منفتح متناسين الرهانات ومسقطيها، سواء الرهانات على المعارضة السورية أو الرهانات على النظام السوري. لا يمكن إلا أن نراهن على الوطن، إنه بيتنا جميعًا. رهاننا الوحيد هو على السلام عند جيراننا، ونحن نتمنى لهم السلام حتى يستمر السلام ويتوطد في وطننا". أضاف: "أطلب من الجميع أيضًا ألا يعتبروا أن إسقاط شروطهم هو تنازل. تجاه الوطن ليس هناك من تنازل، ولكن هذا واجب وطني. فلنسقط الشروط المسبقة التي وضعناها ولنسقط أيضًا الاتهامات التي اتهمنا فيها أطراف الحوار ولنسقط كذلك الاستغناء عن الاجتماع بالآخر. لنأتِ جميعًا بقلب مفتوح إلى طاولة الحوار في قصر بعبدا برئاسة رئيس الجمهورية". حراك غير مجدٍ نقلت صحيفة النهار عن الوزير السابق النائب جان أوغاسابيان تثمينه جهود سليمان، "أما فريق 8 آذار وتحديدًا حزب الله فهو يستأثر بالقرار الاستراتيجي السياسي والأمني، وهو صاحب القرار، وإذا لم يقتنع بأن هذه الحكومة تأخذ البلاد إلى صدام مذهبي وحرب أهلية، عدا عن كل اخفاقاتها، فهذه كارثة". ويرى أوغاسابيان أن الحل الوحيد "هو التوافق اللبناني الذي حكوا هم عنه، عبر حكومة يتفق الجميع عليها وعلى ضرورة الشراكة في الواجبات والمسؤوليات والنتائج". أضاف للنهار: "اذا حزب الله لا يريد أن يعترف بذلك، فكل الحراك الذي يحصل من الرئيس أو وليد جنبلاط وكل الكلام من العرب والغرب غير مجدٍ. اذا لم يقتنع الحزب فإنه يأخذني إلى الحوار ليلهيني وليضيع المزيد من الوقت ويعرض البلد لمزيد من الأخطار. اما اذا اقتنع، ويوم تجعله حساباته ومصالحه الاستراتيجية يقتنع بوجوب تغيير هذه الحكومة، فخلال 48 ساعة تكون عندنا افضل حكومة بلبنان". هل من بديل جاهز؟ في المقابل، نقلت الوكالة الوطنية للأنباء عن النائب محمد رعد، رئيس كتلة "الوفاء للمقاومة"، تأكيده أن فريقًا في لبنان يريد إسقاط الحكومة ولا يستطيع ذلك وفق الأصول الديموقراطية، المتمثلة بأن يستقيل رئيسها أو ثلث أعضائها أو أن تسحب الثقة منها في المجلس النيابي. وتساءل: "كيف تسقطون الحكومة؟ باحتلال السرايا أم بالقوة؟ أم بالضغط علينا ورفع الصوت الذي لا يوصل لأي نتيجة؟" ومقابل القناعة التي تحدث عنها أوغاسابيان للنهار، قال رعد: "حتى وإن أقنعتمونا بالأسباب التي تريدون لأجلها إسقاط الحكومة، هل لديكم بديل جاهز؟ وإذا قلنا لكم تعالوا وتفاهموا معنا فتقولون إن لا حوار معكم، وطالما لا تريدون الحوار ولا التفاهم، فلماذا تطلبون منا أن نتفاهم ونتعاون معكم حول اسقاط الحكومة". ونصح رعد الفريق الآخر بقوله: "لا سبيل لهؤلاء إلا الحوار والتفاهم مع قوى الأكثرية والهدوء من أجل النظر في مصلحة البلاد العامة". من جانبه، نقلت صحيفة الجمهورية رفض النائب أغوب بقرادونيان مقاطعة طاولة الحوار تحت أي ظرف، وقال إن الحرب هي البديل الوحيد عن الحوار. أضاف: "لننجز خمسة في المئة على طاولة الحوار أفضل من لا شيء". وأبدى بقردونيان تأييده لكل مبادرة هدفها تقريب وجهات النظر وتحديد القواسم المشتركة وتخفيف التشنج في الشارع، داعيًا إلى إعطاء فرصة للحكومة لكي تكمل مشاريعها، ومحذرًا من الدخول في الفراغ والمجهول. وختم: "قرار الحرب في لبنان خارجي ونحن مجرد أداة". سقطت بالنقاط في موازاة هذا الجدال، تنقل صحيفة المستقبل عن مصادر بارزة في قوى 14 آذار تقويمًا لما حققته من تحركها لإسقاط الحكومة، بعد شهر ونيف على جريمة اغتيال اللواء الشهيد وسام الحسن. بحسب المستقبل، تشير هذه المصادر إلى أن ما يتحقق هو تجميع نقاط في اتجاه سقوط الحكومة، لأن هذه الحكومة لن تسقط بالضربة القاضية، لكن بالنقاط ستسقط، إذ إن 14 آذار نجحت في حشد كمية نقاط كبيرة في الداخل. كما أنها نجحت في توضيح صورة ربما كانت ملتبسة في الخارج. وتقول المستقبل إن العد العكسي لسقوط الحكومة قد بدأ، "فوزير المال في الحكومة محمد الصفدي ينصح بذهاب هذه الحكومة، وهناك مكوّنات أساسية فيها باستثناء حزب الله بدأت تتحدث عن بديل لهذه الحكومة، وإن كان شكل هذا البديل يختلف عن البديل الذي تطالب به قوى 14 آذار. لكن المهم بدأ الحديث عن التغيير الحكومي". كما نقلت المستقبل عن أوساط أخرى في 14 آذار قولها إن ما أدلى به رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في فرنسا حول استقالته، يعكس جو المحادثات، حيث انتهت صلاحية هذه الحكومة وبات ضروريًا تغييرها. احتجاج على أيوب وفي المستقبل نفسها، كشف مصدر رفيع رافق سليمان في زيارته لروما أن رئيس الجمهورية بعث في الأسبوع الماضي رسالة احتجاج إلى نظيره الإيراني محمود أحمدي نجاد عبر وزير الطاقة الإيراني مجيد نمجو خلال استقباله له في قصر بعبدا، أبلغه خلالها احتجاجه على إرسال الطائرة "أيوب" وحصولها على معلومات تم تزويدها لإيران، من دون إطلاع رئيس الجمهورية اللبنانية والحكومة اللبنانية عليها، واعتباره هذه الخطوة "تجاهلًا لمشاعر اللبنانيين". إلا أن هذا الاحتجاج لم يكن ليلقى صدًا كبيرًا، خصوصًا أن أمين عام حزب الله حسن نصرالله أعاد لبنان إلى دائرة الصراع الاقليمي اليوم بخطابه في ذكرى عاشوراء، إذ أكد أن الذي حمى غزة بعد الله إرادة المقاومة وشعبها وصواريخها، "ولذا نحن في لبنان تحمينا المقاومة". أضاف: "اذا كانت اسرائيل قد اهتزت أمام عدد من صواريخ فجر 5، فعلى هذا العدو أن يفكر ماذا ينتظره في لبنان"، معلنًا أن الصواريخ ستنزل على تل ابيب وغيرها اذا اعتدت على لبنان. وقال: "اذا كانت المواجهة في غزة المحاصرة، فان شعاع المعركة سيكون على طول الحدود الفلسطينية ومن الحدود الاردنية ومن كريات شمونة إلى إيلات". أدراج الرياح وقد نقلت المواقع الإلكترونية الإخبارية اللبنانية نص خطاب نصرالله، الذي وصف فيه المشروع الاميركي - الصهيوني "بيزيد هذا العصر لأنه يتهدد حياتنا وديننا ومستقبلنا"، مؤكدًا أن المواجهة ستبقى الاولوية المطلقة، محذرًا من خطورة تحويل الاصدقاء إلى اعداء، والعكس لأن هناك في العالم العربي من يعمل على تقديم اسرائيل صديقًا وايران عدوًا، لكن اسرائيل لا تساعد بسبب طبيعتها الاجرامية العنصرية العدوانية والطغيانية، لذلك فهي تحرجهم سنويًا في اعتداءاتها على فلسطينولبنان، فيقف هؤلاء امام محاولاتهم تقديم اسرائيل يمكن التعايش معها بانها تذهب أدراج الرياح". وشدد نصرالله على واقع العيش المشترك في لبنان، مستنكرًا اتهام حزب الله بتنفيذ اغتيالات. وأكد "حرصنا على الأمن والاستقرار والعيش الواحد والابتعاد عن الإثارة، وصبرنا على كل تهمة وان لا عدو لنا إلا إسرائيل تابع: "ما زلنا نؤمن بأن الحوار السياسي هو الطريق لمعالجة الأزمات السياسية والوطنية والاجتماعية في لبنان، ولم نرفض في أي يوم الذهاب إلى الحوار". وانتقد من أعلن مقاطعة الحوار بتوجيه الاتهام لنا بالاغتيالات وقال: "هذا مستوى متدنٍ من السخافة، نحن مستعدون للاستجابة إلى الحوار في 29 الحالي، ولكن نؤكد اننا لا نقبل أن يفرض علينا أحد شروطًا في الحوار، وان لا يتكبر علينا أحد". بعد مشرقي وبعيدًا عن المشهد الداخلي، نقلت النهار صورة جلية لحفل رسامة البطريرك بشارة الراعي كاردينالًا في روما. فبين ستة كرادلة جدد من انحاء مختلفة في العالم عيّنهم البابا بنديكتوس السادس عشر تأكيدًا ل"كونية الكنيسة في تعبيرها عن الثقافات المختلفة للقارات المتنوعة"، تقول النهار إن سيامة البطريرك الراعي الرتبة الكاردينالية اكتسبت بعدًا مزدوجًا دينيًا ووطنيًا، عكسه الحضور السياسي والديني والشعبي الحاشد لهذه المناسبة. وتتابع النهار: "اذ غدا البطريرك الراعي الكاردينال اللبناني الثاني في عصر واحد إلى جانب الكاردينال البطريرك مار نصرالله بطرس صفير، اكتسب الحدث طابعًا وطنيًا مع تسلم الراعي شارات الكاردينالية من البابا وسط حضور رسمي وسياسي وديني متنوع تقدمه رئيس الجمهورية وشاركت فيه عشرات الشخصيات من مختلف القوى والأحزاب السياسية في مشهد مناقض تمامًا للمناخ الداخلي الذي يغرق في أزمة سياسية حادة سدّت معها كل طرق التواصل السياسي". وحفّز هذا المشهد الرئيس سليمان لاحقًا، في غداء تكريمي اقيم في المناسبة، منح في نهايته الراعي وسام الارز الوطني من درجة الوشاح الاكبر، على ابراز البعد المسيحي المشرقي للحدث باعتباره رسالة إلى اللبنانيين كي يبقوا ملتفين حول المناسبات العظمى والأهداف الكبرى.