ما تشهده مصر من تظاهرات ومصادمات يظهر مدى وحجم التحديات التي تواجه الرئيس المصري محمد مرسي، بل والبلد كله أيضاً، فالاحتجاجات في ميدان التحرير تظهر عمق الانقسامات التي خلقها مسعى مرسي لتوطيد حكمه، وكشفت أحداث الايام القليلة الماضية مدى صعوبة اتفاق المصريين على خطوات مهمة وصعبة لبناء مؤسسات ديمقراطية جديدة، وترسيخ الممارسات الديمقراطية. ومما لا شك فيه أن القرارات التي اتخذها مرسي من خلال الاعلان الدستوري أثارت غضب معارضيه، لانها تمنح حصانة كبيرة للهيئة المسؤولة عن صياغة الدستور، التي يسيطر عليها الإسلاميون، إضافة الى أنها تجعل قرارات مرسي فوق المساءلة القانونية. وسواء قرر مرسي الاحتفاظ بسلطاته الجديدة أو التخلي عنها لاحقاً، فإن ما اتضح هو أن مرسي المعتاد على مبدأ الطاعة والانضباط، وهما من المبادئ الرئيسة للاخوان المسلمين، يلاحظ ويلمس أن حكم مصر أمر صعب ومحبط. ويمكن تفسير الإجراءات الجديدة لمرسي على انها مؤشر إلى ضعفه، بينما يحاول مواجهة مشكلات مصر المتفاقمة، كما أنها يمكن أن تكون محاولة للحصول على مزيد من السلطات للتعامل مع أزمات مصر، التي من بينها الجهاز القضائي الذي يضم شخصيات من عهد مبارك تحاول سد الطريق امام التحول الديمقراطي. ويقول مرسي الذي سجل نجاحاً في أول اختبار له في السياسة الخارجية بالتوسط في اتفاق الهدنة في قطاع غزة بين حركة المقاومة الاسلامية (حماس) واسرائيل، يقول أمام حشد من مؤيديه أمام قصر الرئاسة إنه لم ينجح في تنفيذ الاهداف المقررة له خلال ال100 يوم الاولى من حكمة بالكامل، لكنه لن يكف عن السعي لترسيخ الممارسات الديمقراطية، وحل مشكلات الشعب المصري على اختلاف طوائفه وشرائحه. وتم نصب العديد من الخيام في ميدان التحرير لعلاج الجرحى من المحتجين اثناء المواجهات مع قوات الشرطة، وتبديل ورديات المناوبة والمراقبة. وقد نجح مرسي الأسبوع الماضي في أن يثبت للمصريين والعالم أنه الرئيس القائد الذي لا ينازعه أحد المصريين، وأنه الرجل القوي الجديد في الشرق الاوسط من خلال نجاحه في تثبيت اتفاق وقف إطلاق النار، الذي انهى ثمانية أيام من القصف البحري والجوي الإسرائيلي لمختلف مدن وبلدات ومخيمات قطاع غزة. كما عززت أحداث الايام الاخيرة في مصر الشكوك في استمرار أزمة الثقة بين مرسي ومن ورائه حركة الاخوان المسلمين والقوى العلمانية والليبرالية، التي لا تخفي مخاوفها من خططه لتكريس ديكتاتورية جديدة. وقد أصدر القضاة في مصر بياناً غاضباً، نددوا فيه بقرارات مرسي، واعتبروها «هجوماً غير مسبوق على استقلالية القضاء». وفي محاولة منه لتهدئة التوترات والمصادمات بين مؤيديه ومعارضيه، تعهد مرسي بالعمل على اجتثاث من وصفهم ب«السوس» الذي يرعى في جسد مصر وعلى حساب قوت أبنائها ومصالحهم. وفي لحظات معينة من احداث ميدان التحرير، ردد المحتجون ضد مرسي بعضاً من الشعارات التي رددوها ضد الرئيس السابق حسني مبارك ونظامه، مثل «الشعب يريد إسقاط النظام»، و«ارحل ارحل»، كما تمت مهاجمة بعض مكاتب حزب الحرية والعدالة في المدن المصرية، في حين قال المحتجون المعارضون لمرسي إنهم تعرضوا للهجمات من أنصار الاخوان المسلمين، وقال ابوالعز الحريري، زعيم التحالف الشعبي الاشتراكي، إنه وزوجته تعرضا لهجوم في الاسكندرية على أيدي قطاع طرق وبلطجية مسلحين بالعصي والسيوف. وبدأ تفاقم مؤشرات الأزمة في مصر منذ إجراء الانتخابات البرلمانية، ثم الانتخابات الرئاسية التي كرست سيطرة الاخوان المسلمين على مختلف المؤسسات، ما اثار غضب المعارضين من مختلف القوى، وقد وصفت البروفيسورة في الجامعة الاميركية في القاهرة، وفاء والي (45 عاماً)، المراسيم والقرارات التي أعلنها مرسي ب«المشروب الذي به مزيج من السم والعسل». بيتر بومونت مراسل ومحرر الابزيرفر في القاهرة والمقال منشور فيها