بعيدًا عن جدران المدارس ودفاتر المجانين، بعيدًا عن ذكريات عاشق سُكبت على سور، أو عبارات مراهق نُقشت بالألوان، بعيدًا عن ذكريات تتخذ من المرافق العامة صفحات للبوح، ويسطر عليها كلمات للتعبير عن المشاعر، والتي لا تعني المجتمع من قريب ولا من بعيد، بقدر ما هي حالة يعيشها مراهق خُيل له أنها ستصمد في وجه عوامل التعرية، وأنها دواء لجراحه وتخفيف لعذابه. لقد أصبح من البديهي أن يكون للمشروعات الجديدة نصيب من مشاعر المراهقين، ولإحساسهم حضور يزاحم لوحات المشروعات التذكارية، بل بات من الطبيعي أن يكون لهم بصمتهم على اللوحات الدعائية والإعلانية في الطرقات العامة، فقلّما نجد لوحة أو منشأة جديدة لم تتسع لبصمة تترجم ما يدور في أروقة النفس وما تخفيه الأضلع. الموجع في الأمر أن ذكريات الحب وعذاباته تعدّت كل ذلك، واتخذت من اللوحات الإرشادية الواقعة على الطرق الرئيسة صفحات لها، والغريب في الأمر إصرار ذلك «المخربش» على الوصول؛ رغم خطورة الوضع، فاختلال توازن الجسد سيؤدي بحياة حامل ذكرياته على كفّه، ليكون مصيره أشلاءً تحت إطارات المركبات العابرة. استغرب من جَلَد وعزيمة المشوّهين على تدوين مشاعرهم في مواقع لا يمكن وصف الوصول إليها إلا أنه محاولة انتحار، وإلقاء بالنفس إلى التهلكة، وفي الوقت عينه أتساءل عن الأوقات التي يختلسون فيها غياب الرقيب للتعبير عن مشاعرهم، خصوصًا على الطرق السريعة، والتي لا تكاد تخلو من دوريات للمرور السري والعلني، ودوريات أمن الطرق. إن الوقت قد حان لتُسن عقوبات صارمة ضد المعتدين على المرافق العامة بالعبث والتخريب أيًا كان، وخصوصًا تدوين العبارات التي تخدش الذوق العام، وتلوّث فكر الأطفال، خصوصًا إذا ما سلّمنا بأننا قضينا سنوات طوالا في تصنيف الظاهرة، وتحديد الجهات المسؤولة عن هذا التصرف، وخلصنا إلى إلقاء اللائمة على «شماعة» البيت والمدرسة، ونسينا معاقبة العابثين بالمرافق، التي هي في واقع الأمر ملكٌ للجميع، وليست لمن كوتهم نيران الحب، وألهب الفراق مشاعرهم، فالأمر هنا إيذاء للنفس وعبث بحقوق الآخرين. همسة: كي لا تظلم.. لا تكن أذنيك محطة لاتخاذ قراراتك.