أكد مدير مركز الدراسات الإسلامية بجامعة أم القرى الشيخ الدكتور محمد مطر السهلي خطيب جامع الأميرة شيخة بمكة المكرمة في خطبة الجمعة أمس أن أكثر ما يدور في كل ليلة تنعقد فيها الجلسات، في الدوريات والاستراحات، لا يسلم غالبًا من يتواجد فيها من الآثام والسيئات، فمن نجى من غثاء القنوات لم ينجُ من تتبع العورات، وانتقاص الناس والسخرية بهم، والكذب والغيبة والخوض في الباطل، والثرثرة والتشدق في الكلام، والمزاح السمج الذي يقدح في الرجولة ورجاحة العقل، والتعصب والجدل الصاخب لرأي أو فريق، وكل ذلك بسبب إهمال اللسان، وجعله حبلاً مرخيًا في يد الشيطان، متسائلاً عن مدى تدبر أولئك المتحدثون في أعراض الناس من آيات الذكر الحكيم أو أحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم المحذرة من خطورة ما يتفوهون به، فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم-: «ما من قوم يقومون من مجلس لا يذكرون الله فيه إلا قاموا عن مثل جيفة حمار، وكان لهم حسرة»، وقال الله تعالى: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ). وأكد السهلي أن كُلُّ نفَسٍ معدود، وكل هاجسة معلومة، وكل لفظ مكتوب في كل وقت، وفي كل حال، وفي أي مكان، عندها قل ما شئت، وحدِّثْ بما شئت، وتكلَّمْ بمن شئت؛ ولكن اعلم أن هناك مَن يراقب، وهناك من يسجِّل، وهناك من يعد عليك الألفاظ: (ِإذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)، مبينا أن المؤمن المظلوم سينال الجزاء الأوفى ممن ظلمه غيبة أو أذية، مؤكدا أن فساد المجالس اليوم بسبب قلة العلم والاطلاع، إذ لو وجد لاستغلت أحسن استغلال، ولسمعت النكت العلمية، والفوائد الشرعية، والمسائل الفقهية بدلا عن القيل والقال وفلان وعلان؛ ولكن فاقد الشيء لا يعطيه، وهذا أثر من آثار الجهل وقلة البركة، حيث أصبح العلم مصدر رزق للناس. وقال: ومن أجل البعد عن اللغو والحذر من آفات اللسان وأخذ النفس بالأدب ينبغي ملاحظة صور تتكرر في مجالسنا وقل من يسلم منها، ومن هذه الصور المشاهدة في مجالسنا حديث العامة أن فلانا فيه أخطاء، وعلانا فيه تقصير، والثالث فيه غفلة وهكذا، فماذا تقول في رجل أخرج من جيبه عشرات الريالات ثم نثرها في المجلس وبددها؟ أهو عاقل أم مجنون؟! وإن من جلس مجلسًا ثم أطلق للسانه العنان فهذه علامة أكيدة على إفلاسه في الدنيا والآخرة؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «أتدرون ما المفلس؟» قالوا: المفلس فينا مَن لا درهم له ولا متاع. فقال: «إن المفلس مِن أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه؛ ثم طرح في النار!».