فنُّ آلكتابَةُ و آلخطابَةُ(7) ثورةُ ألمطابع! بدأ إستخدام فنّ طباعة ألكُتب بأوربّا في ألمانيا على يد ألمخترع"غوتنبرغ" منتصف ألقرن ألخامس عشر ألميلاديّ, و لم يستطع ألمسلمون ألأستفادة من هذا آلأختراع ألعظيم إلّا بعد مرور أكثر من قرنين لكون آلحكومة ألعثمانيّة لم تحمل همّاً لذلك لأنّ آلقائمين على آلحكم لم يكن يهمهم في آلحقيقة قضايا آلدّعوة و نشر ألأسلام لإنشغالهم بملذات ألدّنيا(1), لذلك شدّد ألسّلطان "سليم الأول" منع إستخدام ألمطبعة لفساد و تخلّف ألفكر و آلمبدء ألّذي كانَ مُتّبعاً من قبل ألحاكمين في أجهزة ألدّولة! و عندما سمحوا بذلك آلأكتشاف ألأوربي ألكبير – أو بآلأحرى ألصّيني لكونهم أوّل من إخترعوا الطابعة – ليأخذ دوره كان الأهتمام ألحقيقي بهذا آلفنّ محدوداً جدّاً من قبل ألدّولة و فعلوا ذلك بعد قرون بقليلٍ من آلرّغبة نتيجة ألأستبداد ألحكوميّ! إن أوّل كتاب عربيّ تمّ طبعهُ كان في أيطاليا في "فانو" سنة 1514م بأمرٍ من آلبابا "يوليوس ألثّاني" و إختصّ بآلأوقات ألسّبعة ألقانونيّة. لقد كان ردّ السّلطان ألتركي "سليم الأول" سلبيّاً جدّاً تجاه ثورة المطابع و إنتاج الكتب و بآلتالي نشر المعرفة للحفاظ على عرشهم لخشيتهم من آلنتائج ألعكسية التي قد يسفر عنه هذا الأختراع العظيم في إنتشار الوعي و الحكمة و الثقافة بين رعاياها و التي تؤدّي بشكلٍ طبيعي إلى قيام ثورات و نهضات شعبية ضد سلطتهم الظالمة للحصول على حقوقهم الطبيعية المغتصبة, لذلك شدّد السلطان با يزيد الثاني عام 1485م الذي خلّف السلطان سليم هذا المنع و وضعه موضع التنفيذ سنة 1515م, بينما آلمسيحيون و آليهود طبعوا الكثير من كتبهم بما فيها التوراة و آلأنجيل و وزّعوها في جميع أنحاء العالم. و إستمر الحال على ذلك حتى سنة 1700م بعد ما تغيّر الوضع في زمن "محمد أفندي" و إبنه "سعيد أفندي" اللذين أصبحا مُلمّين بفنّ ألطباعة و أهميتهُ خلال إقامتهما في باريس, و تمكّنا في النهاية من إقناع الحكومة ألعثمانية للسّماح بإدخال المطبعة إلى تركيا لكونها نافعة لتثبيت سلطان آلحكومة بآلدرجة ألأولى و صدر "الفرمان" ألأمر ألسّلطاني سنة 1712م بآلموافقة على طبع الكتب بإستثناء تلك المتعلقة بآلقرآن و آلتفسير و الفقه و آلرّوايات و الأحاديث النبوية و علم الكلام(2), و أصدر شيخ الأسلام "عبد الله أفندي" فتوى بيّن فيه بأنّ هذا السّماح يمكن أن يكون غير مشروط! و أنشأ "سعيد أفندي" دار طباعة بآلتعاون مع "إبراهيم آغا" و هذا آلأخير كان هنغاريّاً قد أسلم و أوّل عملٍ قام به مع شريكه "سعيد" عام 1728م هو طبع كتاب معجم ألصّحاح للجّواهري (ت1002م), ثم طبع بعدها كتبٌ تركيّة أخرى و قد أغلق الدار 40 عاماً تقريباً, من 1745م حتى عام 1783م, ثمّ بدأت الطباعة من جديد بعد فتح الدار حيث طُبعت عدد من الكتب العلميّة ألمختلفة في آلأقتصاد و آلتأريخ و آلجّغرافية و آلفلك, و بعد حدوث ألثورة التركيّة القوميّة إنفصلت تركيا تماماً عن الماضي ألعربي و أهمل الأدب العربيّ و آلقرآن و لم يستخدموا حتّى الأحرف العربية في لغتهم , بل إن أتاتورك غيّر الحروف التركيّة و إستخدم بدلاً منها ألحروف الأنكليزيّة حتّى يومنا هذا. لقد دخل فنّ الطباعة إلى العالم العربي عن طريق الكنيسة التي قامت بطبع الكثير من الكتب التي إستخدمت في التبشير المسيحي في العالم العربي و الأسلامي, و أوّل دار طباعة تأسس في لبنان(طرابلس) عام 1610م لغرض طبع كتاب ألعهد القديم و آلجديد بآللغتين العبريّة و آلعربيّة, و بعد عام1734م تمّ طبع عدداً من آلكتابات ألدّينية(المسيحيّة) بآللغة العربيّة في دير الزور أيضاً و أنتقلت ألطباعة بعدها إلى مدينة حلب في سوريا عام 1706م و تمّ فيها طبع كتاب"ألأنجيل" و "آلمزامير" و غيرها تباعاً. ثمّ توالت تأسيس المطابع في آلدّول العربيّة بعد عام 1750م و إزدهرت بشكلٍ كبيرٍ سنة 1824م عندما نقلت إرساليّة أمريكيّة دار ألطباعة العربيّة من "مالطا" إلى "بيروت" لطباعة الكتب ألأوربيّة ألمتنوعة لنقل ألثقافة ألغربيّة إلى آلعالم ألأسلاميّ. من آلمفارقات ألعجيبة؛ أنّ آلقرآن الكريم لم يتمّ طبعهُ في آلأمبراطوريّة ألعثمانية ألّتي كانتْ تدعيّ آلأسلام و لا في الدول العربيّة؛ و إنّما طُبعَ لأوّل مرّة في روسيا من قبل آلرّعايا ألمُسلمين عام 1787م و آلأغرب أنّ آلسّلطات ألعثمانيّة لم تسمح بطبعه في آلمطابع التي أنشئت في تركيا أو غيرها من آلبلاد ألتابعة لها على الرّغم من مرور أكثر من 350عام على إكتشاف ألمطبعة بحُجّة أنّ كلمة (الله) ألمقدسة ستُدنّس أثناء عملية ألطبع بينما آلحقيقة كانت بسبب هاجس الخوف من قبل أصحاب المكتبات من أن تصبح الكتب رخيصة فيسبب حالة الكساد في سوقها بعد ما تقع بأيدٍ غير لائقة بحسب إعتقادها, بينما آلحقيقة و كما أشرنا كان لهاجس الخوف من إنتشار الوعي بين المسلمين كي لا يثوروا ضد السلطات العثمانية الفاسدة بسبب ألمُتبنيّات العقائدية و الفكرية التي آمنوا بها! بعدها دخل العالم عصر ألصحافة لأوّل مرّة عام 1832م و بدأت ألصّحف بآلأنتشار و التنوع حتى نهاية القرن العشرين حيث صدرتْ مجموعة من الصحف العالمية و العربية على إثر ذلك, و كانت"الوقائع" المصرية هي أوّل صحيفة عربية صدرتْ سنة 1828م في زمن "محمد باشا" تلتها صحيفة"حديقة الأخبار" عام 1858م ثمّ صحيفة"سورية" كثالث صحيفة عربيّة صدرت عام 1865م كانت تصدر بآللغتين العربية و التركية و تكتب من قبل السوريين ألذين تلقوا تعليمهم في ألمؤسسة الأمريكيّة"الجامعة الأمريكية" و "آلكلية اليسوعية" في بيروت, و هكذا كانت مصر ثم لبنان ثم سوريا بآلتوالي أولى آلدّول العربيّة التي نشطت فيها آلصحافة و طباعة الكتب لتماسّها مع أوربا ألّتي سبقتها بقرونٍ في هذا آلمجال. مع بداية ألألفيّة الثالثة إنحسرت الطباعة الورقية – خصوصاً الصحف و حلّتْ محلها الطباعة الأليكترونية بسبب إنتشار الشبكة العنكبوتية(الأنترنيت) و أجهزة الأتصال و المحطات الخبرية الفضائيّة, لكن مكانة الكتاب و الصحيفة ما زالت باقية عند أهل العلم و التحقيق و آلأكاديميات, فآلقلم كما آلكلمة لا يستغنى عنها حتى آخر يوم من حياة البشريّة مهما تطوّرت ألوسائل و آلأتصالات ألتكنولوجيّة! عزيز الخزرجي (1) لمعرفة ألمزيد عن فساد ألخلافة ألعثمانيّة شاهدوا ألمسلسل ألتلفزيونيّ ألتركيّ"حريم ألسّلطان" ألذي أنتجهُ شركة تركيّة و تمّ منعهُ حكومياً من قبل عميد حزب الرفاه الحاكم في تركيا "أوردغان" بسبب الفساد و الفضائح الكبيرة التي كشفها المسلسل عن السلاطين العثمانيين! (2) يذكر ألمؤرّخون بأنّ آلخليفة ألأول و آلثّاني و آلثّالث قد منعوا أيضاً كتابة ألحديث و آلرّوايات من بعد وفاة الرسول(ص), و يأتي منع تداول و نسخ "ألقرآن" الذي كتبه الأمام علي(ع) بعد عزله عن الخلافة؛ هي الحادثة المأساوية الأكبر تدميراً في الفكر الأسلاميّ على آلأطلاق بعد وفاة الرسول(ص) بحجّة خوفهم من إختلاط الآيات ألرّبانية مع الأحاديث النبوية ألتي ذيلها الأمام علي(ع) في حاشيته مع آلأسانيد و آلوقائع ألتي شهدها بنفسه و التي بيّنت الكثير من آلأمور و الأحداث وأسباب النزول التي بقتْ خافية على الناس أو مُحرّفة من قبل المغرضين حتّى يومنا هذا للأسف الشديد بسبب ذلك المنع ألظالم.