كشفت تقارير جديدة أن الدعم الروسي للأسد لا يقتصر على السلاح والمحافل الدبلوماسية بل يمتد إلى طباعة الأوراق النقدية التي يحتاجها النظام لدفع رواتب جنوده وموظفي جهازه الإداري. تقدم روسيا دعمها لنظام الرئيس السوري بشار الأسد بطرق خفية أخرى من خلال طبع اوراق نقدية يدفع بها رواتب جنوده وموظفي الجهاز الإداري، كما افاد موقع بروببليكا الاستقصائي، مستندًا إلى سجلات رحلات جوية تتضمن تفاصيل شحنات جوية من مطار فنوكوفو في موسكو الى مطار دمشق الدولي عبر الأجواء الايرانية و/أو العراقية. وتبين هذه السجلات أن ما لا يقل عن 120 طنًا وإلى حد 240 طنًا من الأوراق النقدية نُقلت على امتداد عشرة أسابيع خلال الفترة الواقعة بين تموز/يوليو وايلول/سبتمبر في ما لا يقل عن ثماني رحلات ذهابًا وإياباً تجنبت التحليق عبر المجال الجوي التركي بعد التوتر الذي نشأ بين النظام السوري وتركيا منذ الربيع الماضي. وكانت تركيا اجبرت الشهر الماضي طائرة مدنية سورية قادمة من موسكو على الهبوط لتفتيشها مشتبهة بأنها تحمل معدات عسكرية. ولكن المسؤولين الاتراك لم يفصحوا عن طبيعة المواد التي صودرت إن وجدت مواد كهذه. ورغم ان السجلات لا تحدد نوع العملة المشحونة أو قيمتها فان تقارير أفادت في وقت سابق بأن روسيا وافقت على طبع ليرات سورية للأسد بعد أن الغت الشركة النمساوية التي كانت تطبعها العقد الموقع مع حكومة دمشق في ايلول/سبتبمر 2011. وامتنع المسؤولون السوريون والروس عن التعليق على صحة هذه الأنباء وسجلات الرحلات الجوية، بحسب موقع بروببليكا، ولكنه أكد حدوث جميع الرحلات تقريبًا بعد التحقق منها عن طريق خدمات رصد جوية وصور وتسجيلات المراقبة الجوية. البقاء والاستمرار وتزداد حاجة نظام الأسد إلى النقد من أجل البقاء والاستمرار في تمويل آلته العسكرية لسحق الانتفاضة. والحقت العقوبات الأميركية والأوروبية التي شملت منع سك العملة السورية أضرارًا بالاقتصاد السوري منها حرمان النظام من التعامل مع البنك النمساوي الذي كان يطبع له الاوراق النقدية في شركة تابعة للبنك. وقال دانيل غليسر مساعد وزير الخزانة الاميركي لمكافحة تمويل الارهاب والجرائم المالية "إن اصدار عملة يمكن تداولها عملية مهمة بكل تأكيد لإدارة الاقتصاد وأكثر من ذلك في اقتصاد زاد اعتماده على النقد بسبب ترديه". واضاف غليسر أن النظام السوري يريد طبع النقود "لدفع رواتب الجنود أو دفع أي شيء لأي أحد". وتبين سجلات الرحلات الجوية الثماني بين موسكوودمشق أن كل رحلة كانت تحمل 30 طنا من الاوراق النقدية الى سوريا. وهناك سجلات طيران باللغتين العربية والإنكليزية، وكذلك نسخ طلبات مقدمة إلى ايران للتحليق في اجوائها مكتوبة بالفارسية. وقال مسؤولون اميركيون إن الأدلة المتوفرة على تقديم معونة نقدية إلى جانب التعاون العسكري تشير إلى نمط من الدعم الروسي للأسد يمتد من المساعدات الملموسة إلى حماية النظام من عقوبات الأممالمتحدة. وكان الاتحاد الاوروبي فرض في ايلول/سبتمبر 2011، بعد ستة أشهر على اندلاع الانتفاضة، عقوبات تمنع دوله الأعضاء من سك عملات معدنية أو طباعة اوراق نقدية جديدة للنظام السوري أو امداده بها. وقال الاتحاد الاوروبي إن العقوبات تهدف الى "إيقاف اولئك الذين يقودون الحملة ضد المحتجين في سوريا وتقييد التمويل المستخدم لارتكاب اعمال عنف ضد الشعب السوري". وكانت نقود سوريا تطبعها وقتذاك شركة تابعة للبنك المركزي النمساوي. واصدر الرئيس الأميركي باراك اوباما خمسة اوامر تنفيذية تمنع سفر افراد عائلة الأسد إلى الولاياتالمتحدة واستخدام النظام المالي الأميركي. العقوبات تقضم ظهر النظام ونقل موقع بروببليكا عن مسؤول اميركي طلب عدم ذكر اسمه أن تمويل آلة الحرب يزداد صعوبة وكلفة الحرب تصبح أبهظ على نظام الأسد. وأضاف "أن العقوبات الموجهة ضد من يقودون حملة البطش تؤدي مفعولها وبدأت تقضم مواردهم المالية". ويبدو أن روسيا تساعد في التخفيف من وطأة هذه العقوبات. وافادت وكالة رويترز في حزيران/يونيو الماضي أن روسيا بدأت تطبع ليرات سورية جديدة وأن شحنة أولى من الاوراق النقدية وصلت بالفعل. ونفى البنك المركزي السوري تقرير رويترز قائلاً إن النقود الوحيدة المتداولة هي اوراق نقدية حلت محل اوراق تالفة أو مهترئة. وذهب البنك إلى أن مثل هذا التبديل لن يكون له تأثير على الاقتصاد. وفي 3 آب/اغسطي نقلت وكالة الأنباء السورية الرسمية "سانا" عن مسؤولين سوريين اعترافهم بأن روسيا تطبع نقودا سورية. وقال قدري جميل نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية في تصريح للصحفيين في موسكو إن الاتفاق مع روسيا على طبع النقود يعتبر "انتصارًا" على العقوبات، كما افادت "سانا" في حينه. واعلن وزير المالية السوري محمد الجليلاتي أن روسيا توفر اوراقا نقدية بديلة وعملة اضافية "تعكس التغير الحاصل في إجمالى الناتج المحلي"، على حد تعبير "سانا". وقال الجليلاتي إن هذه النقود لن يكون لها تأثير على معدل التضخم. ولكن طبع اوراق نقدية جديدة بكميات تتعدى استبدال النقود القديمة يمكن أن يقوض قيمة العملة السورية المتدهورة اصلاً. وكانت 30 طنًا على الأقل من النقود نُقلت وقت اجتماعات المسؤولين السوريين مع نظرائهم الروس في موسكو، كما يظهر من سجلات الرحلات الجوية وشُحنت 210 اطنان أخرى في رحلات لاحقة. ولاحظ صندوق النقد الدولي في تقريره الاقتصادي عن مناطق العالم المختلفة الذي نشره في وقت سابق من هذا الشهر، ان العملة السورية فقدت 44 في المئة من قيمتها منذ اندلاع الانتفاضة في آذار/مارس 2011 وبلغ سعر صرفها 70 ليرة مقابل الدولار بالمقارنة مع 47 ليرة حين بدأ النزاع. ايرادات الحكومة من الضرائب وقال الباحث في مركز كارنغي للشرق الأوسط وخبير الاقتصاد السياسي المقيم في الاردن ابراهيم سيف إن شحن 30 طناً من الاوراق النقدية مرتين في الاسبوع كمية كبيرة بالنسبة لبلد مثل سوريا. واعرب عن اعتقاده بأن العملية لا تقتصر على استبدال نقود قديمة بأخرى جديدة "بل هم يطبعون النقود لأنهم يحتاجون إلى أوراق نقدية جديدة". وتابع سيف "ان غالبية ايرادات الحكومة تتحقق من الضرائب، ومن ناحية الخدمات الأخرى فانها جفت تقريبا الآن. وهم ما زالوا يدفعون الرواتب ولم تظهر أي علائم ضعف في تنفيذ التزاماتهم الداخلية، والطريقة الوحيدة التي تتيح لهم ان يفعلوا ذلك هي ضخ نقود من نوع ما إلى السوق". وقبل اندلاع الانتفاضة كانت احتياطات سوريا من العملات الأجنبية تبلغ نحو 17 مليار دولار. وقال سيف إنه واقتصاديين آخرين في المنطقة يقدرون حجم هذه الاحتياطات الآن بنحو 6 8 ملايين دولار نظرًا لهبوطها زهاء 500 مليون دولار في الشهر لدفع الرواتب وتوفير الإمدادات من أجل استمرار الحكومة في عملها. وفي موسكو قال وزير المالية السوري إن بلاده تحتاج إلى احتياطات اضافية من العملات الأجنبية التي يمكن أن توفرها روسيا على شكل قروض. وقال خوان زراتي الذي عمل مساعد وزير الخزانة الاميركي لمكافحة تمويل الارهاب والجرائم المالية في ادارة بوش إن من الجائز أن النظام السوري يحصل على احتياطات من العملة الاجنبية باليورو أو الدولار ، لحاجته اليها في تعاطي أي تجارة ذات معنى. ولاحظ زراتي أن بلدانا أخرى حين واجهت عقوبات اقتصادية لجأت الى دول حليفة للحصول على احتياطات من العملات الأجنبية حيث تولت الصين توفيرها لكوريا الشمالية في الماضي ووافقت فنزويلا على بيع احتياطات الى ايران. وما زالت الليرة السورية تباع وتُشترى في الأسواق المفتوحة، ولكن المعلومات المتوفرة عن الاقتصاد السوري بالمؤشرات الملموسة مثل التضخم، معلومات محدودة. وقال مسعود احمد مدير قسم الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي إن مسؤولي الصندوق لم يتمكنوا من الحصول على معلومات مباشرة عن سوريا منذ عام على الأقل. وامتنع مساعد وزير الخزانة الاميركي غليسر عن تقدير احتياطات سوريا الحالية من العملات الأجنبية، ولكنه قال إن الاقتصاد السوري يعاني، من بين مشاكل أخرى، بسبب تعطل السياحة وحظر استيراد النفط السوري اللذين كانا يوفران عملة صعبة لدمشق. وأضاف غليسر أن في سوريا نسبة مرتفعة من التضخم يمكن أن تسببها اضافة نقود جديدة أو عدم توفر احتياطات من القطع الأجنبي لدعم العملة الموجودة.