باريس سان جرمان بطلا للدوري الفرنسي    طلاب جامعة حضرموت يرفعون الرايات الحمراء: ثورة على الظلم أم مجرد صرخة احتجاج؟    كيف يزيد رزقك ويطول عمرك وتختفي كل مشاكلك؟.. ب8 أعمال وآية قرآنية    عودة الحوثيين إلى الجنوب: خبير عسكري يحذر من "طريق سالكة"    "جيل الموت" يُحضّر في مراكز الحوثيين: صرخة نجاة من وكيل حقوق الإنسان!    مذكرات صدام حسين.. تفاصيل حلم "البنطلون" وصرة القماش والصحفية العراقية    جماعة الحوثي تعلن حالة الطوارئ في جامعة إب وحينما حضر العمداء ومدراء الكليات كانت الصدمة!    النضال مستمر: قيادي بالانتقالي يؤكد على مواجهة التحديات    أسئلة مثيرة في اختبارات جامعة صنعاء.. والطلاب يغادرون قاعات الامتحان    كيف حافظ الحوثيون على نفوذهم؟..كاتب صحفي يجيب    الدوري الانكليزي الممتاز: مانشستر سيتي يواصل ثباته نحو اللقب    هيئة عمليات التجارة البريطانية تؤكد وقوع حادث قبالة سواحل المهرة    يوميا .. إفراغ 14 مليون لتر إشعاعات نووية ومسرطنة في حضرموت    الوزير الزعوري يطّلع على الدراسة التنموية التي أعدها معهد العمران لأرخبيل سقطرى    قيادات الجنوب تعاملت بسذاجة مع خداع ومكر قادة صنعاء    كل 13 دقيقة يموت طفل.. تقارير أممية: تفشٍّ كارثي لأمراض الأطفال في اليمن    طوارئ مارب تقر عدداً من الإجراءات لمواجهة كوارث السيول وتفشي الأمراض    البنك الإسلامي للتنمية يخصص نحو 418 مليون دولار لتمويل مشاريع تنموية جديدة في الدول الأعضاء    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على نيو إنجلاند برباعية في الدوري الأمريكي    بايرن ميونيخ يسعى للتعاقد مع كايل ووكر    الدوري الانكليزي الممتاز: ارسنال يطيح بتوتنهام ويعزز صدارته    اشتراكي الضالع ينعي رحيل المناضل محمد سعيد الجماعي مميز    العلامة الشيخ "الزنداني".. رائد الإعجاز وشيخ اليمن والإيمان    العليمي يؤكد دعم جهود السعودية والمبعوث الأممي لإطلاق عملية سياسية شاملة في اليمن    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    على خطى الاحتلال.. مليشيات الحوثي تهدم عشرات المنازل في ريف صنعاء    من هنا تبدأ الحكاية: البحث عن الخلافة تحت عباءة الدين    الشبكة اليمنية تدين استمرار استهداف المليشيا للمدنيين في تعز وتدعو لردعها وإدانة جرائمها    الفنانة اليمنية ''بلقيس فتحي'' تخطف الأضواء بإطلالة جذابة خلال حفل زفاف (فيديو)    قضية اليمن واحدة والوجع في الرأس    بالصور.. محمد صلاح ينفجر في وجه كلوب    مئات المستوطنين والمتطرفين يقتحمون باحات الأقصى    وفاة فنان عربي شهير.. رحل بطل ''أسد الجزيرة''    أسعار صرف العملات الأجنبية أمام الريال اليمني    ضبط شحنة أدوية ممنوعة شرقي اليمن وإنقاذ البلاد من كارثة    مجهولون يشعلون النيران في أكبر جمعية تعاونية لتسويق المحاصيل الزراعية خارج اليمن    طالب شرعبي يعتنق المسيحية ليتزوج بامرأة هندية تقيم مع صديقها    شرطة أمريكا تواجه احتجاجات دعم غزة بسلاح الاعتقالات    تضامن حضرموت يحسم الصراع ويبلغ المربع الذهبي لبطولة كرة السلة لأندية حضرموت    فريدمان أولا أمن إسرائيل والباقي تفاصيل    دعاء يغفر الذنوب لو كانت كالجبال.. ردده الآن وافتح صفحة جديدة مع الله    اليمنية تنفي شراء طائرات جديدة من الإمارات وتؤكد سعيها لتطوير أسطولها    مصلحة الدفاع المدني ومفوضية الكشافة ينفذون ورشة توعوية حول التعامل مع الكوارث    وصول أول دفعة من الفرق الطبية السعودية للمخيم التطوعي بمستشفى الأمير محمد بن سلمان في عدن (فيديو)    القات: عدو صامت يُحصد أرواح اليمنيين!    وزارة الحج والعمرة السعودية تحذر من شركات الحج الوهمية وتؤكد أنه لا حج إلا بتأشيرة حج    «كاك بنك» يدشن برنامج تدريبي في إعداد الخطة التشغيلية لقياداته الإدارية    الذهب يتجه لتسجيل أول خسارة أسبوعية في 6 أسابيع    القبض على عصابة من خارج حضرموت قتلت مواطن وألقته في مجرى السيول    الزنداني لم يكن حاله حال نفسه من المسجد إلى بيته، الزنداني تاريخ أسود بقهر الرجال    «كاك بنك» يشارك في اليوم العربي للشمول المالي 2024    أكاديمي سعودي يلعنهم ويعدد جرائم الاخوان المخترقين لمنظومة التعليم السعودي    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    نقابة مستوردي وتجار الأدوية تحذر من نفاذ الأدوية من السوق الدوائي مع عودة وباء كوليرا    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    لحظة يازمن    لا بكاء ينفع ولا شكوى تفيد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أخلاقيات السياسة الصينية في إفريقيا ... 1-2

لعب الغرب، على رأسهم الولايات المتّحدة، دوراً كبيراً في تشويه صورة الصين في إفريقيا، ويصفها على أنّها شكل جديد من الاستعمار، يهدف إلى استغلال القارّة السوداء، ويأتي هذا التضخيم والترويع، ليس من باب الحرص على إفريقيا، بل تحسّباً للمستقبل والطمع في النفط الإفريقيّ، إذا ما نفد النفط في الشرق الأوسط، فسيكون أمراً بالغ القسوة على المستوى الاقتصاديّ والسياسيّ إذ ما وضعت الصين قبلهم يدها على مصادر الطاقة . يقدّم هذا الكتاب نظرة جديدة إلى حوافز بكين السياسيّة في إفريقيا، ويناقش المبادئ الأخلاقيّة التي تعتمدها الصين في علاقاتها مع الدول الإفريقيّة، خاصّة أمام قلّة الفهم للثقافة الصينيّة في إفريقيا، وهذا العمل في الحقيقة يتناقض مع طوفان من الكتابات الغربيّة حول الصين خلال العقد الأخير .
ويوضّح الكتاب أنّ الصين تعمل بأساليب مختلفة في الخفاء كي تلبّي مصالحها، ولا تلتزم دائماً بسياسة "عدم التدخل" التي تنتهجها منذ مؤتمر باندونغ عام 1955 في إندونيسيا .
كما يتناول جوانب من تاريخ الصين الحديث والنهضة الاقتصاديّة التي انتشلت الصينيّين من قاع النكبات والمجاعات التي عاشوها، وصعدت بهم إلى مصاف الاقتصادات الكبرى في العالم، كما يركّز على العلاقات الصينيّة -الإفريقيّة، ويستعرض وجهات النظر الصينيّة والإفريقيّة من خلال مناقشة القضايا التاريخيّة والثقافيّة والأساطير الصينيّة، ومدى تأثيرها في الأفارقة .
الكاتب هو أستاذ جامعيّ للعلاقات الدوليّة في مدرسة الدراسات الإفريقيّة والشرقيّة في جامعة لندن، وكان عضواً في الحوار الثلاثيّ حول الصين، إفريقيا، والولايات المتّحدة . الكتاب صادر عن دار "زيد بوكس" البريطانيّة في 154 صفحة، 2013 .
برزت فكرة هذا الكتاب لدى ستيفن جان بعد حضوره حواراً ثلاثيّاً مدعوماً من مؤسسة "برينثيرست" الجنوب إفريقية في بكين ،2007 بهدف إيجاد طريقة توافقيّة وسط هواجس الحرب التجاريّة بين الصين والولايات المتّحدة على موارد إفريقيا، ويشير جان أنّه بدأ بهذا الكتاب فور الانتهاء من الحوار، وكان له هدفان من ورائه:
الأوّل، أراد أن يناقش ويستعرض مجموعة من المقالات التي تناولت الدعامة الأخلاقيّة لنظرة الصين وأفعالها في إفريقيا، لكنّه لم يجد شيئاً، فقرّر أن يكتب مقالة تأسيسيّة حول هذا الموضوع، تناولها في الفصل الأوّل، وعلّق عليها باحثون وأكاديميّون بعيدون عن خطّ "الكومينتانغ" الحزب الحاكم في الصين .
والهدف الثاني له من هذا الكتاب هو إظهار الاستجابة الإفريقيّة، بعد أن وجد أنّ هناك القليل من البحوث الأكاديميّة الإفريقيّة التي تتناول قضيّة العلاقات الأفريقيّة-الصينيّة بشكل كامل، ما عدا بعض الدراسات الأدبيّة المتنامية .
ما يريد الكاتب أن يقوله هو أنّ موضوع الكفاءة السياسيّة ليست كلّ القصّة، إذ يجد أنّ لها جوهراً غير واعٍ، أو ما يسميّه معياريّة رومانسيّة، لها رمزيّة غير واضحة، لابدّ من الوقوف عندها بعيداً عن المفاهيم الغربيّة المشبعة عن الديمقراطيّة والشفافيّة والليبراليّة الجديدة، إذ برأيه لدى إفريقيا، إضافة إلى العامل الاقتصاديّ، بعض العوامل الفلسفيّة، التي ذات يوم ستقدّمها للآخر .
خطوط الصدع
في الفصل الأوّل من هذا الكتاب بعنوان "مملكة الوسط والقارة السوداء: مقالة عن الصين وإفريقيا وخطوط الصدع" يكشف جان عن شكل العلاقة بين الصين وإفريقيا، حيث يجد أن هتاك أربع نقاط أوّليّة يجب أن تلبّى وهي باختصار:
* أوّلاً: إنّ التأكيد على وجود الصين في إفريقيا يأتي غالباً على حساب نظرة الصين على المستوى العالميّ، فالصين تصعد كقّوة عالميّة عظمى . ويشير جان إلى أنّه من خلال زيارات إلى العاصمة الصينيّة، بكين، من المستحيل تجنّب ملاحظة تلك الثقة بالنفس أو ما يمكن تسميته "إنّه دورنا الآن" . وفي اللحظة التي تتوسّع فيها هذه الرؤية، تصبح إفريقيا جزءاً من استراتيجيّة عالميّة معقّدة وقيّمة .
* ثانياً: إنّ الآراء الغربيّة عن الصين في إفريقيا غالباً ما شكّلها علماء مختصّون بالحضارة الصينيّة ليسوا أفارقة، أو علماء أفارقة ليسوا متخصّصين في الحضارة الصينيّة، أو علماء تنقصهم الخبرة في العلاقات الدوليّة أو الاقتصاد السياسيّ الدوليّ أو علماء العلاقات الدوليّة ممّن لا يعرفون الكثير عن الصين أو إفريقيا .
* ثالثاً: إنّ التعليقات العلميّة الصينيّة الموجودة حول إفريقيا تميل نحو "توجهات الحزب" الحاكم عن قرب . وفي رأي جان تعتبر تلك ضرورة للتقدّم المهني، أو حتّى بالنسبة للأمن الوظيفيّ، وكذلك للحصول على تمويل لأجل البحث في إفريقيا . ويرى أنّ البحث الأكاديميّ الصينيّ في إفريقيا يمكن أن يكون سطحياً ومحدوداً جدّاً، إذ يميل إلى الحصول على إجابات من المسؤولين في الحكومات الإفريقيّة الحالية . فليس هناك إثنوغرافيا سياسيّة أوسع، بقدر ما أنّ البحث الأكاديميّ يخلق إسهاماً في السياسة الصينيّة تجاه إفريقيا، فإنّه يوحي أنّ السياسة الصينيّة لا تعرف دائماً ما تفعله . والمراقبون الغربيّون ممّن يسعون إلى فهم السياسة الصينيّة خلال دراسة عمل الأكاديميّات الصينيّة (وهناك بضع مراقبين مثل المراقبين الغربيّين) لايمكنهم كشف شيء من المضامين .
* رابعاً: إذا ما كان هناك هدف رئيسيّ في السياسة الاقتصاديّة الصينيّة فهو لضمان نجاحات لا جدال فيها في الاقتصادين الأمريكيّ والأوروبيّ . ويرى أنّ الاستعداد، بل بالأحرى الحماسة، لشراء الديون الأمريكيّة المسمومة في الأزمة المالية لسنتي 2008-،2009 إشارة واضحة على الرغبة الصينيّة بامتلاك ليس فقط المصادر الإفريقيّة، بل الأذرع الماليّة الغربيّة الرئيسة . ويجد جان أنّ فرض النفوذ الاقتصاديّ على الولايات المتّحدة أكثر أهمّيّة من الوصول إلى النفط في إفريقيا، إذ إنه مع الحصول على النفوذ، يصبح أيّ شيء آخر ممكناً على العموم .
العوالم الثلاثة
يشير الكاتب إلى أنّ النظرة العالميّة للصين تنشأ من برنامج التحديثات الاقتصاديّة الأربعة للرئيس الصينيّ دينغ شياو بينغ الذي حكم خلال الفترة (1978-1997)، فعلى الرغم من أنّ هذه التحديثات كانت مبنيّة على عمل أطلقه شو إن لاي في أوائل عام ،1963 إلا أنّها لم تكن ببساطة لخلق تحوّل، ضمن الصين، نحو اقتصاد سوق حرّة، بل لجعل الصين مشاركاً في اقتصادات العالم الأوسع . وكان التأكيد داخليّاً بشكل كبير في الحالة الأولى كما، في سنوات السبعينات، إذ لم يكن هناك مقدرة صينيّة للتنافس مع الغرب . وكانت الفكرة هي بناء قاعدة، ليعقبها لاحقاً توسّع من تلك القاعدة . كانت فكرة دينغ هي شراء مكائن عمليّة ومصنع أجنبيّ . وسوف تشكّل منتجاتها نموّاً اقتصاديّاً قائماً على التصدير . ومع مرور الزمن، سوف تصبح الصين إحدى قوى التجارة الرئيسة في العالم . حتّى ذلك الحين، كان الصينيّون مهتمّين بدرجة كبيرة ببناء الجسور وتشكيل تحالفات . ويرى جان أنّه تمّت رؤية هذا الأمر كامتداد سياسيّ، بل كان بنفس القدر جهداً يهدف إلى تشكيل تكتّل دولي مؤلّف من الاقتصادات الصاعدة، التي سوف تصبح تقاطعاً استراتيجيّاً بين الغرب والاقتصاد الاشتراكيّ للاتحاد السوفييتيّ . وقد كان الأمر تأميناً اقتصاديّاً، وتمّ تصويره كقيادة سياسيّة لجزء كبير من الكرة الأرضيّة .
ويقف الكاتب على نظريّة العوالم الثلاثة لشو إن لاي، أوّل رئيس وزراء لجمهوريّة الصين الشعبية من 1949 حتى ،1976 حيث تحدّث عنها بشكل بارز في خطابه 1956 أمام القمّة الآسيوية-الإفريقية في مؤتمر باندونغ، وكانت مطوّرة عن مقابلة مع ماو في عام 1946 مع الصحفيّة الأمريكيّة آنا لويس سترونغ، حيث أخبرها ماو أنّ باقي العالم يقع بين العملاقين: الأمريكيّ والسوفييتي، أي ضمن منطقة الامتداد الإمبرياليّ الأمريكيّ ومقاومتها من قبل الاتّحاد السوفييتي . إلا أنّ ماو ميّز في عام 1964 هذه المنطقة بين القطبين وأشار إليها بالدول النامية . وكان شو إن لاي في خطابه في 1956 قد أشار إلى أنّ العالم ليس فقط ثنائيّ القطب، إذ إنّ الصين سوف تقف إلى جانب المنطقة الوسطى، العالم الذي بينهما، وبشكل رئيسي العالم الثالث .
يشير جان إلى أنّ الصين أنفقت من 1970 إلى 1977 ملياري دولار في إفريقيا . وكان هذا الحجم من الإنفاق يشكلّ نصف المساعدات الصينيّة، وعلى الرغم من أنّ إفريقيا كانت مدركة للمصالح الصينيّة، إلا أنّها لم تنسَ أبداً المثالية والرومانسية الصينيّة في التعامل مع إفريقيا . وبحسب الكاتب فإنّه في منتصف السبعينات توضّحت التناقضات في نظرية العوالم الثلاثة، خاصّة أثناءالصراع في أنغولا، حيث وجدت الصين نفسها إلى جانب حزب يونيتا، وإلى جانب الولايات المتحدة وجنوب إفريقيا، بينما كانت الحركة الشعبية لتحرير أنغولا مدعومة من الاتحاد السوفييتي . يرى الكاتب أنّ نظرية العوالم الثلاثة كانت تهدف إلى كسب نفوذ في السياسة العالميّة، وبدرجة أقل في الاقتصاد العالمي، لإعطاء الصين موقع القيادة بين الدول النامية .
الحكم بالفضيلة
يتوقّف الكاتب كثيراً عند تعاليم كونفوشيوس التي ألهمت القادة الصينيّين، وخاصة في مبدأ الثنائيّات والتبادل بينهما: "الإمبراطور والموظفين، الزوجة والزوجة، الأب والابن، الأخوة الأكبر والأصغر، والصديق مع الصديق" ويجد أنّ هناك إمكانيّة في العمل مع الدول الإفريقيّة باستراتيجيّة الثنائيّة الخامسة أي "الصداقة" .
كما يتحدّث عن النظرة الصينيّة إلى الغرباء، وتحديداً البيض والزنوج، حيث اللغة الصينيّة عندما تشير إليهم في السابق بطريقة انتقاصيّة، أمّا في الوقت الحالي، مع التطوّر الحاصل في إفريقيا، بقيت بعض الاصطلاحات في اللغة الصينيّة اليوميّة، لكن من دون تعمّد الانتقاص، إذ يجد أنّ هذا الأمر ليس من السهل تغييره بسهولة من ذاكرة الشعب الصينيّ، ومنظومته اللغوية .
يستعرض كذلك مسلسل ملحمة مينغ هو الصينيّة، الذي شكل أسطورة للأفارقة في فترة من الفترات، خاصة أنّه شاهد أثناء عمله في بكين مع وفد إفريقيّ كيف أنّهم يتابعونه في مسلسل صباحي بانتباه وشغف . كانّ هذا القائد المحليّ في زمن الممالك الثلاث يتمرّد ضدّ الحكام في الشمال، أو كما كانوا يسمّونها "مملكة الوسط"، وكان رئيس الوزراء حينها قد ذهب مع نصف مليون مقاتل لسحق تمرّد مينغ هو، وقد نجح في إلقاء القبض عليه في الصدام الأول معه، ثم أطلق سراحه، لكن تمّ إلقاء القبض عليه أكثر من خمس مرّات، إلا أنّ مينغ هو خضع له، وليتوّج بعدها ملكاً للجنوب، وبقي حليفاً لمملكة الوسط، وكلّ ذلك تمّ نتيجة الفضيلة التي كان يتحلّى بها رئيس الوزراء .
جوانب المخاطرة
يشير الكاتب إلى أنّ هناك فرضيّتين خاطئتين عن الصين وإفريقيا: الأولى هي أنّ إفريقيا تتمتع بأهمّيّة كبيرة بالنسبة للصين وتشكّل حافزاً لها للنمو الاقتصاديّ والدخول في التصنيع . والثانية هي أنّ الصين غير مقيّدة في سخائها تجاه إفريقيا، ولا تجد مخاطر من جرّاء ذلك .
ويحدّد عدداً من النقاط التي تحمل جوانب من المخاطرة في النهج الصينيّ تجاه إفريقيا والتصوّرات الخاطئة عنه، ونتناولها بإيجاز:
* أولاً: هناك تصوّر خاطئ من أنّ إفريقيا هي أكثر المناطق أهمّيّة على مستوى الامتداد العالميّ، لكن يجد أنّ توسيع العلاقات التجاريّة الصينيّة مع كلّ من أوروبا والولايات المتّحدة هي على رأس أولويات بكين، ويفسّر أنّ هذا التضخيم الذي يشير إلى أهمّيّة إفريقيا بالنسبة إلى الصين هي صناعة غربيّة بامتياز، والهدف الأساسيّ منه هو كبح الوصول الصينيّ إلى النفط الإفريقيّ في المستقبل، خاصّة إذا ما أصبح النفط في الشرق الأوسط غير كافٍ للغرب، ويقول: "إذا لم يكن النفط في المشهد، فإنّ الغرب لا يعبّر عن مثل هذه المخاوف المتعلّقة بالصين في إفريقيا . إذ إنّه لا علاقة للغرب مع إفريقيا . إنّ المسألة كلّها هي أنّ هذين العملاقين يحتاجان الوصول إلى مصادر الطاقة" .
* ثانياً: ليس هناك من ملف صينيّ واحد في إفريقيا . على الرغم من أنّ هناك سلّة من البلدان الرئيسة التي تجد فيها الصين مصلحة والتزاماً مثل أنغولا والسودان وجنوب السودان، كما أنّ هناك حاجة لبناء روابط مع جنوب إفريقيا وبدرجة أقل مع نيجيريا، حيث يملك هذان البلدان أكبر احتياطي في إجمالي الناتج المحليّ، ولا يقتصر مجال التعاون على الطاقة فقط، بل إلى قطاعات أخرى، إذ لو اقتصر الأمر على النفط، لكان هناك نهجاً صينياً مختلفاً كما يرى الكاتب .
* ثالثاً: إنّ القدرة الصينيّة في إفريقيا لم تأتِ من العبث . كما أنّ فكرة الخزان اللامتناهي من المصادر الصينيّة غير دقيق . إذ إنّ الاستثمار في إفريقيا أو حتّى الاستثمار في أيّ مكان يعتمد على المكاسب والفائض التجاريّ، وبالنسبة للصين فإنّه يعتمد على نسب التبادل التي تدعمها .
* رابعاً: ما قيل في النقطة الثالثة ينطبّق على قاعدة الصين الاقتصاديّة المحليّة . حتّى الآن، كانت قاعدة الإدخار الوطنية استثنائيّة، وكانت الدولة تملك القدرة للوصول إليها . إلا أنّه مع استمرار ضغوط الحداثة في التأثير على الإنتاجيّة وإمكانية الإدخار لدى الفلاح، ومع استمرار سوق الأسهم في قصوره التنظيميّ، إضافة إلى تأرجحات غير متوقّعة في أنماط الاستثمار ومخاطر زيادة إحماء الاقتصاد، لايمكن أن يكون هناك ضمان من أنّ قاعدة الإدخار سوف تبقى على الشكل السابق من الاستقرار . وتفادت الصين الركود العالميّ من خلال الحقن الدراماتيكيّة من التمويل في اقتصادها المحليّ، وحقيقة خاطرت كثيراً عند القيام بذلك، لكنّ الحقيقة ذاتها كانت لها علاقة بذلك، إذ كشفت أنّ اقتصادها خاضع لكلّ من الضغوط الدوليّة والثقة الوطنيّة، وأنّ استقراره لا يمكن أخذه كأمر مسلّم به .
نموذج شنغهاي
* خامساً: إنّ القلق الغربيّ تجاه التوسّع الصينيّ في إفريقيا يأتي من خوفه من السيطرة الصينيّة على المصادر، بشكل خاصّ مصادر الطاقة، نتيجة استشراف الغرب المستقبل، حيث النفط الشرق الأوسطيّ يمكن أن ينفد في وقت تكون ماكينة الصناعة الغربيّة مستمرّة بالنمو، بالتالي النفط الإفريقيّ سيكون بديلاً مستقبليّاً، وليس حاليّاً، وإذا سبق الصينيون إلى إفراغ هذه المصادر البديلة، فإنّ التوازنات الحاليّة في القوّة الاقتصاديّة العالميّة يمكن أن تختلّ . ويرى الكاتب أنّ الصين وضعت بيضها في السلّة الإفريقيّة، وليس لها برنامج توسّع مماثل في مكان آخر .
* سادساً: يضطّلع الصينيّون بمخاطر لاتصدّق بالتركيز على هذه السلّة فقط، ويبدو أنّه ليس هناك تحليل للمخاطر السياسيّة في الأغلب، خاصّة في التعامل مع البلدان التي تشهد حالة من عدم الاستقرار مثل جمهوريّة الكونغو الديمقراطيّة، حيث ينتشر فيها الفساد الحكوميّ، ويمكن أن يحمل الاقتراب الصينيّ من الحكومات شكلاً من المخاطر السياسيّة، وعلى ما يبدو أن عنصر المخاطرة غير محسوب له في الخطة الصينيّة .
* سابعاً: إمّا بسبب نقص ذلك النوع من الضمان على المدى الطويل، وإما إضافة إليها، فإنّ الصينيّين ألقوا الكثير من الوزن السياسي على أعلى مستوى في العلاقات الطيبة مع إفريقيا . ويرى الكاتب هنا أنّ قدرة الشركات الصينيّة والحكومة الصينيّة على العمل معاً بإخلاص، يعني سرعة في تنفيذ المشاريع والاتفاقيات الاقتصادية، إضافة إلى احتياطات هائلة للاستثمار، وأهداف محليّة . ويبدو أنّ النموذج الصينيّ يجمع بين الوزن السياسيّ والسخاء الاقتصاديّ، ليحدد باستمرار اختلاف نهج "شنغهاي" عن نهج واشنطن ونهج الغرب الأقل تنسيقاً وتعاوناً . ويرى أنّ النهج الذي يهدف إلى أرباح طويلة المدى مكلف للغاية .
* ثامناً: إنّ ما ذكر في النقطة السابعة يقود بشكل دائم إلى عامل أشار القليلون من خلاله إلى أنّ نموذج "شنغهاي" يتألف من عنصرين يوسّعان أفق المخاطرة إلى نقطة قاسية جداً، الأوّل هو الحقيقة الواضحة في تزويد الدول الإفريقيّة بجيل جديد من القروض، وتأخذ الصين فترة السداد على نحو أطول من الغرب . أمّا النقطة الثانية هي الأقل وضوحاً، وهي أنّ الصين تبالغ في افتراضاتها حول القدرات العمليّة والاستيعابيّة للدول الإفريقيّة .
سياسة في الخفاء
يشير الكاتب إلى أنه لا يوجد شيء يبقى على حاله، وأنّ عمليّة الحصول على الثمار في إفريقيا تمرّ بصعوبات، وعلى حد قول ماو "إنّ ما هو مؤكّد هو أنّ الجنّة تخفي من تحتها اضطرابات"، واستخدمه أيضاً الرئيس الصيني دينغ شياو بينغ، وبرأي جان يمكن للمبادئ المعلنة والتي تمّ تحديدها بحرص حتّى أن تتغيّر .
في مؤتمر باندونغ ،1956 أعلن رئيس الوزراء الصينيّ حينها شو إن لاي أنّ المبدأ الأساسيّ لهم هو "عدم التدخّل"، وقد كان ذلك ميزة العلاقات الصينيّة مع إفريقيا، وكان كلّ دكتاتور يحكم أيّ دولة إفريقية يضمن أنّ الصين لن تتدخل في نظامه السياسيّ . وما حدث في السودان، كان دفاعاً عن التعاون الصيني المستمر مع البشير في ذروة المجازر في دارفور . إلا أنّه رغم ذلك- كما يوضّح جان- كانت الصين خلف الكواليس قد بدأت بالتفاوض والعمل مع حكومة جنوب السودان، التي كانت خصماً لدوداً لنظام البشير، وبعد إعلان استقلال الجنوب في ،2011 رأت الصين التي لها نسبة 40% في النفط الممتد على الحدود بين الشمال والجنوب ضرورة في تأسيس علاقات متينة مع الجنوب . وكان المبعوث الصينيّ الخاصّ إلى إفريقيا، ليو قويجين، مبعوثها أيضاً إلى دارفور، لم يكن دوره فعّالاً خلف الكواليس في إقناع البشير بانفصال الجنوب فقط، بل أيضاً في تخفيض العنف بدارفور . وكان قويجين دبلوماسيّاً يتمتّع بمهارة كبيرة، ولذلك يجد جان أنّ شيئين كانا يحدثان هناك: الأوّل، حركة بطيئة لكن واضحة بعيدة عن مبدأ "عدم التدخّل"، والثانية هو إرسال شخص للمرّة الأولى يعرف ماذا يفعل في إفريقيا .
ويشير جان إلى أنّ الصين في مظهرها المعاصر قد استفادت منذ 1950 من إفريقيا، وبالتحديد بعد فترة قصيرة من حصول دول إفريقيا جنوب الصحراء على استقلالها في سنوات الستينات . ولايجد أنّ القلق الغربي تجاه التوغّل الصينيّ في إفريقيا يتجاوز عقداً من الزمن حتّى .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.