قالت الناشطة سارة جمال ان تتبع مستويات نضال النساء يأتي من خلال التراث الإنساني والتاريخي الحديث الذي إن دققنا فيه نجد أن الرؤية اليسارية للنضال النسوي كانت الرؤية الأشمل من أجل توحيد نضالات البشر ككل في سبيل عدالة اجتماعية حقيقية وعمياء تُمنح للجميع دون تفرقة. واشارت جمال خلال ورقة عمل قدمتها في مؤتمر اليسار اليمني للعدالة الاجتماعية الذي إنعقد خلال الفترة 28-29 أعسطس الماضي، الى ان المرأة أصبحت بمواجهة عنف الاستغلال الرأسمالي والعنف العرقي وعنف الاحتلال والديكتاتوريات الشمولية في الفضاء العام, وفي ذات الوقت أمام عنف أسري ومجتمعي يمارس ضدها في الفضاء الخاص. واوضحت خلال ورقتها المعنونه " النساء والعدالة الاجتماعية " ان المرأة اصبحت أمام معركتين في إطار أي نضال شعبي: أولى هي الانخراط في النضال الشعبي الجمعي مع باقي فئات الشعب من أجل عدالة اجتماعية حقيقية والثانية مواجهة القمع الذي تمارسه السلطة الذكورية من داخل الفئات المناضلة بحيث تمنع النساء في مجتمعاتهن من النضال جنباً إلى جنب مع الرجال. واضافت جمال بالرغم من اختلاف القوى السياسية في اليمن على جوانب أيديولوجية وسياسية ومصالح اقتصادية مختلفة إلا أنها اتفقت جميعاً على أمر واحد وهو تهميش النساء كقوى فاعلة واستخدامهن كأعداد أمام الفضائيات تارة، وكورقة سياسية للنيل من هذا الحزب أو ذاك عبر حملات القذف والتشهير والتنكيل وأحياناً التكفير وتناول الجوانب الشخصية لحياتهن بطريقة تعكس النَفَس الذكوري للأطراف السياسية المختلفة في اليمن بما فيها تلك التي تدعي التقدمية. قالت جمال واجهت النساء منذ اندلاع الاحتجاجات الشعبية أشكالاً من العنف السياسي الذي تعاطى مع النساء بمبدأ العورة التابعة للرجل والتي لا يتم التعاطي معها بسبب موقفها السياسي كنظيرها الرجل وإنما بسبب هيئتها وتفاصيل حياتها الشخصية وهو الأمر الذي لم يعاني منه الرجل. وتساءلت جمال كيف يمكن لأي حراك مطالب بالعدالة الاجتماعية عدم الإيمان بالنضال النسوي بوصفه جزء لا يتجزأ من النضال في سبيل المساواة التي تسعى العدالة الاجتماعية لترسيخها؟. واشارت الى ان اليسار بمشاربه المختلفة يرى نظرياً وعملياً أن جوهر تحقيق العدالة الاجتماعية والرفاه للشعوب يكمن في التمكين الاقتصادي للنساء بحيث يجدن أنفسهن في بيئة تسمح لهن بالتواجد الفعال والمساوي للرجل بين صفوف الطبقة العاملة الكادحة وكذلك في النقابات والتعاونيات المدافعة عن حقوق هذه الطبقة بغض النظر عن الجنس والنوع الاجتماعي. ونوهت جمال الى انه يجب التعامل مع قضايا النساء كقضايا أساسية لتحقيق الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والتعامل مع القضية النسوية كصراع اجتماعي وليس صراع بين الجنسين. نص ورقة العمل : النساء والعدالة الاجتماعية إعداد: سارة جمال ورقة مقدمة لِ"مؤتمر اليسار اليمني للعدالة الاجتماعية" اليمن- صنعاء. 28- 29 أغسطس 2013 تتوالى تعريفات النضال النسوي والعدالة الاجتماعية على حد سواء في كتب علم الاجتماع وتختلف باختلاف المدارس المتعددة وكذلك المسارات التاريخية للنضال, إلا أن المحاولة الوحيدة لدراسة التأثير المتبادل بين النضال النسوي والسعي الإنساني من أجل إحقاق العدالة الاجتماعية لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال التمحيص الدقيق في النضال اليومي لنساء شكلن قوام الحراك الاجتماعي عبر مستويين للنضال أحدهما عام والآخر خاص وكلاهما لم يتجزأ تاريخياً في أي تجربة نضالية عن الآخر. ومنذ بداية القرن العشرين واتضاح تقسيم العالم وثرواته في صالح قوى دون أخرى, تعددت أوجه النضال ضد الجور والاستغلال من قبل الأقلية المستحوذة على الثروة سواء كانت من الداخل أو الخارج المحتل, إلا أن أبرز النماذج التي حملت طابعاً ثورياً ولكن في ذات الوقت شكلت نموذجاً لمراحل الحراك الاجتماعي عميق التأثير الذي حمل في طياته نضال النساء العام والخاص هو معركة النسويات الأمريكيات من أصل أفريقي. تأتي أنغام موسيقى الجاز الأفريقية الأمريكية وهي تراقص قصة نضال استمر لقرون وصمد في وجه العبودية وجرائم الإبادة بسبب التنصيص على قضايا ذوي البشرة السوداء في التراث الثقافي الذي كان وحده الناقل الأبقى للقضية جيلاً بعد جيل, فننصت إلى البعد التاريخي لذلك النضال الذي لا يُجزأ والذي تصفه أسطورة الجاز الأفريقية الأمريكية نينا سيمون في رائعتها: " Backlash رد فعل عنيف ": من تظنني؟ قمت برفع الضرائب ، وتجميد الأجور وأرسلت ابني إلى فيتنام تستطيع أن تعطيني منزلا من الدرجة الثانية و مدارس من الدرجة الثانية هل تعتقد أن الملونين هم حمقى من الدرجة الثانية ؟ وبالرغم من كلمات أغاني الجاز والبلوز التي عددت مطالب المساواة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي شكلت قوام النضال من أجل عدالة اجتماعية من خلال حركات النضال الأفريقية الأمريكية في القرن العشرين, إلا أن المغنيات النساء مثيلات نينا سيمون وغيرها أرّخن لوجود النساء في هذا الحراك من خلال أغنيات كالتي سبق ذكرها مع تأريخ لنوع آخر من النضال وهو نضال النساء من أجل النساء داخل النضال الجمعي, ونرى ذلك جلياً في أغنية نينا الشهيرة: " Four Women أربعة نساء" والتي عددت من خلالها أشكال العنف المبني على النوع الاجتماعي التي تتعرض له كل نساء الأرض بخلفياتهن العرقية والأثنية المختلفة بشكل عام والعنف المركب التي تتعرض له نساء الأقليات والفئات المضطهدة والفقيرة, وهكذا صار بإمكاننا تتبع مستويات نضال النساء من خلال التراث الإنساني والتاريخي الحديث الذي إن دققنا فيه نجد أن الرؤية اليسارية للنضال النسوي كانت الرؤية الأشمل من أجل توحيد نضالات البشر ككل في سبيل عدالة اجتماعية حقيقية وعمياء تُمنح للجميع دون تفرقة. إن الحديث عن معركة النساء الأفريقيات الأمريكيات يأتي كمثل يُستشهد به هنا وليس على سبيل الحصر, فذات المعركة خاضتها النساء في جنوب أفريقيا وجنوب شرق آسيا وأمريكا اللاتينية وأوروبا وتعيد الآن نساء العالم العربي خوضها بعد أن خضنها في ستينات وسبعينات القرن الماضي خلال و بعد حركات التحرر من الاستعمار آنذاك, إنها ذات المعركة حيث تنخرط النساء في كل مرة في صفوف الفئات الشعبية من أجل انتزاع أركان العدالة الاجتماعية من غذاء ومسكن وملبس ورفاه اقتصادي واجتماعي للجميع دون تفضيل لفئة اجتماعية أو لطبقة على أخرى, إلا أن هذا النضال يضع النساء دائماً أمام معضلتين تتسبب أولاهما في الأخرى: أولاً: انخراط النساء في النضال الشعبي وجد العامل الأوروبي نفسه في مواجهة القهر الرأسمالي لحقوقه العمالية وكان دوماً هو الضحية الأولى لانهيار السوق, كما وجد الرجل الأفريقي الأمريكي نفسه في مواجهة الفصل العنصري العرقي في مرحلة ما وهي تشبه في بعض تفاصيلها ما واجهه الرجل الجنوب أفريقي, وكذلك الرجل الفلسطيني الذي كان ولا يزال يواجه يومياً عواقب وجود الكيان الصهيوني من اعتقالات وتهجير واستيطان وحصار, ومنذ الاستقلال وحتى يومنا هذا لا يزال الرجل العربي بشكل عام يواجه أشكال القمع السياسي والفساد والنزاعات المسلحة وغيرها. لكن المشهد يختلف بعض الشيء إن لم يكن كلياً إن أسقطنا ذات المظالم في الأمثلة السابق ذكرها على النساء في ذات السياق وفي ذات المراحل التاريخية ببساطة لأن العنف الذي واجه ويواجهه الرجل هنا وهناك تجعل أمامه عدواً واحداً يجمع قواه لهزيمته كلما أتت الحتمية التاريخية بأسباب وتراكم النضال من أجل العدالة الاجتماعية إلا أن النساء يواجهن عنفاً مركباً يجعل العبء مضاعفاً بل ويجعل مشاركتهن في أي من مظاهر النضال تحدياً ومفترق طرق في اتجاه أي تغيير اجتماعي. في الوقت الذي اضطهد فيه العامل الأوروبي واستعبد الرجل الأفريقي الأمريكي ومُيّز ضد الرجل الجنوب أفريقي ونُكل بالرجل الفلسطيني وقُمع الرجل العربي وغيرهم من الرجال في باقي بقاع العالم وفي الحقب التاريخية المختلفة, اضطهدت النساء لنفس الأسباب في الفضاء العام ولكن واجهن عنفاً مضاعفاً من الرجال في بيئتهن أيضاً داخل المنازل وفي مجتمعاتهن الصغيرة, وبالتالي أصبحت المرأة بمواجهة عنف الاستغلال الرأسمالي والعنف العرقي وعنف الاحتلال والديكتاتوريات الشمولية في الفضاء العام, وفي ذات الآن أمام عنف أسري ومجتمعي يمارس ضدها في الفضاء الخاص لتصبح أمام معركتين في إطار أي نضال شعبي: أولاهما هي الانخراط في النضال الشعبي الجمعي مع باقي فئات الشعب من أجل عدالة اجتماعية حقيقية والثانية مواجهة القمع الذي تمارسه السلطة الذكورية من داخل الفئات المناضلة بحيث تمنع النساء في مجتمعاتهن من النضال جنباً إلى جنب مع الرجال. ومن هنا شهد التاريخ ولا يزال يشهد على نماذج عديدة لمعركتي النساء في الفضاءين العام والخاص خلال الفترات التحررية, ففي الوقت الذي ناضل النساء والرجال جنباً إلى جنب في منذ بداية القرن الماضي وحتى سبعينياته في الولاياتالمتحدة من أجل حقوق ذوي وذوات البشرة السوداء, خرجت النساء الأفريقيات الأمريكيات في تظاهرات قُمعت بعنف من الرجال البيض والسود على حد سواء عندما طالبن منع النساء البيض بحق النساء بشكل عام في التصويت في الانتخابات البرلمانية والرئاسية. وتكرر نفس النموذج في جنوب أفريقيا والهند وفي العالم العربي خلال فترة التحرر من الاستعمار, حيث كانت النساء جزءً لا يتجزأ من الكفاح الشعبي السلمي والمسلح ضد الاستعمار في معظم الدول العربية, وكانت النساء بمواجهة المعتقلات والرصاص وأيضاً بمواجهة أبناء بلدانهن من أجل حقوقهن في التعليم والعمل والترشح للانتخابات, فحين كانت جميلة بو حريد تعذب في معتقلات الاستعمار الفرنسي في الجزائر, كانت هدى شعراوي تناضل من أجل حقوق النساء المصريات في التعليم والعمل إلى جانب وقوفها مع الرجل ضد الاستعمار الانجليزي في مصر, ونجد ذات الصورة حيةً في تاريخ نضالات النساء اليمنيات اللاتي كن حاضرات وبقوة على الجبهتين, جبهة النضال من أجل العدالة الاجتماعية وجبهة انتزاع حقوقهن كنساء وعلى رأس هذه الحقوق, الحق في المشاركة في الحراك الشعبي بشكل عام سواء في القرن الماضي في فترة النضال من أجل الاستقلال في الجنوب والجمهورية في الشمال. ولقد جاءت الانتفاضة الشعبية في اليمن عام 2011, لتؤكد على هذه المعضلة بقوة, فوجدت النساء اليمنيات أنفسهن بمواجهة هذا العنف المركب على عدة مستويات أبرزها: العنف السياسي الموجه ضد النساء والذي مارسته معظم القوى السياسية ضد النساء بشكل أظهر أنه على الرغم من اختلاف القوى السياسية في اليمن على جوانب أيديولوجية وسياسية ومصالح اقتصادية مختلفة إلا أنها اتفقت جميعاً على أمر واحد وهو تهميش النساء كقوى فاعلة واستخدامهن كأعداد أمام الفضائيات تارة، وكورقة سياسية للنيل من هذا الحزب أو ذاك عبر حملات القذف والتشهير والتنكيل وأحياناً التكفير وتناول الجوانب الشخصية لحياتهن بطريقة تعكس النَفَس الذكوري للأطراف السياسية المختلفة في اليمن بما فيها تلك التي تدعي التقدمية. ومن هنا واجهت النساء منذ اندلاع الاحتجاجات الشعبية أشكالاً من العنف السياسي الذي تعاطى مع النساء بمبدأ العورة التابعة للرجل والتي لا يتم التعاطي معها بسبب موقفها السياسي كنظيرها الرجل وإنما بسبب هيئتها وتفاصيل حياتها الشخصية وهو الأمر الذي لم يعاني منه الرجل. العنف السياسي الذي مارسه الرجال ضد النساء في ميدان النضال الواحد وظهر ذلك جلياً من خلال قمع الهتافات النسوية, وفصل المسيرات والاعتصامات بحجة منع الاختلاط بشكل قضى على وحدة النضال وعلى وجود النساء في الميادين كشريكات في الحراك, وقوبلت حالات الاحتجاج على هذه الممارسات بحملات تشهير وقذف ضاعفت عبء العنف السياسي الذي رأت النساء أنهن بمواجهته حيث استعدين من قبل القوى السياسية الشريكة في النضال وكذلك من قبل القوى السياسية المعادية واللاتي كن شريكات الرجال من أجل الإطاحة بها. العنف الأسري في مجتمع لا تزال النساء غير مالكات لحرية التنقل والمشاركة في الحياة العامة فيه وبالتالي وجدت المرأة اليمنية نفسها بمواجهة القيود التي تفرضها الأسرة على النساء اللاتي أردن الالتحاق بأشكال النضال المختلفة. ثانياً: إيجاد مكان للنساء في فترة ما بعد الاحتجاجات فكما هو الحال عليه في مختلف التجارب, وجدت النساء اليمنيات بعد انقضاء الاعتصامات في عام 2011 أنفسهن في نفس الحالة التي كن عليها من قبل إبان الاستقلال وانتهاء حكم الإمامة في ستينات القرن الماضي مستثنيات من العملية السياسية وكأن لسان حال الأحزاب السياسية المختلفة يهمس لهن بانتهاء مهمتهن كأمواج بشرية أمام عدسات الفضائيات الراصدة لاحتجاجات 2011 وهي المعضلة التاريخية التي تجد المرأة نفسها بمواجهتها بعد أي حراك شعبي مطالب بالعدالة الاجتماعية والذي ناضلت بشراسة أولاً لتكون جزء منه لتجد نفسها بعد ذلك تناضل من جديد لتصبح جزء من نضال ما بعد الاحتجاجات في الشارع, ولو أخذنا تعريفاً عاماً للعدالة الاجتماعية التي طالما اتخذتها معظم الحركات المطلبية شعاراً, سنجد أنها معرفة في موسوعة علم الاجتماع على أنها نوع من المساواة الذي له أهميته الجوهرية في تحقيق الصالح العام (1) وهكذا يظل مبدأ المساواة حاضراً في المفاهيم المتعددة للعدالة الاجتماعية التي ركزت الاتجاهات السياسية المختلفة على مناحِ متعددة في التعاطي معها بداية بفلاسفة اليسار الذين طالما جعلوا جوهر العدالة الاجتماعية في التوزيع العادل للثروة بما يضمن المساواة في الانتفاع بها وانتهاء بالفلاسفة الليبراليين الذين تعاطوا مع العدالة من باب ضمان الحريات بأنواعها كذلك بشكلِ متساوٍ, ومن هنا لابد من طرح سؤال هام: كيف يمكن للنساء أن يستثنين من مبدأ المساواة؟ وكيف يمكن لأي حراك مطالب بالعدالة الاجتماعية عدم الإيمان بالنضال النسوي بوصفه جزء لا يتجزأ من النضال في سبيل المساواة التي تسعى العدالة الاجتماعية لترسيخها؟ لم يكن من السهل بمحلٍ أبداً أن تجد النساء لأنفسهن مكاناً يضمن التعامل معهن أمام القانون على أساس المواطنة المتساوية بعد معظم الانتفاضات الشعبية التي قدمن التضحيات فيها مثل وأكثر من الرجال أحياناً, وبالرغم من هذا الأمر الذي لطالما تم الحديث عنه في مختلف المراحل التاريخية إلا أن الجانب الذي تتعاطى معه معظم الأدبيات يكمن دائماً في رصد مستوى المشاركة السياسية للنساء بوصفه مقياساً لمدى تقدمية النظام السياسي الجديد في بلدٍ ما وأحياناً يؤخذ كمقياس على مدى حصول النساء على حظهن من العدالة الاجتماعية في بلدانهن وهو أمر غير دقيق ولا يعكس بأي حال من الأحوال مدى تمتع النساء بعدالة اجتماعية حقيقية تحمل في جوهرها جوانب المواطنة المتساوية التي تعد أهم أركان العدالة الاجتماعية. إن النص التالي من منشور تحت عنوان: "إلى النساء العاملات في كييف"، الذي وزعه البلاشفة في كييف، أوكرانيا، خلال يوم المرأة الأممي 08 مارس 1915 ويوضح طبيعة فهم البلاشفة أنداك والذي لم يتغير في أدبيات اليسار منذ ذلك الوقت وحتى الآن لموقع النساء في السعي من أجل العدالة الاجتماعية: « إن وضع المرأة يرثى له، مثله مثل وضع أغلبية العمال، لكنه أكثر سوءا. إنها تشتغل في المعمل وفي الورشة لصالح رب العمل الرأسمالي، وتشتغل في البيت لصالح رب العائلة. « آلاف العاملات تبعن قوة عملهن للرأسمال؛ تكدح الآلاف منهن في العمل المأجور؛ وتعاني الآلاف ومئات الآلاف منهن تحت نير الاضطهاد الأسري والاجتماعي. ويبدو الحال للأغلبية الساحقة من النساء العاملات وكأنه يجب أن يكون على هذا الشكل. لكن هل حقا لا تستطيع المرأة العاملة أن تأمل في مستقبل أفضل، وأن هذا المصير رهنها لحياة كاملة من العمل والعمل فقط، دون توقف ليلا ونهارا؟ «أيتها الرفيقات، أيتها النساء العاملات! إن رفاقنا الرجال يكدحون معنا. مصيرهم ومصيرنا واحد. إلا أنهم تمكنوا منذ وقت بعيد من إيجاد الطريق الوحيد الذي يقود إلى حياة أفضل: إنه طريق النضال العمالي المنظم ضد الرأسمال، طريق النضال ضد جميع أنواع الاضطهاد والشرور والعنف. أيتها النساء العاملات، ليس هناك من طريق آخر أمامنا. إن مصالح العمال والعاملات متشابهة، إنها نفس المصالح. فقط في خضم نضال موحد إلى جانب العمال الرجال، فقط من خلال الالتحاق بالمنظمات العمالية، أي الحزب الاشتراكي الديمقراطي والنقابات والأندية العمالية والتعاونيات العمالية، سنتمكن من الحصول على حقوقنا وتحقيق حياة أفضل.»(2) وفي نفس الإطار وفي تطبيقٍ أكثر قرباً من حياة النساء اليمنيات نجد نص المادة 36 من دستور اليمن الديمقراطية الشعبية المعدل في 1978 يقول: "تضمن الدولة حقوقا متساوية للرجال والنساء في جميع مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتوفر الشروط اللازمة لتحقيق تلك المساواة. وتعمل الدولة كذلك على خلق الظروف التي تمكن المرأة من الجمع والمشاركة في العمل الإنتاجي والاجتماعي ودورها في نطاق الحياة العائلية، وتعطى المرأة العاملة رعاية خاصة للتأهيل المهني. كما تؤمن الدولة حماية خاصة للنساء العاملات والأطفال, وتقوم بإنشاء دور الحضانة ورياض الأطفال وغير ذلك من وسائل الرعاية كما يبين القانون"(3) وهكذا كان اليسار بمشاربه المختلفة يرى نظرياً وعملياً أن جوهر تحقيق العدالة الاجتماعية والرفاه للشعوب يكمن في التمكين الاقتصادي للنساء بحيث يجدن أنفسهن في بيئة تسمح لهن بالتواجد الفعال والمساوي للرجل بين صفوف الطبقة العاملة الكادحة وكذلك في النقابات والتعاونيات المدافعة عن حقوق هذه الطبقة بغض النظر عن الجنس والنوع الاجتماعي. وانعكست هذه السياسة على إنتاجية النساء وانخراطهن في العمل النقابي في اليمن الديمقراطية الشعبية سابقاً بشكلٍ استطاع أن يدمج نساء الطبقة الكادحة في المصانع ويخفف من أعباء الأخريات العاملات بأدوات الإنتاج التقليدية بسبب الدعم الحكومي المقدم لمعظم الخدمات التعليمية والصحية والسكنية وقتها, وألقى ذلك بضلاله على مشاركة النساء في الحياة العامة بنواحيها سواء في صفوف الحزب أو النقابات أو في المجالات الثقافية والعسكرية. وبالرغم من أهمية التجربة اليسارية في محاولة تحقيق المساواة عبر إدماج النساء في القوى الإنتاجية ونضال الطبقة الكادحة في أنحاء مختلفة من العالم وفي جنوباليمن سابقاُ إلا أن ذلك لا يعني أن اليسار لم يرتكب خطأً فادحاً في اعتبار النضال النسوي جزء من النضال العمالي حصراً دون إعطاءه خصوصية ومساحة لتحقيق مكتسبات للنساء لم تعترف بها الأحزاب الشيوعية الغربية التي حرمت بيروقراطيتها الستالينية النساء من حقوقهن الإنجابية ولم توفر لهن الحماية في قوانين الأحوال الشخصية وتجاهلت المظالم التي تتعرض لها النساء التي وضح إنجلز عمقها في مؤلفاته. أما الأحزاب الشيوعية والاشتراكية العربية فقد ارتكبت خطأ من نوع آخر عندما تجاوزت الخصوصيات الثقافية وقفزت فوق المراحل اللازمة للتغيير الاجتماعي عند إسقاط النظريات الماركسية واللينينية بحذافيرها مما أثر سلباً على وضع النساء الاجتماعي لاحقاً بل وساعد المؤسسات الثيوقراطية على العودة بهن قروناً إلى الوراء, وبالعودة لليمن وتجربة اليسار الحاكم فيه سابقاً, نجد أنه بالرغم من وجود نماذج لنساء برزت أسمائهن في السياسة والثقافة والفنون والأمن إلا أن ذلك لا يعني بأي حال من الأحوال أن حقوق النساء اليمنيات آنذاك كانت نتاج نضال نسوي مطلبي وإنما نتاج أيديولوجية الحزب الحاكم في ذلك الوقت الذي قررت سلطته الذكورية إيجاد مساحة تقدمية للنساء في جنوباليمن سابقاً والتي تم تضييقها لاحقاً بواسطة السلطة الذكورية للقوى التي أتت للحكم بعدها. وكمثال نرى أن أبرز خطوةٍ قام بها المشرع اليمني في ظل نظام الرئيس السابق علي عبد الله صالح والتي كان من شأنها هدم أسس المواطنة الكاملة للنساء هو إلغاء المادة (27) من دستور 1991 والتي كانت تنص على أن: "المواطنون جميعهم سواسية أمام القانون ومتساوون في الحقوق والواجبات العامة ولا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو اللون أو الأصل أو اللغة أو المهنة أو المركز الاجتماعي أو العقيدة" (4) والتي تم استبدالها عام 1994 بنص المادة (31) : "النساء شقائق الرجال ولهن من الحقوق والواجبات ما تكفله وتوجبه الشريعة وينص عليه القانون" و المادة (41): "المواطنون جميعهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة. (5) تكمن خطورة استبدال المادة (27) من دستور 1991 بالمادتين (31) و(41) من الدستور الحالي في مسألتين, أولاهما هي التفرقة الواضحة بين الجنسين في أهم وثيقة تتضمن الحقوق المدنية لأفراد الشعب في تأصيل لتبعية جنس لآخر بحيث لا يكون للمرأة كيانها إلا بكونها شقيقة للرجل وليس بإنسانيتها المجردة مما يجعل المساواة المذكورة في المادة (41) منقوصة. أما النقطة الثانية فهي توظيف نص مقتطف من حديث نبوي بشكلٍ يقتصهُ من السياق الذي رُويَ فيه والذي كان في سياقهِ رداً على سؤالٍ يتعلق بمسألة فقهية خاصة بالغسل وليس الحقوق والواجبات المدنية, وفي هذا تلاعبٌ خطير بعواطف المجتمع اليمني عن طريق اقتصاص نص نبوي من بقيته وسياقه لتبرير المواطنة الناقصة للنساء المبطنة في تبعيتهن للرجال. وهكذا أضحت النساء اليوم في معركة للنضال من أجل ما تمتعت به أخريات قبل عقود في ظل حركة نسوية طور التشكل ببساطة لأن المرأة اليمنية اليوم تجد نفسها في حاجة لإيجاد حركة مطلبية تهتم بحقوقها بعد أن تم الاستعانة بها كورقة سياسية في انتفاضة 2011 على أمل الدفع بها إلى الظل مرة أخرى بعد انقضاء التظاهرات. ماذا يمكن فعله؟ التعامل مع قضايا النساء كقضايا أساسية لتحقيق الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والتعامل مع القضية النسوية كصراع اجتماعي وليس صراع بين الجنسين. إدماج الرجال في عملية النضال النسوي واستعمال مصطلح النسوية بالضميرين المؤنث والمذكر "ناشطة نسوية" و"ناشط نسوي" لوصف المدافعات والمدافعين عن حقوق النساء لإعادة الاعتبار للنضال النسوي ولتصحيح المفهوم المغلوط الذي يبرز النسوية كنشاط محتكر على النساء فقط. تحمل الأحزاب اليسارية والتقدمية لمسؤوليتها التاريخية تجاه نضال النساء ووضع الحقوق الاقتصادية للمرأة اليمنية على رأس أولوياتها بحيث تحمل هم المرأة الريفية بشكل رئيسي لتترجم ذلك في الدستور القادم وما سيترتب عليه من قوانين تعترف بعمل المرأة الريفية وتحدد ساعات العمل وحقها في الحصول على الأجر وامتلاك الأرض والدخول في الضمان الاجتماعي ة تضمن لها الاستقلالية المادية وتحميها من العنف الاقتصادي وذلك عبر استعادة المادة 36 من دستور اليمن الديمقراطية الشعبية السابق ومادة المواطنة رقم 27 من دستور 1991 للجمهورية اليمنية لضمان مواطنة النساء الكاملة دون تبعية وإلحاق بالرجل. إنهاء عزل النساء في الأحزاب والنقابات وحصرهن في دوائر المرأة والتعامل معهن كأجسام غريبة, وبدء التعامل مع النساء كحزبيات ونقابيات كشركائهن من الرجال وإغلاق دوائر المرأة لما فيها من ضرر على مبدأ العدالة الاجتماعية والمواطنة الكاملة للنساء. اكتساح النساء التقدميات للأحزاب التقدمية عبر الانتساب والترشح لمراكز صنع القرار داخل الأحزاب وقطاعاتها الطلابية والسعي إلى التثقيف الجدي والنوعي لطالبات وطلاب الجامعة من كافة الخلفيات الاجتماعية والسياسية بحقوق النساء السياسية والاقتصادية والإنجابية والاجتماعية وكذلك النزول الميداني الدوري لتثقيف النساء والرجال في الريف بأهمية حقوق النساء من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية الشاملة للمجتمع ككل. إيجاد مساحة للفكر التقدمي الداعم لنضالات النساء وتحقيق العدالة الاجتماعية في الإعلام التقليدي والمسموع بشكل خاص كونه الأكثر تداولاً بين مختلف الفئات الشعبية وبلغة تتناسب مع اللامركزية والتنوع الجغرافي مع مراعاة الخصوصية الاجتماعية والثقافية والدينية. عدم القفز على الصيرورة التاريخية للتغيير الاجتماعي ومحاولة نقل النموذج الليبرالي الغربي وحصر قضايا النساء في مشاريع المجتمع المدني النخبوية الساعية لإرضاء الداعم الأجنبي دون مراعاة الاحتياجات الحقيقية للنساء اليمنيات, ومراعاة البيئة اليمنية والعمل على إيجاد نموذج نسوي يمني متفرد لينجح على المدى البعيد دون المساومة على حقوق النساء والمكتسبات التي يأملن أن يحزن عليها. التعليم والتدريب المهني النوعي لنساء الأرياف ورفدهن بوسائل إنتاج حديثة بشكل يسمح لهن بالاستفادة من بيئاتهن لتحقيق الاكتفاء والاستقلال الاقتصادي ورفع جودة الإنتاج. إدماج صورة المرأة العاملة المنتجة في كل من الريف والحضر في مناهج التعليم الأساسي والعالي وبشكل يُطبّع بين أهمية إنتاجية المرأة والأجيال الناشئة بالإضافة إلى إيضاح الشراكة بين الرجل والمرأة في رعاية الأسرة في كل الجوانب دون قصر رعاية الأطفال على النساء بشكل يرسخ تقسيم الأدوار الاجتماعية بشكل عادل خارج إطار الطابع البطريركي المشجع على تنميط أدوار النساء بشكل لا يمكنهن من استخدام مهاراتهن وإمكانياتهن في خدمة أنفسهن والمجتمع وتشجيع العنف الأسري الموجود في المناهج الحالية. على النقابات أن تستوعب أصل الصراع الذي يكمن في القدرة على ضبط آليات العمل المجدي وأن تستقطب النقابات النساء خاصة العاملات في القطاعات غير المنظمة كالزراعة والصيد والصناعات التقليدية بالإضافة إلى نساء الفئات الاجتماعية المهمشة وإدماجهن في صناعة القرار وذلك عبر الآتي: * الاعتراف باحتياجات العاملات وبأولوياتهن النوعية. * تعمّيق وعي النساء العاملات بميزات العمل النقابي. * تنظّم حملات تنسيب واستقطاب العاملات خاصة العاملات في القطاع غير المنظم. * تنظّيم ندوات متخصّصة تضمّ الجنسين من أجل معالجة معمّقة لإدماج المرأة في العمل النقابي, وتحسين صورة النقابات وتوضيح أهميتها في صون حقوق النساء وتجنّب عقد ندوات للنساء فقط والعمل على إشراك العاملات والعمال في الأنشطة التثقيفية. * مراعاة أوضاع المرأة في تحديد مواعيد الاجتماعات العامة والملتقيات النقابية وإنهاء ثقافة مقايل القات في صناعة القرار. * تعميق الدور الاجتماعي للنقابات من خلال توفير خدمات خاصة بالنساء. * على النساء القياديات أن يتغيّرن لينخرطن تلقائيا في النقابات وللنضال من أجل اكتساح مواقع القرار في النقابات. * أن تشترك النقابيات في الإعداد للمفاوضات وفي خوضها. و في الختام تذكير بما قاله تروتسكي عام 1938: " وضع المرأة هو المؤشر الأكثر وضوحا وتعبيرا لتقييم نظام اجتماعي ما وسياسة دولة ما" (6) المراجع: 1. الحسن، احسان محمد (1999) موسوعة علم الاجتماع. بيروت: الدار العربية للموسوعات، ص460. 2. Lenin's Struggle for a Revolutionary International, p. 268 )) 3. دستور اليمن الديمقراطية الشعبية, 1978 4. دستور الجمهورية اليمنية, 1991 5. دستور الجمهورية اليمنية, 1994 6. ( Trotsky, Writings (1937-38), p. 170 )