نسى كثيرون الاهتمام والاستثمار في الطاقة المتجدّدة، وفي الصفقة التي تعدّ الأكثر ربحًا والأنفع استثمارًا.. لاسيّما وأنها تتواجد وتتوفر في جميع الأزمان والأماكن، وهي تمر بالعديد من مراحل النمو والتكاثر بين أيدينا، دون أن نمنحها الاهتمام والرعاية، حتى نجني أرباحًا، يحلّ علينا بها الهناء والارتياح. هذه الصفقة – وللأسف - استثمرها غيرنا أحسن استثمار، ليحصل منها على الفوائد والعائد والتبعيّة التي يخطّط من أجلها ويفني عمره للحصول عليها، ثم نأتي بعد فوات الأوان بأنواع من النحيب والندم ومعاتبة النفس لأننا لم نزرع لنحصد، ولم نغرس لنجني، ولم نتعب لنرتاح، وهي مترابطات قامت عليها الدنيا، ومتغيّرات رسّخت لدى البشرية منذ الأزل أنك (لا تجني من الشوك العنب) إذا لم تزرعه عنبًا في الأصل، تلك الصفقة التي أزفّ لكم خبرها وأنوّه عنها هنا هي: (الشباب)، الذين تٌكال لهم مكاييل اللوم ليل نهار، وتنسب لهم موروثات الضياع وأسبابه، وأنهم سبب رئيس في حدوث جميع مشكلات المجتمع وأزماته، وأنهم لا يحملون أدنى قدر من المسؤولية، وأنهم كذلك لا يساهمون في السير قدمًا بعجلة التقدّم بالمجتمع، وأنا هنا لا أقف دور المدافع عن الشباب! وتبرير ما وصل إليه بعضهم من اللا جدية، وإضاعة الهويّة، وعدم الاهتمام بتحصيله العلمي، وعدم استشعار دوره في المجتمع وأنه يمثّل جزءًا مؤثرًا فيه، لكنني ألفت النظر والانتباه إلى أن ما نراه اليوم في الشريحة الأهم في المجتمع وهي الشباب، إنما هو ناتج عن عدم إعداده وتربيته بالطريقة المثلى منذ نعومة أظفاره، فلم يجد التعليم المركّز ذا الخطّة الاستراتيجية، التي تحقق أهدافًا بعيدة المدى، ولم يتعرّض للإرشاد والتوجيه التربوي المناسب، ولم تكن تحيطه أسرة تهتم وتغتمّ من أجله. إضافة إلى تهميشه بعدم استشارته حتى فيما يخصّه من تخصص دراسي، أو سيارة يقتنيها، أو زوجة سيعيش معها، بحجة عدم الخبرة، وأنه غير ملم بمصلحته، فلا غرابة أن يأخذ موقف مضاد من الشرائح التي لم تهتم به كطفل، ولم تحاوره كشاب، وتنتظر منه بعد ذلك أن يكون العضو والمواطن النافع في مجتمعه، الذي يحمل همومه ويدافع عن ممتلكاته ومعتقداته. وقد قالت العرب قديمًا: عليكم بمشاورة الشباب، فإنهم ينتجون رأيًا لم ينله طول القدم، ولا استولت عليه رطوبة الهرم. وفي تتبعّك لسيرة المصطفى صلى الله عليه وسلّم تجد أن أكثر من ناصر دعوته وهاجر معه إلى المدينة كانوا شبابًا كما قالت عائشة رضي الله عنها: هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس في أصحابه أشيمط خلا أبوبكر، ولما كان يوسف عليه السلام شابًا، استجاب على الفور لطلب إخوته بالدعاء أن يغفر الله لهم خطأهم، فقال: (لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم)، وفي المقابل قال لهم يعقوب السلام - وهو شيخ كبير- «سوف أستغفر لكم ربي»، وفي هذا دلالة إلى سرعة استجابة الشباب للخير، وحبهم لإشاعة مظاهر الفرح والإسعاد للبشر. إن الشباب هم عماد الأمة وعصب حياتها، وبناة حضارتها، ودرر شعوبها، من على سواعدهم وأكتافهم تُبنى الأمجاد وتتحقق الطموحات وتعلّق الآمال، فشباب اليوم هم رجال الغد، يبنون البلاد، ويدافعون عنها بكل ما أوتوا من قوّة. محمد عمر الشيخ - جامعة أم القرى