وترجل نصير المواطن عن صهوة الصفحات، وفرض عليه واقع العصر أن يخلد إلى أرشيف الزمن؛ ليصبح في عالم الماضي، ورمزًا لأيام خوالٍ، كم طرق أبواب مسؤولين، وكم فكك بعبقرية كاتبيه رموزًا لبعض القضايا، وكم استجدى به المواطن البسيط لغاية نبيلة من بيروقراطية بعض الموظفين، إنها صفحات المعاريض، والمعروض صفحة يسطر كاتبها كلمات وجملاً تحمل في محتواها إمّا طلبًا، أو استجداءً، أو شكوى، أو نحو ذلك.. وهي في هيكلها لا بد أن تستهل بألطف العبارات لمن ترفع له، وهي مرفوعة من الأقل إلى الأعلى.. هكذا وجدت.. وهذه الغاية منها، والسبيل لحل كثير من العراقيل، وفي بعض الأحيان قد تتجسد صور مريرة ونهاية أليمة لمعروض بريء، تاه في أروقة مؤسسة عتيدة.. فيهمل ولا يلتفت إليه ليسكن سلة المهملات، وإني تذكرت تلك الورقة التي تُدعى (معروضًا) عندما قرأت وفي أكثر من مرة التوجه لتفعيل الحكومة الإلكترونية، ولعل آخر ما قرأت هو عزم الإدارة العامة للجوازات لإلغاء بعض التعاملات الورقية، واستبدالها بالنظام الإلكتروني (أبشر)، والذي يُعدُّ خطوة في المسار الصحيح، وهذا يعني أن مستقبل (المعروض) في خطر ومهدد بالانقراض والاندثار، وستتلاشى تلك الجمل الرنانة ك(أتقدم إليكم بمعروضي هذا وفيه ...)، أو على نحو (أرجو من الله ثم منكم النظر في أمري..).. وكثير من عبارات الاستجداء واستدرار العطف، وسيفقد السيد مسؤول الإدارة أو موظف الإدارة تلك الجمل الرنانة، ولكن يجب أن لا يأسف على ذلك، فهو أيضًا زائل وراحل، وسيحل جيل جديد ليس في قاموسه المعرفي والإداري جمل التبجيل التي يحملها المعروض، وسيتعامل مع جهاز لا مشاعر له، ونماذج لا تعرف الاستجداء، فالحكومة الإلكترونية إذا ما تم تطبيقها لتشمل كل القطاعات والمؤسسات ستفرض على المعروض رحيلاً مشرفًا، فلا شك في زوال المعروض الذي ظل ردحًا من الزمن ينافح على طاولات المسؤولين.. فوداعًا أيُّها المعروض، فقد كنت نعم العون بعد الله. ياسر أحمد اليوبي - مستورة