أ.د. طلال بن عبدالله المالكي يمثل غياب طلبة الجامعات عن قاعات الدرس ظاهرة تتخطى الحدود الجغرافية لأي بلد وأي جامعة وعلى الرغم من أن الجامعات سنّت من الضوابط ما يلزم لمحاصرة هذه الظاهرة والتي قد تصل (نظاماً) لحرمان الطالب من الجلوس لاختبار المادة أو أكثر من ذلك إلا أن المتابع يلاحظ أن هذه الممارسة لم تتوقف، بل تزيد في مواسم محددة كبداية الفصل الدراسي وفترة ماقبل الامتحانات. قد يظن البعض أن الغياب جسدي فقط لكن الدراسات تشير إلى أن الطلبة قد يمارسون الغياب وهم في قاعات الدرس وهذا مايمكن تسميته ب (الغياب الذهني ). تجمع الكثير من الدراسات والتحقيقات التي أجريت حول هذا الموضوع، ومعظمها – للأسف خارج المملكة - على محاور عدة لتفنيد أسبابها، وهي مما ينطبق الى حد كبير على جامعاتنا ومنها : أولا : قاعات الدراسة: عدم تأهيل الكثير من القاعات لتتناسب مع الأساليب الحديثة للتعلم ..استمرار تجهيز القاعات بكراسٍ للطلبة وسبورة للأستاذ لاأكثر! التكدس في أعداد الطلبة: ماتقرره الدراسات الحديثة أن مازاد على 15-20 طالبا في القاعة يعد تكدساً (وهذا ما أتفق معه شخصيا)، لأن ما زاد عن ذلك العدد يمنع التفاعل الحقيقي بين الطالب وأستاذه. ثانيا : الطالب الجامعي: عدم قبول الطالب بالتخصص ابتداء وعدم رضاه عنه، فهو مفروض عليه ولذلك عوامل متعددة قد يكون منها ضعف انجاز الطالب في السنة التي سبقت التخصص. التغيرات النفسية والاجتماعية على الطلبة وفهمهم (المغلوط) أن الحياة الجامعية تعني (حرية مطلقة ) فالطالب من حقه أن يحضر أو لا ! ويشارك أو لا !. ويصاحب ذلك عدم وجود توجيه وارشاد للطلبة حول هذه المفاهيم وخطورتها على تحصيلهم العلمي الجامعي. وجود الكثير من المغريات الاجتماعية والتي تدفع الطالب للسهر طوال الليل ومنها وسائل التواصل الاجتماعي وتعدد القنوات الفضائية مما لايمكنه من انتزاع نفسه من الفراش والحضور، خصوصا للمحاضرات الأولى في اليوم الدراسي مما يشجع الطالب على عدم الحضور وجود (اكشاك ودكاكين الملخصات والمختصرات ) التي توزع مذكرات وملخصات بعض الأساتذة سرا أو علنا الذين يربطون النجاح بشرائها واستذكارها! مع ضعف محتواها وكثرة أخطائها في كثير من الأحيان. ثالثا :الأستاذ الجامعي: عدم قناعة الكثير من الطلبة بكفاءة وأهلية الأستاذ العلمية، بل وتناقل الطلبة لخبر ان استاذ المادة لايمت للتخصص بصلة، بل وتصريح بعض الأساتذة بذلك. عدم جدية الأستاذ في اعطاء المادة، فأسلوب الالقاء لايشجع الطالب ان يحضر، فإن حضر المحاضرة فلن يستمع !. عدم احساس الطالب بأهميته في قاعة الدرس فهو لايشارك ولا يحاور ولا يطلب منه تحضير المادة مسبقا مع اعتماد أستاذ المادة على أسلوب التلقين. إن جامعاتنا مطالبة بأن لاتتخذ من أنظمة الحرمان للطلبة المتغيبين وسيلة وحيدة في معالجة ظاهرة الغياب لدى طلبتها. لكنها مطالبة بأن تطور وتحسن من بيئة وتجهيز قاعاتها الدراسية، وتطور من قدرات أعضاء هيئات التدريس بها وتتحول بهم الى استخدام طرق التعلم المتجددة ووسائل التقنية الحديثة. والأهم من ذلك فهي مطالبة بأن توفر برامج الإرشاد والدعم لطلبتها، وتدفعهم للمشاركة والحوار والنقد البناء داخل قاعات الدرس وتسهل ذلك لهم وتزيل عنهم الخوف من سطوة الاستاذ والترصد بهم، فقد ولت الى غير رجعة اساليب الترهيب للطالب. وأخيرا وجب على الجامعات أن تتفهم حاجات الطلبة، وأن توجههم وأن تتيح وتؤطر حريتهم الأكاديمية فى حدود الانضباط ، فهل تبادر جامعاتنا بذلك ؟ . . وبالله التوفيق.