عاد 18 لبنانيًا نجوا من حادث غرق مركب يحمل مهاجرين غير شرعيين قبالة السواحل الإندونيسية إلى بيروت أمس، وسط حال من الغضب تجاه دولتهم، التي يتهمونها بعدم المبالاة إزاء تدهور الوضع الأمني والبطالة، التي يزيد حدتها النزوح الكثيف من سوريا المجاورة، ووصل الناجون صباح أمس إلى مطار بيروت، حيث ارتموا في أحضان أفراد عائلاتهم الذين اغرورقت أعينهم بالدموع، وبدا على الناجين التأثر والتعب والإعياء، وقد غاب أحدهم عن الوعي قبل أن يسعفه أقاربه، في حين أمكن سماع صوت سيدة نجا ابنها من الحادث وهي تصرخ بصوت مرتفع «كتّر خيرالله»، قبل أن تشرع في البكاء. وكان 68 لبنانيًا غالبيتهم من مناطق فقيرة في شمال البلاد كمنطقة عكار، على متن المركب، الذي غرق الجمعة وهوفي طريقه إلى استراليا، ونجا 18 من هؤلاء، في حين انتشلت جثث 28 شخصا بينهم العديد من الأطفال والنساء، في حين لا يزال 22 في عداد المفقودين، وكان المركب يقل ما بين 80 و120 شخصًا، بينهم أشخاص من جنسيات أخرى من منطقة الشرق الأوسط. ومن الناجين، لؤي بغدادي (25 عامًا) المتحدر من منطقة البداوي قرب طرابلس، كبرى مدن شمال لبنان، وقال: «كل ما أذكره أنني رأيت السماء، ثم وجدت نفسي في الماء»، مشيرًا إلى أنه اضطر للسباحة قرابة نصف ساعة قبل الوصول إلى جزيرة صغيرة، أضاف هذا الرجل الأسمر وهو يحضن والدته «أكثر ما يؤلمني هو أنني رأيت أولادًا يطفون على سطح الماء من دون أن أتمكن من مساعدتهم، هؤلاء الأطفال ماتوا وهم جائعون لأنه لم يعد ثمة طعام متوافر على المركب». ووجه بغدادي انتقادات لاذعة إلى بلاده ذات التركيبة السياسية والطائفية الهشة، وقال: «رأيت الموت في البحر، لكنني كنت أراه أيضًا في طرابلس»، في إشارة إلى أعمال العنف التي شهدتها المدينة مرارًا منذ بدء النزاع في سوريا منتصف آذار/مارس 2011، وتواجه فيها العلويون المؤيدون للنظام السوري، والسنة المتعاطفون مع المعارضة، وتابع هذا الشاب الذي لم ينل الشهادة المتوسطة وكان يأمل في تأسيس حياة جديدة في استراليا حيث تقيم جالية لبنانية كبيرة «كنت تمشي في الشارع (في طرابلس)، ويسقط رفيقك بقربك بسبب الرصاص هذا الشعور بعدم الأمان هو الذي دفعني إلى محاولة الهجرة، في لبنان لم يعد ثمة شيء لنا للقيام به». وأشار بغدادي إلى أنه، كما الآخرون على المركب، دفع 10 آلاف دولار أمريكي (نحو7300 يورو) للذهاب في الرحلة المشؤومة، التي يعتقد أن شخصًا عراقيًا يعرف باسم «أبوصالح» هوالمسؤول عنها، ويقوم بإدارة شبكة للهجرة غير الشرعية من سجنه في إندونيسيا، علمًا أن هذه المعلومات لم تتأكد في شكل رسمي، كما انتقد بغدادي ارتفاع مستوى البطالة والضغوط، التي يولدها نزوح اللاجئين السوريين الى لبنان هربًا من العنف المستمر منذ 30 شهرًا في بلادهم، وتقيم غالبيتهم في شمال لبنان وشرقه. وقال: «أصبح السوريون لدينا (في شمال البلاد) أكثر من اللبنانيين»، من جهته، قال النائب هادي حبيش، الذي يمثل منطقة عكار، والذي حضر إلى المطار لاستقبال الناجين: إن غرق المركب يدق ناقوس الخطر للسلطات اللبنانية والمجتمع الدولي لمساعدة لبنان على تحمل أعباء التزايد المضطرد في أعداد اللاجئين، وقال: «إن البطالة في منطقة عكار (وهي من المناطق الأشد فقرًا وحرمانًا في لبنان) مخيف، المجتمع بات على وشك الانفجار، هؤلاء الأشخاص ذهبوا إلى أقاصي الأرض لتوفير الغذاء لأطفالهم لأنهم فقدوا كل أمل ببلادهم ودولتهم»، وما زال لبنان بلا حكومة منذ آذار/مارس الماضي بسبب الخلافات السياسية الحادة بين الأطراف السياسيين. وقال حبيش: «إن آخر الإحصاءات الدولية عن عكار تظهر أنه في مقابل كل ستة لبنانيين يوجد أربعة سوريين.. هذه الأرقام كارثية في منطقة يعيش سكانها أساسا في وضع مأساوي».. ويستضيف لبنان الذي يعد نحو أربعة ملايين نسمة، أكثر من 770 ألف لاجئ سوري، بحسب أرقام الأممالمتحدة.