الحديث عن الحج حديث ذو شجون، لا شيء أجمل من الحديث عن هذه الرحلة الإيمانية العظيمة!!. حتى المستشرقون وجدوا في هذه الرحلة ضالتهم الأدبية والتاريخية، وكمقال صحفي فإن الكاتب يقف أمام مجموعة كبيرة جدًا من الموضوعات لهذا تبدو الخيارات صعبة أمام الكاتب كل شيء يستحق الكتابة في الحج. (1) * وتظل الحكاية الأجمل في أشكال الكتابة هي الحكاية التاريخية!! تلك التي تحكي حكاية تاريخ الحج القديم وتُجسِّد (كم) الفوارق في (صورنا الذهنية) عن الحج!!. (2) * لن أغوص في حقب التاريخ سأتناول تحديدًا صورة الحج ما قبل ثمانين عامًا، واليوم من خلال هذه الحكاية الحقيقية بكل تفاصيلها عن حجة الجد والحفيد!!. (3) * (محمد) شاب يبلغ من العمر 28 عامًا ويسكن في أدغال جبال تهامة المسافة ما بين قريته و(أم القرى) قرابة أربعمائة كيلو مترًا، حج العام قبل الماضي، وحين عاد إلى قريته قبّل رأس جده (سالم) البالغ من العمر خمسة وتسعين عامًا وراح (الحفيد) يروي (للجد) تفاصيل حجه. (4) * الصورة الذهنية لحجة الحفيد محمد العام قبل الماضي هي ذاتها الصورة النمطية للحج هذه الأيام ركب سيارته الجيب (اللاندكروزر) من نوع (في اكس آر) استغرقت رحلته قرابة الأربع ساعات، الأسفلت يصل ما بين باب بيته وآخر نقطة في المشاعر المقدسة في يده جوال آيباد ويتحدث مع أهله وكأنه معهم!! في الطريق مر بعشرات محطات الوقود والاستراحات في كل استراحة غرف نوم وتكييف ومطاعم في المشاعرالمقدسة ركب القطار من منى إلى عرفات والعكس!!. محمد سافر يوم عرفة وعاد متعجلاً في يومين أي أن حجه استغرق أربعة أيام بالتمام والكمال حتى عاد إلى أهله!! أهله لم يشعروا بسفره، فقد غاب هذا الشعور في اختزال كل الرحلة في الأربعة أيام، وأهله لم يفتقدوه لأنه كان كأنه معهم يحادثهم ويحادثونه في كل وقت وينقل لهم (بالآيباد) صورة كل لحظة في الحج!! (5) * الجد كان مشدوهًا وهو يسمع حكاية حجة حفيده هو يُصدِّقها لأنه يعيشها الآن في آخر أيّامه لكنه لا يكاد يستوعبها لحجم الفوارق وكم (التغريب) في المتغيرات ما بين حجة حفيده وحجته هو قبل ثمانين عامًا. (6) * قال الجد: نويت الحج يا حفيدي قبل ثمانين عامًا لم أعد أتذكر التاريخ بالتحديد غابت في ذاكرتي الأرقام وبعض المسميات وبقيت الأحداث استأجرت جملاً بسبعة ريالات (فرانسه) وبدأنا في تكوين قافلة من الحجاج من قريتنا ومن القرى المجاورة فأنت لا تستطيع الحج بمفردك.. لابد من قافلة وإلا فالموت ينتظرك!! تحركنا من بيوتنا شروق أول يوم من شهر ذي القعدة!! أهل القرى وأهل الحجاج تجمّعوا على التلال المجاورة في مشهد وداع محزن مهيب دموعهم ودعاؤهم كانت هي من يُودّعنا وكُنّا نخنق عبراتنا بالتلبية التي ضجت من كل القوافل!! (7) * ويواصل الجد حديثه: استغرقت رحلتنا شهرًا كاملاً كُنّا نقطع فيها الفيافي والقفار على ظهر جمالنا نسير في خوف ورعب رغم أننا قافلة كبيرة لكنك لا تأمن الطريق من القطاع لا توجد محطات ولا استراحات ولا كهرباء، لذلك كُنَّا نتتبع مساقط المياه، ونُلاحق (أهل الخدور) حتى لا يفتك بنا العطش!! وكُنّا نتزود من (الدخن) و(الذرة) التي كُنّا نحملها معنا على ظهر بعير خاص بذلك وعند الغروب نبحث عن مكان مرتفع (ننيخ) فيه، نوقد الحطب، ثم ننام إلى جوار بعضنا ونربط النساء في أيدي رجالهن وبعد كل (شوية) ينادينا بأسمائنا (حادي) القافلة.. بعد شهر شارفنا على مكة من جهتها الجنوبية رفعنا أصواتنا بالتلبية فرحًا برؤية مكة وفرحًا بالنجاة من الموت والخوف!!. (8) * كُنَّا نبقى في مكة عشرين يومًا (ننيخ) جمالنا في أحواش مكة ونتنقل بها في المشاعر ثم نعود إلى مواجهة الخوف والجوع والموت والظمأ من جديد وحين نصل ديارنا نجد الأهل على التلال يترقبون عودتنا ويرفع (قائد) القافلة الراية البيضاء بأننا عدنا سالمين غانمين وينشد (الحادي) أشعار العودة والشوق.. فيما يطلق الرجال المستقبلون البنادق والنساء (تغطرف) فرحًا بمقدمنا!!. (9) * التفت الجد (سالم) إلى حفيده (محمد) وقال: أنت وجيلك لا تكادون تصدقون هذا مثل ما أنا لا أكاد أستوعب ما يحدث الآن رغم أنه حقيقة، أنتم في نعمة يا ولدي فاحمدوا الله عليها واسألوه أن يديمها عليكم!!. للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (35) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain