لو وجدت نفسك فجأة مقدِّمًا لأحد البرامج الحوارية -كما وجد كثيرون أنفسهم كذلك- فهل ستستضيف (نقادًا) ومفكرين من أمثال (الغذامي والبليهي وفهد العرابي)، أم ستستقطب (نقّادًا) شعبويين ممن يثرثرون في الرياضة والفن للحديث في كل شيء على طريقة (طقها والحقها)؟!.. إن كنت ستختار الفريق الأول فلا يسعني إلا أن أقول لك: عظم الله أجرك في برنامجك مقدمًا؛ لأنه سيسقط بالضربة القاضية، ومنذ الجولة الأولى!. * التسطيح -يا سيدي- هو كلمة السر في معظم إعلام أهل هذا الزمان.. وحين تتحدث عن قضايا جادة تناقش واقعنا ومستقبلنا فلن يستمع إليك أحد، بل سيتّهمونك بالسوداوية و(ثقالة الدم) لو حاولت طرح أسئلة مهمة من نوع: ماذا أعددنا لمرحلة ما بعد النفط؟!، أو كيف نخرج من أزمة الانفصام المزمن بين العبادات والسلوك؟!.. أما إن بلغت بك الجرأة حدًا تُحّرض فيه على التفكير في أسباب خلل البنية التعليمية، أو قضايا الجفاف والتصحّر التي ندندن حولها منذ السبعينيات، والتي جعلت منا مجتمعًا استهلاكيًا بامتياز، فإنك تصبح مغامرا من طراز رفيع.. فهذه القضايا تبدو مملة و(ثقيلة طينة) لشرائح عديدة، بالإضافة إلى أنها ليست من اهتمامات كثير من (المثقفين الجدد) الذين قفزوا على ظهر المشهد الإعلامي، وأمسكوا بخطام (الثقافة الجماهيرية) رغم أن بعضهم لا يُفرِّق بين (البيتزا) وبرج بيزا!. * «التافه» هو الدائر الآن في الحوار.. والأولوية في المتابعة صارت لمجالس (النميمة الرياضية) التي أفرزت ثقافة (نيجيريا ونيفيا) العنصرية.. ناهيك عن (اللت والعجن) منذ سنوات في قيادة المرأة للسيارة، وعلاقاتنا مع الخادمات والسحر، وتفسير الأحلام والحجاب... إلى آخر هذه الحوارات العقيمة التي ملأت فضاءنا و(تويترنا) وبعض (صحفنا) جعجعة (بيزنطية) لا طحين لها.. وأبقتنا أسرى للصراعات الصغيرة والرؤى الضيقة. * عندما سُئل الكاتب الأمريكي الشهير (توماس فريدمان) عن أفضل دولة في العالم، أجاب: (تايوان)!.. ذلك أن تلك الدولة الصغيرة الخالية من أي موارد طبيعية، تمتلك رابع أفضل احتياطي مالي في العالم، وما حققت ذلك إلا لأنها اختارت التنقيب في عقول أبنائها بحثًا عن الإبداع، فالبشر هم طاقتها غير الناضبة، لذا يقول فريدمان: إن تقدم أي دولة يمكن قياسه من خلال ما تنفقه على تعليم أبنائها وتثقيفهم وزرع الجدية فيهم. * صدقت يا فريدمان إنها الجدية.. فأي مجتمع لا يُوفِّر لنخبه الثقافية والفكرية مناخًا صالحًا لحوارات جادة حول واقعه، وتحديات مستقبله سيغرق في أوحال السطحية، وأسوأ ما تفعله النخب هو أن تستسلم للسطحية أو أن تجاري العامة فيها.. حينها تتجمد الأمة في مستنقعات (التفاهة) ومجالس (طق الحنك) والصراعات المحلية، التي تبقيها دومًا في المربع الأول. * في فيلم (الكيف) يطلب بطل الفيلم (مزجنجي) الذي يصر على أن يكون مطربا رغم صوته الأجش.. يطلب من أحد الشعراء أن يكتب له كلمات (هايفة) لأن الناس -بحسب زعمه- مش عاوزة الجد.. الناس عاوزة (تنسطل) حتى في الغناء، لذا يقول جملته الشهيرة: "إديني في الهايف، وأنا أحبك يا ....".. ورغم نجاح الأغنية التافهة التي (كسّرت الدنيا) إلاّ أنها علّمتنا فائدة مهمة هي أن الإسفاف والكلام الهابط يُدمِّر الشعوب مثلما تفعل المخدرات.. وربما أكثر. [email protected] للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (61) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain