أشاعت وفاة الدكتور عوض بن حمد القوزي، أستاذ اللغة العربية بجامعة الملك سعود، الأسى والحزن في قلوب محبيه ومحبي اللغة العربية، التي خدمها الراحل طوال مسيرة حياته العلمية والأكاديمية والإنتاجية، باذلًا لها وقته وجهده في سبيل تحقيق تراثها، وتطوير أساليب تدريسها لتلائم الواقع المعيش.. وكان الفقيد قد تعرض لحادث حركة مروع على الطريق الدولي الرابط بين جدة وجازان إثر عودته من مدينته (القوز) بعد قضاء فترة إجازة عيد الأضحى المبارك فيها. وفور انتشار خبر رحيل القوزي بادر الاتحاد الدولي للغة العربية بنشر نعي على موقعه الإلكتروني الرئيسي جاء فيه: «ببالغ الحزن والأسى تلقى المجلس الدولي للغة العربية خبر وفاة الأستاذ الدكتور عوض القوزي أستاذ اللغة العربية في كلية الآداب بجامعة الملك سعود. ويعد الدكتور عوض رحمه الله من النخبة الذين عملوا على الاهتمام باللغة العربية، وعلى حضورها وتواجدها في المؤتمرات والمحافل الدولية.. والدكتور عوض رحمه الله من الداعمين والمؤيدين للجهود التي تعمل على حماية اللغة العربية ونشرها وتعليمها والعمل بها في جميع الميادين.. رحم الله فقيد اللغة العربية وأسكنه فسيح جناته وإنا لله وإنا إليه راجعون، تغمد الله الفقيد برحمته ومغفرته وأسكنه فسيح جناته، وبارك في أسرته من بعده..». فيما كتب مجمع اللغة العربية على الشبكة العالمية نعيًا للراحل، قال فيه «أصابت مصيبة الموت أ.د.عوض بن حمد القوزي رحمه الله، وفجعت به اللغة العربية وذووها، وقد كان – رحمه الله – من الأعلام الذين لهم جهد بارز في خدمة العربية، وكان عضوا بمجمع القاهرة، وعمل في تحقيق شرح السيرافي لكتاب سيبويه، عن مخطوطات يذكر بعض تلاميذه أنه ظفر بها ولم يقف عليها من سبقه في تحقيق الكتاب، وأنه بلغ الجزء السابع عشر منه.. رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جِنانه، وعوض اللغة العربية وأبناءها خيرا. وإنا لله وإنا إليه راجعون». أخو النحو والعربية كذلك عبر عدد من المثقفين والأدباء عن عميق حزنهم لهذا الفقد، وفي ذلك يقول الشاعر فاروق بنجر: إلى جوار رحمته انتقل الدكتور عوض القوزي أخو (النحو والعربية)، بعد حادث على خط الجنوب، فرحمه الله وأكرم في الجنة مثواه.. لقد عرفته والتقيته في بعض مؤتمرات اللغة العربية، وملتقيات الأدب، وكنت أثني على موسوعته «التعليقة على كتاب سيبوية» الرائدة في مشروعه العلمي النحوي المتميز بين اجتلاءات أهل النحو ورياداته الأكاديمية النادرة. جدية وتفانٍ ويقول الدكتور حمزة المزيني: إن الأستاذ الدكتور القوزي- رحمه الله- أحد المتخصصين المتميزين المعروفين على مستوى العالم العربي في النحو، وذلك ما أهَّله لعضوية مجمع اللغة العربية في دمشق منذ سنوات.. وتدرَّس بعض كتبه في أقسام اللغة العربية في بعض الجامعات العربية داخل المملكة وخارجها.. وأهلتْه لهذه المنزلة أعمالُه الكثيرة في البحث والتحقيق، التي أصدرها تباعًا في خلال الثلاثين سنة الماضية. مضيفًا: إن طلاب الدكتور القوزي يعرفون جديته في التدريس وتفانيه في تعليمهم، ويعرف الطلاب الكثيرون الذين أشرف على رسائلهم للماجستير والدكتوراه في القسم عنه دقته في الإشراف وكرمه الفائق في مساعدتهم على إنجاز رسائلهم في الوقت المحدد وبأشكال مُرْضية.. كما تعرفه الجامعات السعودية الأخرى من خلال تحكيمه الأبحاثَ التي ترسل إليه للتحكيم تمهيدًا لنشرها في مجلاتها، كما تعرفه تلك الجامعات من خلال مشاركاته الكثيرة في مناقشة عدد كبير من رسائل الماجستير والدكتوراه التي تنجز فيها. كما يعرف عنه رؤساء قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة الملك سعود، الذين تعاقبوا طوال السنين على رئاسة القسم، وكنت أحدهم، مدى التزامه بالتدريس ومشاركته الفاعلة في نشاطات القسم من غير أن يعتذر عن أية مهمة تسند إليه أو أن يشكو من ثقل بعضها واستنزاف بعضها للوقت والجهود. ذاكرًا في هذا السياق جمالُ صوت الدكتور القوزي خاصة حين يقرأ كلاما مكتوبا، أو يقرأ القرآن الكريم.. ولا يمكن أن تعرف معنى ما يكرره الزميل الأستاذ إبراهيم طالع في مقالاته دائمًا من القول عن قراءة القرآن الكريم ب»ألحان العرب» إلا حين تسمع الدكتور عوض وهو يصلي بنا أحيانًا ويقرأ بصوت شجي ولحن حجازي تهامي يأخذ بمجامع القلوب ليقودها في مراقي الخشوع والجمال.. وكم أود أن يكون قد سجل بعضا من قراءاته لتكون نموذجًا يُدرس ليُحتذى، وذلك لتنمية الذوق الصوتي الجمالي للغة العربية بعامة وللقرآن الكريم بخاصة بدلًا من الحشرجات أو المبالغات التي تصدم آذاننا دائمًا في كثير من مساجدنا أو عند ادعاء التحدث بالعربية الفصحى. أريحية المعلم ويشارك الكاتب محمد بن عبدالرزاق القشعمي بقوله: لقد عرفت الدكتور القوزي- رحمه الله- عن قرب من عشر سنوات من خلال المشاركة الدائمة في خميسية الشيخ حمد الجاسر الثقافية، ومن لقاءات متفرقة مع بعض الأدباء في دار المفردات للنشر بضيافة الشاعر والصديق عبدالرحيم الأحمدي، ومن لقاءات أخرى في مجلس الأستاذ الدكتور مرزوق بن تنباك زميله وصديقه ورفيقه الأثير إلى نفسه.. وترافقنا عند حضور اجتماع جمعية لسان العرب في القاهرة عام 2006م، وقد قدمت له قبل بضع سنوات نسخة من كتابي (الفكر والرقيب) بطبعته الأولى، وفوجئت بعد أيام معيدًا الكتاب بعد تصويب بعض الأخطاء اللغوية، ومطالبا بنسخة أخرى، وفعلا أخذ بتعديلاته في الطبعات اللاحقة.. وأذكر كذلك أنني عند إعدادي لكتاب جديد أسميته (بداياتهم مع الكتابة) طلب مني، بأريحيته المعتادة، أن يطلع عليه قبل الطبع، وفعلًا، عرضت عليه المسودة، فأعادها بعد أشهر رغم مشاغله الأكاديمية وغيرها بعد أن راجعها لغويًا وأخضعها لما هو متبع في البحوث الأكاديمية المتعارف عليها في التوثيق وثبت المراجع والمصادر وغيرها.. وقد طلبت منه برجاء أن يقدم له، ولكنه اعتذر بلباقة لأنه لم يتخصص بالأدب العربي، ولكنه معني باللغة العربية من نحو وصرف ونحوها، وقال إن لكل فن فرسانه، ولهذا أنصحك بأساتذة الأدب العربي، فهم الأقدر والأجود.