بغية تشجيعها على المضي بالتفاوض.. بإيعاز من نتنياهو.. نافذة كيري الاقتصادية للسلطة الفلسطينية يدفع الكيان الإسرائيلي، الأوضاع في قطاع غزةوالضفة الغربية إلى حد التسليم بإملاءاته، والقبول بالحلول والصيغ التي تُطرح سواءً من نافذته أو نوافذ أخرى تتناغم مع سياساته. غزة - نابلس (فارس) وتحاول حكومة الاحتلال جاهدةً بلورة رؤية رئيسها بنيامين نتنياهو، الذي طرح "السلام الاقتصادي" كحل للقضية الفلسطينية ينأى به بعيدًا عن السياسة. وبموجب هذا الطرح، يحاول نتنياهو حصر الحلم الفلسطيني في تحسين الأوضاع المعيشية، وإنعاش الاقتصاد بديلا عن حل القضايا النهائية أو السياسية. * تضخم آخذ بالازدياد ففي الضفة الغربية، تفرض القيود الأمنية للاحتلال إعاقة لتقدم أية أنشطة، وأعمال يتم الشروع بها، هذا إضافة للقيود المفروضة على الاستثمار في مناطق (ج). وتشكل هذه المناطق نحو 60% من مساحة الضفة الغربية، ما يعني حرمان الفلسطينيين من استغلال غالبية مواردهم الطبيعة، خاصةً المياه الجوفية التي توجد غالبيتها في هذه المناطق. بالإضافة للاحتلال – كما يقول أستاذ الاقتصادي بجامعة القدس المفتوحة عصام أبودقة - يشكل ضعف الأداء الاقتصادي عاملا رئيسًا في تعطيل المشاركة الاقتصادية الفاعلة والمنتجة. وأشار أبودقة في حديث مع مراسل وكالة أنباء فارس، إلى أن الاقتصاد الفلسطيني يعاني من صغر حجمه، وافتقاره إلى التنوع، وعدم وجود قاعدة صناعية ذات كثافة عمالية لاستيعاب الأعداد الكبيرة من الوافدين الجدد إلى سوق العمل، يضاف إلى ذلك عدم القدرة على الوصول إلى أسواق جديدة على المستوى المحلي نتيجة القيود الأمنية التي يفرضها الاحتلال، وتفضيل المستهلكين للسلع المستوردة. كما أن "ضعف التوسع العام في الإنتاج، والفرص المتاحة في الاستثمار عبر التكنولوجيا المتطورة والأعلى جودة، تعد عقبات بجانب القيود على التوريد، والتي تمثل مشكلة معقدة سببها الاحتلال"، بحسب أبودقة. وطبقًا للخبير الاقتصادي الفلسطيني فإن "التضخم الآخذ بالازدياد نتيجة العجز التجاري الذي يعرض الاقتصاد إلى تضخم المستورد من الخارج، وعدم وجود عملة محلية، وما يتبع ذلك من عدم القدرة على التحكم بالسياسة النقدية، وتدفق العون الخارجي والتحويلات المالية من الخارج، يسبب ارتفاعاً في القدرة الشرائية لدى عدد محدود من الأفراد". وفيما ترتفع تكاليف الحياة وينخفض الدخل تتنامى البطالة، وتزداد حدة المصاعب التي تواجهها المؤسسات الموفرة لفرص العمل. وكنتيجة لذلك يشير أبو دقة، إلى أن إمكانية إتاحة فرص العمل للقوى العاملة الآخذة في التوسع تتضاءل. * شلل تام بغزة وفي غزة، قرع رئيس اللجنة الشعبية لمواجهة الحصار جمال الخضري، ناقوس الخطر بعد دخول القطاع حد الكارثة الإنسانية، معلنًا عن شلل تام في عمل المشاريع الإنشائية التابعة للمؤسسات الدولية، والقطاع الخاص. وقال الخضري في تصريحٍ مكتوب وصل مراسل وكالة أنباء فارس نسخةً عنه، :"إن نسبة البطالة في غزة ارتفعت لتصل إلى ما يقارب من 50% بعد تعطل آلاف العمال في قطاع الإنشاءات والصناعات المرتبطة به". وبحسبه فإن "هذا القطاع يشمل عمليات بناء المساكن والمنشآت الاقتصادية وخدمات الصرف الصحي والكهرباء والمياه والبنى التحتية وغيرها"، مبيّنًا أن هذا التوقف من شأنه أن يدهور الاقتصاد المنهك بسبب الحصار الإسرائيلي. ولفت الخضري إلى إحصائيات رسمية تفيد بأن قطاع الإنشاءات يسهم ب35% من اقتصاد غزة. وأشار إلى أن معدل دخل الفرد اليومي في غزة لا يتجاوز دولارين"، موضحًا أن "أكثر من مليون شخص يعتمدون على المساعدات الدولية والاغاثية"، محذِّراً في الوقت ذاته من ارتفاع هذه النسبة في ظل تعطل المشاريع. ودعا رئيس اللجنة الشعبية لمواجهة الحصار، إلى تدخل دولي وإسلامي وعربي لإنقاذ الوضع في غزة خاصةً وأنه يتفاقم بشكلٍ يومي. * إلتفاف على السياسة ولعل الطرح الذي لطالما ردده نتنياهو لم يكن من إبداعاته، فقد كان أول من نادى به الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز قبل 4 سنوات، ليخرج به مجددًا وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، على شكل خطة زعم أنها ستسهم في إنعاش الحالة الاقتصادية في الأراضي التي تخضع لسيطرة السلطة الفلسطينية. وأكد عميد كلية الاقتصاد في جامعة النجاح الوطنية بنابلس الدكتور نافذ أبو بكر أن حديث كيري عن النهوض بالوضع الاقتصادي في الضفة جاء ليلتف على أي أفق سياسي مصيري يخص الشعب الفلسطيني. وتحدث أبو بكر عن سياسة الاحتلال والإدارة الأميركية التي تهدف لجعل هم الفلسطينيين الكبير هو كيفية تحسين أوضاعهم المعيشية، قائلا: "السياسية الاقتصادية جعلت أهالي الضفة الغربية وقطاع غزة ينصب جل اهتمامهم على طوق النجاة من الأوضاع السيئة الذي يعيشونها". وتابع يقول: "صحيح أن الناس تتجاوب مع أي شيء يحسن أوضاعها الاقتصادية، لكنها مدركة لأهمية أن يكون هذا التحسن داعما لصمودهم وإصرارهم على الحصول على حقوقهم الوطنية والسياسية لا التنازل عنها". * تماهٍ مع نتنياهو من جهته، رأى الباحث في مركز التخطيط الفلسطيني الدكتور مازن العجلة أن خطة كيري جاءت في سياق التشجيع على الانخراط والمضي في المفاوضات مع الاحتلال، مؤكدًا أنها تتماهى مع أفكار نتنياهو حول طرح "السلام الاقتصادي". وأشار إلى أن كيري أطلق خطته هذه في فعاليات المنتدى الاقتصادي العالمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا الذي عقد في الأردن في أيار/ مايو الماضي، وسلمها رسميًا للسلطة الفلسطينية في أيلول/ سبتمبر المنصرم بعد بدء المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية بأسابيع قليلة. وبيّن العجلة أن كيري أوعز لموفد اللجنة الرباعية الدولية توني بلير، بوضع خطة اقتصادية أطلق عليها الأخير فيما بعد اسم "المبادرة الاقتصادية"، وهي تندرج وفقًا لتصريحاته في إطار بناء الثقة من أجل تهيئة أجواء مواتية لبدء المفاوضات واستمرارها. وتتضمن الخطة ضخ 4 مليارات دولار خلال 3 سنوات، عبارة عن استثمارات عبر القطاع الخاص، إضافة إلى السماح للسلطة الفلسطينية باستخراج الفوسفات من البحر الميت، وتفعيل استخراج الغاز من الحقل المكتشف في المياه الإقليمية أمام شواطئ غزة، وهو ما كان الكيان الإسرائيلي يمنعه طوال هذه السنوات، بالإضافة إلى توسيع نطاق سيطرة السلطة في المناطق المصنفة (ج)، وما يرافق ذلك من إزالة بعض الحواجز العسكرية، وتسهيل حركة التنقل. ونوه العجلة إلى جملة من الأسباب تثير الشك والريبة في إمكانية نجاح خطة كيري في تحقيق أهدافها، أهمها أن الاقتصاد الفلسطيني يعاني من مشكلة رئيسية تتمثل في تبعيته للاقتصاد الإسرائيلي، في ظل استمرار سيطرة الاحتلال على الأراضي الفلسطينية ومواردها ومقدراتها بل وقرارها الاقتصادي المكبل بشبكة من الإجراءات والقوانين المرتبطة باتفاقية باريس. وشدد على أنه وبرغم من أن الاقتصاد الفلسطيني تلقى نحو 21 مليار دولار منذ إنشاء السلطة إلا أن التبعية والإلحاق للاقتصاد الإسرائيلي ما زالت مستمرة، ومؤشرات الفقر، والبطالة، وارتفاع حجم الدين العام في ازدياد. /2336/ 2926/