التقطنا من تلك اللقاءات التي أجراها الإعلامي داوود الشريان في برنامج الثامنة مع عدد من ضحايا المنهج التكفيري المتشدد معظم التفاصيل عن طبيعة حالتهم، برز فيها بوضوح امتلاكهم فيما مضى استعداداً فطرياً لتصديق أي شيء، وقد كان – على سبيل الحظ النحس – زعماء هذا المنهج هم أول من ظفر بهؤلاء الضحايا التائهين في الطريق، العملية التي حدثت معروفة ولا تحتاج إلى شرح مطول، لقد تم استقطابهم وخلق جو قدسي صناعي لما في أيديهم من فكر مستأثر بالمشهد، فكر يلعب في الميدان بمفرده، حيث لا وجود لبديل آخر يحظى بهذا التقدير الشعبي نفسه، ومن ثم إقناعهم أن ما يقال يحمل هالة دينية يحرم الاقتراب منها أو التشكيك فيها، هذا نوع من الشطط بلا شك، لكنه وجد طريقه جيداً لدى ذهنيات غير قابلة لخوض تجربة تعقل واحدة في حياتها وبهذا ازدادت الفكرة رسوخاً. لقد أدرك الناس من خلال هذه المقابلات كيف أن نظم التلقين الفاسدة وإن اتخذت وضعية (الفردية) مؤذية جماعياً، وقد أعلن بعض هؤلاء الضيوف على أن التشبع بالخطابات التي كانت تُلقى عليهم تتوجه إلى المشاعر لا إلى العقول، وهي خطابات تختار الوتر الذي تلعب عليه بعناية. اللغة التلاعبية التي خوطبوا بها تحظى بدور كبير هنا، فالانفعالات والأفكار ممكن أن تكون معدية عن طريق التلاعب بواسطة لغة انفعالية مقنعة وحيل منمقة طنانة، ولذا وقع هؤلاء الضحايا في شرك فصاحة زعماء المنهج المتشدد، بإمكانك متابعة الأفلام المناصرة للحزب النازي في ثلاثينيات القرن الماضي كي تشاهد نماذج كثيرة لهذه الخطابات واللغة العاطفية الأثيرة المستخدمة فيها. إن لبعض الكلمات قوة إيحاء كبيرة لا يمكن تجاوزها أحياناً مستثيرة مشاعر وصوراً لدى المستمع أو القارئ العادي، هذه اللغة المشحونة بالعاطفة تجدها كثيراً لدى الشعراء والمعلنين والسياسيين، وبالطبع الكثير من مروجي الأفكار أياً كانت ما تحمله من مضامين، وأي خطاب محمل بتركيز انفعالي كبير يمكن أن يحمل قوة إقناعية أكبر، بحيث تجعل المتلقي يشعر بدلاً من أن يفكر، وبالتالي من الضروري حفظ أدواتنا النقدية يقظة، وتحسس مقدرتنا على حفظ موقف نقدي مستقل، فلا يفترض أن نستسلم لتسريب الأفكار هذا لأنه فقط استثار مشاعرنا، والقوة التي ينطق بها الشخص حججه ليست دليلاً واعياً على قيمتها. The post كي يشعر بدلاً من أن يفكر appeared first on صحيفة الرؤية.