أبوظبي (الاتحاد) - التدريب على القيم الإنسانية يلزمه صبر وخطوات مدروسة تصدر عن المربي لتحقيق نتائج إيجابية وتنعكس على الطفل طيلة مسار حياته، ومن هذه القيم التسامح بوصفه جانبا من جوانب تنمية التفكير الإبداعي لدى الأبناء، وهي طريقة لمساعدة الصغير على حل مواقف الخلاف والصراع، ويتناول الجوانب الإيجابية في الشخصية الإنسانية، وفي كتيب «القوى الإنسانية، كيف نكتشفها لدى أبنائنا؟»، الذي تقدمه وتراجعه صفاء الأعسر أستاذة علم النفس، استعراض لتعريف قيمة التسامح في شطره الأول، وفي الشطر الثاني مجموعة من التدريبات والخطوات التي تسهل على ولي الأمر أو المربي زرع هذه القيمة في نفسه. أسئلة تحفيزية قدمت الأعسر مجموعة من الخطوات لتعليم الطفل قيمة التسامح، حيث قالت «اجلس مع طفلك ووجِّه له السؤال التالي: «ماذا تفعل لو رفض صديقك أن تشاركه اللعب بكرته الجديدة»؟ واطلب منه أن يفكر في أكبر عدد من النتائج السلبية التي تترتب على عدم تسامحه مع صديقه، إذ يمكن أن تساعده من خلال تحديد أحد المواقف الفعلية التي حدثت له من قبل مع أحد أصدقائه، مثلا قل له: فكِّر في ماذا كان سيحدث إذا لم تسامح عمرو عندما كسر مقلمتك الأسبوع الماضي، واطلب منه بعد ذلك أن يفكر معك في إجابة الأسئلة التالية: «كيف سيكون حال أسرتنا عندما يقرر كل منا ألا يتسامح مع الآخر؟ وكيف سيكون حال المدرسة عندما يقرر تلاميذها ألا يتسامحوا مع بعضهم بعضاً؟» وأضافت «اسمع طفلك وساعده في تقديم أكبر عدد من الاحتمالات المتوقعة، اقترح على طفلك أن يرسم شكل العالم عندما لا نتسامح، قد يعبر الطفل عن صعوبة عمل ذلك، ساعده في هذه الحالة بتقديم بعض الأمثلة، مثلا: تخيل شكل العالم عندما لا نتسامح.. هل سيكون فيه حدائق وأشجار» استمر في مساعدته بالأسئلة التي تستثير خياله». وأوضحت الأعسر «عليك أن تُرسخ في وجدان وعقل طفلك هذه الأفكار المهمة المتعلقة بالتسامح فتجعله منهج حياة، فالفرد المتسامح يكون محبوباً من كل من حوله، من أصدقائه ومعلميه وجيرانه، لأن المتسامح يكون أكثر قدرة على إقامة صداقات حميمة مع الآخرين، والحفاظ على استمراريتها، ويتيح التسامح للفرد المتسامح أن يفكر بشكل إيجابي، وأن يعايش المشاعر الإيجابية التي تشكل قوة دافعة له، وتوجه سلوكه نحو استثمار طاقاته وإمكاناته، وعدم تبديدها فيما لا طائل منه، فالفرد المتسامح يكون لديه وقتاً أطول لإنجاز قدراً أكبر من أهدافه عن غير المتسامح، التسامح عملية لا تتوقف وتتطلب إرادة قوية». طريقة التفكير التسامح يتطلب في المقام الأول تغيير الطريقة التفكير. وأوضحت الأعسر «لكي نتسامح ينبغي علينا أن نتخلى عن معتقد أننا دائماً سنجد شخصاً نلومه عندما يقع شيء خطأ، ونعتنق معتقداً جديداً يسمح لنا بتأمل قيمة التخلي عن لوم الذات والآخرين. يتشابه التسامح والعطاء، فالتسامح منحة نهبها عن طيب خاطر للآخرين، وهو قرارك الشخصي لذا أنت الوحيد الذي تملك الحق في أن تتسامح، ولا يكفي أن تتسامح بقلبك، لكن احرص على أن تبرهن بسلوكك الفعلي على تسامحك، ولا يعني التسامح أننا سننجو دائماً من الأذى، ولا يوجد إنسان كامل فكل إنسان يقع في الخطأ أحياناً ويشعر بالذنب، والتسامح يرتبط بسلامتنا نحن وليس بمن ألحق الأذى بنا، وهو مهارة قابلة للتدريب، يحولنا من ضحايا إلى أبطال، إذ أن الغضب يعزز مشاعرنا وأفكارنا السلبية ويعوقنا عن التسامح»، لافتة إلى أن الغضب والعدوانية اللذين يصاحبان عدم التسامح، يعطلان التفكير الإيجابي، فتضعف قدرة الفرد على فهم المواقف وتحليلها، واتخاذه القرار المناسب بشأنها، أو وضع خطة لتعديلها، في حين أن التسامح وما يصاحبه من مشاعر هادئة، وأهداف إيجابية، يساعد على مراجعة الموقف والتوصل إلى حلول يصعب التوصل إليها في حالة الغضب، ولهذا يكون الأفراد الأكثر تسامحاً أكثر نجاحاً، لأنهم ببساطة أكثر قدرة على اتخاذ قرارات صائبة، وأكثر حكمة في فهم الأشخاص والمواقف في البيئة المحيطة بهم. وهناك عوامل متعددة تيسر ظهور التسامح، ومن أهمها وفق الأعسر «إبداء المُسيء سلوكيات تنم عن توبته إذ طُلب من مجموعة من الطلاب الجامعيين في إحدى الدراسات، استرجاع حادث كانوا فيه ضحايا لاعتداء، ثم طُلب منهم الإجابة عن مجموعة من الأسئلة المتعلقة بهذا الحادث، وقد توصل الباحث الذي أجرى هذه الدراسة، إلى أن الناس تعبر عن تسامحها بدرجة أكبر مع الأفراد الذين يسيئون إليهم الذين يقومون بالسلوكيات الآتية كالذين يعترفون بأنهم ارتكبوا الإساءة، ويطلبون من المُساء إليهم مسامحتهم على ما اقترفوا من إساءة، ويعبرون عن شعورهم بالذنب أو بالحزن، ويفعلون بعض الأشياء الإيجابية لإصلاح الإساءة، أو يسامحون المشاركين (الضحايا) على بعض الإساءات الأخرى، وارتبطت الاستجابات الدفاعية لمرتكبي الإساءة - مثل تقديم اعتذارات غير صادقة، والتقليل من شدة الإساءة أو إخفائها، وتوجيه اللوم للضحية بانخفاض مستويات التسامح». إبداء الاعتذار اعتبرت صفاء الأعسر أن إبداء المُسيء اعتذاره من العوامل المهمة التي تيسر حدوث التسامح. وقالت «أجريت دراسة على أطفال في السادسة والتاسعة والثانية عشرة من العمر، كانت تُعرض عليهم مجموعة من الصور التي تصور البطل «كريم» وهو يجري مندفعاً في ممرات المدرسة، فيصطدم بمجموعة أطفال آخرين، وقد قسم الأطفال إلى أربع مجموعات بناء على كم ونوع المعلومات المقدمة لهم، وسئلوا عن مدى مسؤولية «كريم» عن هذا الحادث، وحجم الخسائر التي تسبب في إحداثها، واستجابة «كريم» بعد هذا الحادث، فتباينت المعلومات المقدمة للأطفال عن استجابات «كريم» بعد الحادث، وذلك على النحو التالي: وصف «كريم» لمجموعة من الأطفال بأنه «مشى ببساطة دون أن يقول أو يفعل شيئاً»، ووصف لمجموعة أخرى بأنه قال: «أنا آسف»، ووصف لمجموعة ثالثة بأنه قال: «أنا آسف، أشعر بالأسى لما حدث»، في حين هناك وصف لمجموعة رابعة بأنه قال: «أنا آسف، أشعر بالأسى لما حدث، اسمحوا لي أن أساعدكم»، وكان من بين الأسئلة التي توجه للأطفال المشاركين السؤال التالي: «هل تعتقد أن الأطفال ستسامح «كريم» على ما فعل؟ وإذا حدث وسامحوه فإلى أي مدى؟»، وقد تبين أنه كلما كانت الاعتذارات أكثر تفصيلاً، كان تسامح الأطفال مع «كريم» أعلى.