أرتاد بين الحين والآخر بعض أنديتنا الأدبية ، بحثاً عن المفيد والنافع والجديد، وأتابع أخبار ما يفوتني من مناشطها المختلفة من خلال رصد صداه فى المجتمع ووسائل الإعلام المختلفة، وفي مرات عديدة أجد السواد الأعظم من هذه المناشط، استنساخاً لمناشط منبرية سابقة ، وإعادة تدوير لمفاهيم ثابتة ، أصلها عرف ثقافي واحد ، حصر الثقافة في تظاهرات كلامية لا تسمن ولا تغني من جوع . فاليوم فلان يتحدث عن تاريخ القصة فى منطقة كذا ، وغداً أمسية شعرية لشعراء تناوبوا الوقوف على منصات هذه الأندية ، وبعد غد أمسية سردية لفرسان السرد وسدنته ، وتمضي السنين والأعوام وأنديتنا الأدبية تعيد تدوير ذات الأفكار وتقتات المنهج ذاته من خلال تناوب أسماء محددة ومكررة ليؤكد كل ذلك أن هذه الأندية يحكمها نسق ثقافي واحد في مخالفة لما يجب أن يكون ويفترض. إن الأندية الأدبية ليست مؤسسات خاصة ، لتقر وتفرض من خلال قلة معدودة ذلك النسق الثقافي الوحيد ، الأندية الأدبية محاضن ثقافية وفكرية يفترض فيها الدفع بالثقافة وأهلها الى فضاءات أرحب من الشمولية في تناول كل جوانب الثقافة وتأصيلها فى المجتمع وأفراده. لقد سئمنا من القاص فلان والحكواتي علان ، وشاعر الغبراء فلان ، نريد فعلاً ثقافياً مؤثراً وشاملاً يكون صداه المجتمع بكل أطيافه المختلفة . من صور مايقدم في منابر هذه الاندية ان يعلن عن محاضرة لصاحب الدار عضو جمعية السرد والشعر والقصة الدكتور فلان، ويبدأ مدير الأمسية بتقديم الضيف (ضيف المنصة) الى الحضور ، وبالمناسبة....يتبادل الأغلبية فى هذه الاندية أدوار الضيف والحضور فى مشهد يعكس الديموقراطية الوحيدة فى هذه الأندية ويجسد بكل شفافية معنى تداول سلطة الكلام والظهور والتنفذ فى هذه الأندية ، وبالعودة الى الصور المنبرية المقدمة فى هذه الاندية ، وبعد التعريف بالضيف ، تبدأ المحاضرة والتى تكون فى الغالب الاعم مواد مثلجة سئم الجميع تناولها ، ولكنها تظل فى أعراف هذه الاندية البضاعة النافذة والاكثر استهلاكاً وبقاء داخل دهاليز هذه الاندية، ثم يلتهم الضيف وريقاته ويعلن المقدم انتهاء الوقت المخصص للضيف لتبدأ مرحلة الاسئلة والنقاش مع الحضور ، ويتسابق الجميع لطرح رسائلهم وأسئلتهم التي أعدت مسبقا بمعرفة الضيف ، ويتحاور الجميع حواراً سبق اعداده والتمرن عليه ،اما المحايد من الحضور فلا يجد مساحة للسؤال او التحاور ، واذا أسعفه الحظ فإن نظرات الاستغراب تلاحقه وترصده وكأنهم يقولون (من أنت ؟) ،ثم يعتلي الكبير منصة النادي ليعلن شكره للمحاضر ويقدم له درع النادي فى إصداره الجديد ليرصع به الضيف خزائنه الملأى من دروع ذات النادي والتي راكمتها السنين وتعدد مرات الصعود الى ذات المنصة، ويطلب منه وبإلحاح شديد طبع هذه الوريقات وتضمينها فى اصدار جديد من إصدارات البيادر الثقافية المختلفة . أعجب كثيرا من الحصانة الثقافية والفكرية التي بات كثير من أرباب هذه الاندية يحيطون أنفسهم بها ، ويسيجون رؤاهم الثقافية بسياج من الرتابة والتكرار تجعل الفعل الثقافي الصادر من هذه الاندية لا يتعدى جدرانها، ولكن العجب يزول عندما نرى كثيراً من إختلافاتهم لا تسعها مفاهيمهم الثقافية ولا ديموقراطيتهم المزعومة ، مثال ذلك بعض الصور الإنتخابية التي جرت داخل بعض هذه الأندية ، والتى كان من المفترض ان تكون نهاية مرحلة فكرية سابقة وبداية مرحلة ثقافية جديدة ، الا انها وتحت تأثير ما هو سائد فى تلك الاندية اصبحت بداية لفصل جديد من رحلة قانونية ساحاتها المحاكم الإدارية . حري بهذه الاندية إعادة انتاج ذاتها وتقييم مخرجاتها الثقافية لتتواءم مع المجتمع واحتياجاته، وتتسق مع حراكنا الثقافي المتغير والمتجدد ، مع ضرورة الابتعاد عن المناشط المنبرية الحالية والتى تشبه فى شكلها ومضمونها الكلام الإنشائي المنمق الذي يبهرك فى بداياته ، ولكنك مع الزمن تكتشف انها سفسطة كلامية مكررة لا فائدة فيها ولا خبر . علي المطوع -ابها