د. دانية آل غالب جَلَسَت أمامي تحكي لي كيف تعرّضت في شبابها لظلمٍ شديد من زوجها، الذي أذاقها كل صنوف العذاب على مدار سنتين، هي عمر ذاك الزواج. وأنها استطاعت أن تخلعه بعد طول معاناة وشعور بالقهر والظلم. وعلى الرغم من أنها حصلت على الخلع، واستعادت حرّيتها وكرامتها، وعلى الرغم من مرور أكثر من خمس وعشرين سنة على تلك الأحداث المؤلمة، إلاّ أنها لا تزال تشعر بالظلم. وعلى الرغم من أن تجربة ظلم ذلك الزوج لها تنتمي للماضي، إلاّ أنها لا تزال تعدّ العالم مكانًا غاضبًا عدائيًّا يسكن الظلم في كل ناصية ومفرق فيه. وعلى الرغم من أنها كانت تعتقد أنها قويّة بما يكفي، وأن لديها القدرة لتتعامل مع هذا العالم، إلاّ أنها ظلّت تشعر بالظلم والقهر، وتتحرّك ضده، فأخذت تُناضل في سبيل دفع الظلم كلّما واجهها في حياتها، أو واجه أحدًا، إذ تنبري لتتصدّى وتحارب ضد الظلم بكل صوره وأشكاله، سواءً أكان واقعًا عليها، أم واقعًا على غيرها، حتى أطلق عليها من حولها لقب المناضلة ضدّ الظلم. وصارت -بعد الله- أنيس المظلومين وناصرهم، المتبني لقضيتهم، وقد كانت حادثة ظلمها القديمة بكُلِّ ما حوت من ألم وقهر وعذاب نقطة فارقة في حياتها. غيّرت شخصيتها، وأضافت لها شيئًا ذا قيمة، صنع حاضرها ومستقبلها، وجعلها تترك بصمة ضد الظلم. فبعض التجارب السلبيّة قد تكون نُقطة فَارقة في حياتنا، تأخذنا نحو القوّة والشجاعة والنجاح. كما قد تصنع كذلك التجارب الإيجابيّة. إذا استطعنا أن نستمد منها الطاقة الروحية والعاطفية التي تدعمنا على مدار حياتنا. فقد حدث لي موقف مختلف حمل لي الكثير من الإيجابية، وكان نقطة تحوّل عظيمة في حياتي. فقد كنت أحبّ القراءة والكتابة، وكانت هاتان الهوايتان أجمل ما كنت أفعله، فقد كانتا تمثلان لي عالمًا مليئًا بالقيمة المضافة لي. وحينما كنت في الثانوية، طلبت معلّمة اللغة العربية أن نكتب موضوع تعبير. كان في الواقع موضوعًا صعبًا، يحتاج إلى قدرات عظيمة في الثراء اللغوي والثقافي. فشعرتُ بالإثارة الشديدة، بينما كسا الإحباط وجوه زميلاتي. وأنجزتُ الموضوع، وقدّمته لمعلّمتي التي بدت فخورة بي وبما أنجزت، حتى أنها وقفت تُثني عليَّ وعلى عملي أمام الفصل كله، وهذا بالطبع لم يعجب زميلاتي اللائي انتقدنني وافترضن أني فعلت ذلك لإحراجهن. ولم يتوقّف الأمر عند ذلك الحدّ. فلم تكتفِ المعلمة بالثناء عليَّ، بل رشّحت موضوعي لمسابقة كانت وزارة التربية والتعليم قد أعلنت عنها، وحصل موضوعي على المركز الأوّل، وعلم الجميع في المدرسة بذلك، وبعد ذلك بعام تعيّنتُ في مدرستنا معلّمة جديدة، التقتني في إحدى ممرات المدرسة فقالت: لقد سمعتُ الكثير عنك وعن موهبتك المتميّزة. فعجبتُ كيف وصل الخبر إليها، وعجبتُ لنظرة الإعجاب والتقدير في عينيها، لقد كانت لحظة مغيّرة للحياة. لقد منحتني معلّمتي فرصة لتتغيّر حياتي، ولأهتم بموهبتي، ولأتمسّك بقلمي وأكتب بصدقٍ وتميّز وإتقان. لقد صنع ذلك الموقف مني الكاتبة اليوم التي يتابعها آلاف القرّاء، ويتأثرون بمقالاتها وفكرها، ويراسلونها متفاعلين مع ما تكتب وتُقدّم. في الحياة دومًا لحظات فارقة مغيّرة.. منها السلبي ومنها الإيجابي، لا يهم كيف كانت التجربة، فحسب بل كيف أثمرت فيك. هناك لحظات تضيف لنا شيئًا جديدًا. هذه اللحظات هي نقطة تحوّل في حياتنا. أو في حياة الآخرين. قد تكون التجربة مغيّرة في حياتنا. وقد نكون نحن التجربة المغيّرة في حياة الآخرين. فلنختر أن نكون التجربة الإيجابية في حياة الآخرين. ولنتعلم كيف نستفيد من التجربة لتتحول حياتنا للأفضل. [email protected] للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (46) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain