لم يتخيل المواطن خالد برغوت (48 عاماً) أن الأمطار التي انتظرها بفارغ الصبر ستقلب حياته رأساً على عقب، وتفقده منزله ليبقى مشرداً هو وعائلته المكونة من سبعة أفراد، وذلك بعد أن أغرقت مياه الأمطار منزله، وأتلفت ما بداخله، لتسبب إسقاطه بعد يومين من تدفق المياه وارتفاع منسوبها بداخله. هذا المشهد تكرر مع مئات العائلات في مناطق مختلفة في قطاع غزة، والتي تحولت إلى مناطق منكوبة ومهجورة من سكانها، فقد تسببت مياه الأمطار والرياح الشديدة في إغراق وإسقاط المئات من منازل المواطنين في هذه المناطق، وإتلاف ما بداخلها، فيما لم تجد طواقم الإنقاذ أي وسيلة لإخراح السكان من منازلهم سوى قوارب الصيد، ونقلهم إلى المدارس التي أصبحت المأوى الوحيد لمئات العائلات، وذلك بعد أن غمرت المياه المنازل والسيارات في الشوارع. داخل أحد الفصول الدراسية في مدرسة مصعب بن عمير بمدينة غزة، افترشت عائلة خالد بروغوت ووالدته الأرض، وبجانبه ثلاث عائلات أخرى تشردت من منازلها في أحياء الشيخ رضوان والنفق، فيما تحولت مقاعد الدراسة إلى أسرّة للنوم عليها، ولم يجدوا ما يقيهم برد الشتاء القارس سوى الالتحاف بملابسهم. يقول خالد برغوت ل«الإمارات اليوم»: بينما كنت نائماً أنا وعائلتي في المنزل، فوجئنا في وقت الفجر بالمياه تداهم المنزل بارتفاع 60 سنتيمتراً، فحاولنا التغلب عليها، لكنها استمرت بالتدفق وارتفع منسوبها، حتى أغرقت كل ما بداخل المنزل، ونحن غير قادرين على فعل شيء سوى الاستغاثة لإخراجنا من المنزل الذي حوصرنا فيه ساعات، وجميع الأطفال يبكون ويصرخون من شدة الخوف. ويتابع برغوت قوله بغضب «نحن لا نحتاج إلى طعام أو ملابس، لقد أصبحنا بلا مأوى أنا وأطفالي وأمي المريضة، لقد قضيت 20 عاماً في تعب ومشقة حتى أقمت منزلي، واليوم يهدم ويضيع أمام عيني». وفي ذات الفصل الدراسي الذي يقيم فيه برغوت، كان المواطن أبومحمد الكومي (65 عاماً) يطلب من أهل الخير الذين توافدوا إلى مراكز الإيواء بالمداس إحضار طبيب أو علاج لزوجته المريضة بالسكري. وتقول (أم محمد) ل«الإمارات اليوم »: تعرضنا لكارثة إنسانية قاسية، لم نفكر في أي شيء سوى أن نخرج من المنزل وننجو من السيول، وخرجنا من دون أن نصطحب معنا أي شيء، فالمياه أعدمت كل ما في المنزل من ملابس وأموال وأوراق وأثاث، بل خرجت من دون حذاء، والمياه تغمرني حتى صدري. وتضيف «أنا مريضة وأعاني مرض السكري، وأحتاج إلى علاج دائم». الحصار والاحتلال ما حدث في منازل وشوارع غزة خلال المنخفض الجوي ناتج عن ضعف قدرة مضخات المياه في غزة على العمل بالشكل الصحيح، نتيجة تفاقم أزمة انقطاع الكهرباء، إلى جانب شح الوقود الذي يقلص الاحتلال دخوله عبر معبر كرم أبوسالم، إضافة إلى فتح الاحتلال أودية السلقا وغزة أمام تدفق مياه الأمطار من الأراضي المحتلة إلى غزة. ويقول وزير الأشغال العامة والإسكان في غزة يوسف الغريز، إن «الاحتلال فتح السدود المائية على الحدود الشرقية للقطاع، ما أدى إلى غرق مناطق سكنية عدة». وأوضح الغريز أن نحو 7000 أسرة تضررت من المنخفض، بواقع 40 ألف نسمة، وأن ما يزيد على 3300 وحدة سكنية تعرضت للغرق، فيما تم إيواء 900 أسرة في 19 مركزاً، موزعة مؤقتاً على كل أرجاء القطاع. وقدرت الخسائر الأولية المباشرة للمنخفض الذي ضرب قطاع غزة على مدار أربعة أيام بنحو 64 مليون دولار، وذلك بحسب الغريز.