في علم السياسة, تقوم السياسة الخارجية للدول على جناحين اثنين, الأول منهما القوة العسكرية, والآخر, الدبلوماسية, وهما يشكلان التصوُّر العام للدولة, وإمكاناتها في التعامل بفاعليةٍ على الساحة الخارجية, والحفاظ على مصالحها الحيوية والإستراتيجية. والحقيقة التي تنطق بها, هذه المسلَّمة السياسية, أن قوة الدولة العسكرية, لها انعكاساتٌ قوية, على دبلوماسيتها وسياستها الخارجية, فكلما تعاظمت قوة الدولة عسكرياً, كان بمقدورها أن تلعب أدواراً قوية ومستقلة على الساحة الخارجية, بعيداً عن الاستقطاب الدولي, والعكس صحيح كذلك. وعلماء السياسة يرسمون محاور التغيير الذي يجب أن يصاحب سياسة أي دولة, وهي بصدد رسم سياستها الخارجية, في ثلاثة عناصر رئيسة, هي: مقدار التغيُّر في قوتها العسكرية, والتقلبات في البيئة الإقليمية والدولية, والتبدلات التي تطرأ على رؤيتها لمصلحتها السياسية. والسياسة بطبيعتها, ليست نهراً هادئاً, ولكنها بحرٌ هائجٌ, لا تكاد أمواجه تهدأ, وهذا ما يعني أن على الدول أن تحدّث باستمرار سياستها الخارجية, وقوتها العسكرية, في ضوء التغيرات التي تحدث من حولها, ولا تركن إلى التقليدية, التي يمكن أن تجر عليها مصائب وويلات لا حصر لها, وعلى أقل تقدير يمكن أن تضيّع عليها مصالح جمة. وبلدنا في منطقةٍ شديدة التقلب, سياسياً وعسكرياً, ونظرة العالم الخارجي لها, تتغيّر بصورةٍ مستمرة, في ضوء مصلحة الدول العظمى, خاصةً في الآونة الأخيرة, التي شهدت تقارباً بين الغرب والولاياتالمتحدة من ناحية, وإيران من ناحيةٍ أخرى. من هنا نرى حتماً أن تسير الدولة في اتجاهين متوازيين: الاتجاه الأول, تحديث منظومتنا العسكرية, بحيث تتناسب مع التصاعد المستمر في التحديث إقليمياً ودولياً, وبما يتناسب مع طموح الدول الإقليمية في أن تصبح نووية, وهو أمر يخل بشدة بميزان القوة العسكرية في منطقة الخليج, لغير مصلحة السعودية. وإذا كان التحديث العسكري مطلوباً وبقوة وبسرعة, فإن العقيدة القتالية, هي الأخرى ربما تحتاج إلى تحديثٍ وتطويرٍ, لأن الحروب الحديثة في أغلبها, حروبٌ أيديولوجية مذهبية, وليست مجرد حروبٍ تقليدية, على رقعةٍ جغرافية أو موارد اقتصادية. الاتجاه الآخر, تحديث منظومة سياستنا الخارجية, في ضوء التقلبات في المصالح والتوجهات, التي قرّبت المسافات بشدة بين الولاياتالمتحدة وإيران, ومن ثم أصبحت الأخيرة محور التجاذب بين القطبين الأمريكي والروسي, وهو ما يعني حتمية بناء تحالفات سعودية جديدة, على المستويين الدولي والإقليمي. نحن نلحظ, حقيقةً, تسارعاً في تحديث منظومة السياسة الخارجية, ولكن هذا التسارع, يجب أن يكون على مستوى التغيرات في الساحة, بل يجب أن يكون فاعلاً, وليست مجرد ردود أفعالٍ على ما تتخذه الدول الفاعلة, إقليمياً ودولياً من ممارساتٍ؛ قد تضر بمصالحنا. لا خيار أمام السعودية سوى أن تحدّث منظومتيها, العسكرية, والسياسية, قبل أن تدهمنا الأخطار.