1 - يا بحر جدة مات حلمٍ بنيناه. ان اكتب عن واحد من شعراء جيلي، من زاوية نقدية، يعني هذا انني اكتب عن زمني، بشكل او بآخر، او على وجه الدقة: اكتب عن الشعر في زمني، وجيلي. عرفت عبدالله الحارثي، شاعرًا، من صفحات الجرائد، وتحديدًا، جريدة عكاظ، عام 1415 تقريبًا، وتغريبًا. وهذا الزمن الذي قرأت فيه عبدالله، ونشر فيه عبدالله، كان زمنًا لا يشغل بال الشاعر فيه شيء غير كتابة الشعر، ثم نشره في اي صفحة متخصصة، واعني: ليس زمنًا كهذا الذي لا يفكر الشاعر فيه، في مسألة الشعر للشعر، وانما هناك ما يشغله، من فضائيات، واذاعات، وانترنت، ودواوين صوتية، وصور شخصية منمقة بالفوتوشوب، بينما يأتي الشعر أخيرًا واخرًا، في بال شعراء هذا الجيل. عبدالله ككل شعراء جيله، كان يحرق نفسه من اجل كتابة فكرة بيت شعر، وبعد ان يكتبه يتأمله، وبعد ان يتأمله يُصادقه، ويحبه. لغة عبدالله الشعرية، تخرج من بين الكلاسيكية والحديثة، ولهذا فتراكيبه الشعرية وصوره الشعرية، تأتي في قالب لغوي شفاف، ما بين الغموض الفني الحديث، وبين السلاسة والمباشرة في صور النمط الشعري الكلاسيكي، لذا قصيدة عبدالله كما أراها، كرسيًا بين مدرستين. عبدالله شاعر وجداني وتأملي، ولهذا فمعظم نصوصه، تبرز فيها الذات المتكلمة بشكل واضح، وكأنما أراد عبدالله ان يغلق دفتره الشعري على ذاته، ويجلس في قصيدته، هامسًا بصوت خفيض عن عذاباته، وغرامياته، كشاعر كتب اغلب ما كتب، في الشق العاطفي والغزلي من الشعر، ومن القلب. 2 - اللّي مقابل للحديقة عندما كتب رائعته التي أرهقته وارهقت قراءه، طوال سنوات طويلة، واعني قصيدة (شباك ريم)، فتح شباكًا لا يمكن اغلاقه، في تاريخ عبدالله الشعري، وأدخل محبوبته ريم الى فهرس اسماء المحبوبات الخالدات في الشعر العامي تحديدًا، فأصبح لها مكان محترم، بجانب (نوت) العواجي، و(منيرة) بندر بن سرور، و(مريم) فهد عافت، و(بندري) نايف صقر، و(عنود) مساعد الرشيدي، ولكن بمواصفاتها الخاصة، التي تميزها في دفتر العشيقات. اخرج عبدالله الحارثي، فتاته، من شباك عمارة في شارع جداوي، ولكنه لم يكن جسديًا في وصفه لها، بل كان حسيًا، وهو الامر الذي لم يكن شائعًا في الشعر الغزلي العامي، الذي امتلأ باوصاف الشعر والشفتين والعينين والخصر، والارداف التي ارهقها الشعراء كتابة وتكرارًا، فلم نعرف عن ريم، سوى انها فتاة ذات حس وجداني عال، وذات عاطفة لا تهدأ جمرتها، ولا خمرتها، الا وزادها الشباك والحديقة، نارًا حسية، لا جسدية، فكأنما ريم كانت، محض روح تطل من نافذة منزل. في نص شباك ريم، كان عبدالله الحارثي شاعرًا، لكنه كان كذلك، ممارسًا للمهن التالية: - مصور فوتوغرافي. يلتقط ما امام العدسة: اه ياشباكها وما خلف العدسة: الغرقان في العين الغريقة. كان عبدالله، في دقة الوصف، لما قال (اللي مقابل للحديقة، يمارس مهنتين في وقت واحد: - عامل بناء - عامل غناء وكان بمروره المتكرر امام شباك ريم، يمارس مهنتين في وقت واحد: - مراقب بلدية - مراقب شبكيّة اكثر واعمق واصدق من يصف شاعرية عبدالله، واحساسه، وعينه الفوتوغرافية الشعرية، في الالتقاط والدقة والتصوير، هو نص ريم نفسه. نص ريم، هو الناقد الوحيد، القادر على قول ما لا يقوله كل النقاد عن شعر عبدالله. اه يا شباك ريم اللي مقابل للحديقة كل ما نامت عيون الناس صحيناك معنا تستلذ بهمسنا المجنون ويبللك ريقه تحتمل نار العتاب وتوجعك دمعة وجعنا كم غسلنا وجهك النعسان بالدمع وحريقه كم على عيونك تقاسمنا الوصال وما شبعنا وكم رسمت احلامنا في قلوبنا صدق وحقيقة كم صدقنا في مواعيد الغرام وكم رجعنا اه يا شباكها الغرقان في العين الغريقة كيف مرت خطوة العمر الجميل وما سمعنا وكيف طاح الليل في كاس الوصل واخفا بريقه وكيف نفس الموعد اللي قد جمعنا ما جمعنا منهو اللي خان من غير عن احبابه طريقه أنت يا شباكها ولا بداوة مجتمعنا! او انا او هو زمن (مهدي) حبس وجه الطليقه لين كفّنا بقايا أحلامنا فينا وطعنا اه يا شباكها فرقى الحبايب من يطيقه ومن يطيق الحب لاضاعت مواعيده وضعنا واه يا شباك ريم اللي شرب وجه الحديقه ذبلت زهور الغرام وضاعت الاحلام معنا 3 - تُركت هذه الفقرة، فارغة عمدًا، لأن اي كلام يقال بعد قصيدة شباك ريم، ليس كلامًا يحترم نفسه، وليس كلامًا يحترم قائله، وليس كلامًا يحترم قارئه. * شاعر وكاتب صحفي - الطائف المزيد من الصور :