من تامر أبو العينين جنيف - 31 - 12 (كونا) -- يودع السويسريون عام 2013 ومعه ايضا سرية الحسابات المصرفية التي شكلت طيلة عقود العصب الاساسي لصناعة المال وادارة الثروات الخاصة في البلاد وكان لها الفضل في النهوض بسويسرا على الساحة الاقتصادية العالمية خلال القرن العشرين . وتأتي هذه الخطوة بعد أن أصر الاتحاد الاوروبي والولاياتالمتحدة على ضرورة ترتيب الساحة المالية السويسرية بما يضمن عدم سماحها باستقبال ثروات غير خالصة الضرائب في المنبع وتبادل تلقائي للمعلومات والبيانات حول ثروات رعايا الاتحاد الاوروبي والولاياتالمتحدة في البنوك السويسرية. واستعانت الدول المتضررة من سرية الحسابات المصرفية السويسرية بضغوط واسعة من منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ومجموعة الثماني ومجموعة العشرين والتي وضعت سويسرا ضمن قائمة الدول غير المتعاونة في مكافحة التهرب الضريبي ما كان سيعرضها لعقوبات اقتصادية . وطبقا لتصنيف مؤسسة (بوسطن كونسالتينغ غروب) الامريكية فان سويسرا تحتل المرتبة الاولى عالميا في استضافة ثروات أجنبية بقيمة 2ر2 تريليون دولار فيما تأتي في المرتبة الثانية كل من سنغافورة وهونغ كونغ بما قيمته 2ر1 تريليون دولار لكل منهما ما يجعل من الساحة المالية السويسرية محط اهتمام الساسة وصناع القرار الاقتصادي في العالم . وبموجب الاتفاقيات التي وقعتها سويسرا مع كل من الولاياتالمتحدة وبعض دول الاتحاد الاوروبي سيتحتم على البنوك السويسرية تزويد السلطات الاجنبية ببيانات المودعين الاثرياء بل يجب على البنوك السويسرية ان تقوم باستقطاع الضرائب المستحقة على الثروات المودعة في بنوكها وتسليمها الى السلطات الامريكية وسلطات الدول الاوروبية المعنية . ويأتي موقف سويسرا الضعيف والحرج للسلطات بسبب اعتراف حوالي 150 مصرفا سويسريا ومؤسسة مالية بارتكاب مخالفات قانونية في الدول التي تعمل بها والمساهمة في تهريب وإخفاء ودائع الاثرياء في حسابات سرية . ونجحت بعض البنوك في التصالح مع السلطات الامريكية خارج ساحات المحاكم من خلال دفع تعويض مالي والالتزام بفتح ملفات عملائها امام السلطات مثل بنك (يو بي اس) الذي سدد 800 مليون دولار الى السلطات الامريكية وبنك (اي اف جي) بسداد عشرين مليونا الى السلطات البريطانية . وفي الوقت ذاته وقعت بنوك ومؤسسات مالية أخرى في صراع قضائي باهظ التكاليف طال عددا من رجال البنوك الذين أصبحوا مطلوبين للمثول أمام العدالة الامريكية على وجه الخصوص ما قد يدفع ببعض البنوك الخاصة الصغيرة الى تصفية أعمالها وإشهار إفلاسها فرارا من المثول أمام القضاء . كما تلقي تلك التطورات بظلالها على الساحة السياسية السويسرية ايضا حيث أصرت أحزاب اليسار المتمثلة في الاشتراكيين والخضر على التأكيد على صحة مطالبها قبل سنوات بضرورة اتباع "سياسة بيضاء" في التعامل مع الثروات الاجنبية وذلك حرصا على سمعة القطاع المالي المهم بدلا من التفريط في الصورة البراقة للبنوك السويسرية بسبب مخالفات أو معاملات مريبة تقوم بها بعض البنوك تركت بصمات سلبية على الساحة المصرفية السويسرية . وفي المقابل ترى أحزاب اليمين ان حدوث خطأ بشري أمر وارد ويمكن اصلاحه دون "جلد الذات" ومحاولة تشويه "الليبرالية الاقتصادية" التي تعتمدها سويسرا منذ عقود وكانت سببا في وصولها الى مصاف الدول المتقدمة اقتصاديا على مستوى العالم . في الوقت ذاته تؤكد أرقام (هيئة الرقابة الفيدرالية على أسواق المال) انسحاب 30 مصرفا أجنبيا من العمل في السوق السويسرية من بينها على سبيل المثال (البنك الوطني الكندي) وبنك (لويدز) البريطاني وبنك (ايه بي ان آمرو) الهولندي وبنك (ديغروف) اللوكسمبورغي. وليس من المستبعد ان تؤدي تلك التطورات الى اعادة ترتيب اولويات مؤسسات المال والبنوك الخاصة ووضع سياسات جديدة تتناسب مع الاوضاع الراهنة استنادا الى الخبرة السويسرية العريقة في إدارة الثروات والاستثمارات بعيدا عن الثغرات أو الشبهات . وما يشجع على هذا التفاؤل ان أسهم أشهر بنكين سويسريين (يو بي اس) ومنافسه (كريدي سويس) قد حققا ارتفاعا ملحوظا طيلة العام بارتفاع متوسطه 20 بالمئة رغم الاداء المتواضع لهما لكن هذا الحضور القوي في البورصة يعكس استقرارا في الاداء وثقة في الاسواق . (النهاية) ت ا / م ع ع كونا311657 جمت ديس 13