أ. د. محمد خضر عريف إن ما يحدث اليوم في بعض الدول العربية من اقتتال وتناحر بين مختلف الطوائف والعشائر والأحزاب والانتماءات والمذاهب إلى آخر القائمة، يذكر بحروب خاضتها القبائل العربية المختلفة في الجاهلية تسمى في التأريخ: أيام العرب، ومن أشهرها حرب البسوس وحرب داحس والغبراء التي دامت كل منهما سنوات طوالا وحصدت أرواح الآلاف. ويبدو أن التأريخ اليوم يعيد نفسه، ويعيش العرب حروب «داعش» والغبراء، وداعش لمن لا يعرفها اختصار مقيت مضحك مبكٍ لما يسمى «الدولة الإسلامية في العراق والشام» على الطريقة الإنجليزية في الاختصار « Abbreviation» بتكوين اسم من الحروف الأولى لمنظمة ما أو شركة ما إلخ، وهي طريقة غير مقبولة في اللغة العربية وتثير الاشمئزاز والسخرية، ذلك ما تعنيه «داعش». أما الغبراء في هذا الزمان فيمكن إطلاقها على مجموعة من الجماعات المتطرفة التي لا تعرف حقيقة انتمائها ولا توجهها ولا أهدافها، تعيث في العالم العربي فسادًا من أقصاه إلى أقصاه من أمثال جبهة النصرة وأشباهها من المشبوهين. وجميع هذه المنظمات «الغبراء» تحقق هدفًا واحدًا كبيرًا: إطالة بقاء النظام النصيري في سورية والشيعي الطائفي في العراق، وتحول دون تقديم العون اللازم للثوار الحقيقيين في الشام، وإعادة الحقوق المسلوبة من أهل السنة في العراق، بحجة أن من يقاوم النظامين الطائفيين هم أتباع القاعدة من داعش والنصرة وسواهما ممن يحتسبون زورًا وبهتانًا وتضليلاً على أهل السنة. وبالمقابل، فإن الخطاب الذي يوجهه بشار الأسد ونوري المالكي ومن يؤيدونهما في إيران وروسيا يعتمد على التخويف من وصول إنصار القاعدة إلى الحكم في كلا البلدين، وهو الخطاب الذي وجد آذانا صاغية في أمريكا والغرب، فأحجموا عن مساندة ثوار سورية ودعم المقهورين من أهل السنة في العراق بحجة أن هؤلاء يمثلون القاعدة، وسمعنا للمرة الأولى تصريحات بأن الغرب لا يرى غضاضة في أن يستمر الأسد في الحكم أو أن يرشح نفسه مجددًا للرئاسة «إن أيده الشعب السوري». وهذا التحول اللافت في الموقف الغربي يؤكد نظرية تقول إن داعش والغبراء هي جميعًا صنيعة نظام الأسد، الذي أطلق مؤخرا كل من كانوا في سجونه من المنتمين إلى الجماعات المتطرفة، ليكونوا حربا على الثورة السورية المجيدة الإسلامية المعتدلة بطبيعتها، قبل أن تكون داعش والغبراء حربا على الأسد أو المالكي أو حزب الشيطان كما أثبتته بالدليل القاطع كل الوقائع على الأرض في الشهور الماضية. ولعل من اللافت حقا أن الغرب في تخوفه من الجماعات المتطرفة لم يلقِ بالا ولم يتحدث مرة عن جماعات شيعية متطرفة تعد أسوأ وأخطر ألف مرة من داعش والغبراء مثل لواء أبي الفضل العباس وحزب الشيطان وسواهما كثير، الذين لم يجيئوا إلى سورية بهدف نصرة النصيريين فحسب، بل بهدف آخر قبله هو قتل أكبر عدد من أهل السنة الذين يسمونهم «أحفاد يزيد» كما سمعنا في تصريحات متكررة لهم عن أنهم قتلوا اليوم خمسين من أحفاد يزيد مثلا، وهذا الخطاب الطائفي البغيض الآثم لم نسمع ما يشبهه عند داعش والغبراء الذين يصرحون بأنهم يقاتلون لإقامة دولة الإسلام كذبا وضلالًا بالطبع، ومع ذلك فإنهم لم يثبت عنهم أنهم صرحوا بأنهم يقاتلون لتصفية الشيعة أو العلويين أو سواهم. المهم في الأمر أن الغرب يهتم للمتطرفين المحسوبين على أهل السنة ولا يلقى بالا للمتطرفين المغالين الضالين من الشيعة وأشياعهم الذين هم من الشيعة فعلا وليسوا من المحسوبين عليهم، وذلك بدافع أن يصفي أهل السنة بعضهم، وتضعف مقاومتهم أمام حكمين مستبدين في العراق والشام، وهما الحكمان اللذان يريد الغرب أن يستمرا في السلطة ليبقى هذان البلدان العظيمان العراق والشام في قلاقل دائمة، بل إن الشام قريبا جدا ستصبح أثرا بعد عين، إن لم تكن قد أصبحت كذلك فعلا، وهو عين ما يريده العلويون، لكي لا يجد أهل السنة إن كانت لهم الغلبة إلا أرضا يبابا واقتصادا صفرا وخرابا تاما. المهم في الأمر أن داعش والغبراء يعينون الحلف النصيري الشعيي على تحقيق كل ما يصبون إليه، بما يشوهون به صورة الإسلام بممارساتهم الغريبة وتصرفاتهم المسيئة لأهل السنة والجماعة، الذين لا يمثلونهم لا من قريب ولا من بعيد، ولا يمكن للثورة السورية المجيدة أن تنتصر ولا لأهل السنة في العراق أن ينالوا حقوقهم، ما لم تطرد داعش والغبراء، وهو ما يبدو قريبا إن شاء الله تعالى. [email protected] للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (53) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain a href="http://www.al-madina.com/node/505039/"داعش"-والغبراء.html" rel="nofollow" target="_blank"صحيفة المدينة