هدوء حذر في جرمانا السورية بعد التوصل لاتفاق بين الاهالي والسلطة    الريال يخطط للتعاقد مع مدرب مؤقت خلال مونديال الأندية    جاذبية المعدن الأصفر تخفُت مع انحسار التوترات التجارية    الوزير الزعوري يهنئ العمال بمناسبة عيدهم العالمي الأول من مايو    نقابة الصحفيين تدعو إلى سرعة إطلاق الصحفي المياحي وتحمل المليشيا مسؤولية حياته    عن الصور والناس    حروب الحوثيين كضرورة للبقاء في مجتمع يرفضهم    أزمة الكهرباء تتفاقم في محافظات الجنوب ووعود الحكومة تبخرت    إغماءات وضيق تنفُّس بين الجماهير بعد مواجهة "الأهلي والهلال"    النصر السعودي و كاواساكي الياباني في نصف نهائي دوري أبطال آسيا    الأهلي السعودي يقصي مواطنه الهلال من الآسيوية.. ويعبر للنهائي الحلم    البيض: اليمن مقبل على مفترق طرق وتحولات تعيد تشكيل الواقع    اعتقال موظفين بشركة النفط بصنعاء وناشطون يحذرون من اغلاق ملف البنزين المغشوش    درع الوطن اليمنية: معسكرات تجارية أم مؤسسة عسكرية    مثلما انتهت الوحدة: انتهت الشراكة بالخيانة    رسالة إلى قيادة الانتقالي: الى متى ونحن نكركر جمل؟!    غريم الشعب اليمني    الوجه الحقيقي للسلطة: ضعف الخدمات تجويع ممنهج وصمت مريب    جازم العريقي .. قدوة ومثال    تسجيل عشر هزات ارضية خلال الساعات الماضية من البحار المجاورة لليمن    دعوتا السامعي والديلمي للمصالحة والحوار صرخة اولى في مسار السلام    العقيق اليماني ارث ثقافي يتحدى الزمن    إب.. مليشيا الحوثي تتلاعب بمخصصات مشروع ممول من الاتحاد الأوروبي    مليشيا الحوثي تواصل احتجاز سفن وبحارة في ميناء رأس عيسى والحكومة تدين    معسرون خارج اهتمامات الزكاة    منظمة العفو الدولية: إسرائيل ترتكب جريمة إبادة جماعية على الهواء مباشرة في غزة    تراجع أسعار النفط الى 65.61 دولار للبرميل    الدكتوراه للباحث همدان محسن من جامعة "سوامي" الهندية    نهاية حقبته مع الريال.. تقارير تكشف عن اتفاق بين أنشيلوتي والاتحاد البرازيلي    الاحتلال يواصل استهداف خيام النازحين وأوضاع خطيرة داخل مستشفيات غزة    الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي    الحكومة تعبث ب 600 مليون دولار على كهرباء تعمل ل 6 ساعات في اليوم    "كاك بنك" وعالم الأعمال يوقعان مذكرة تفاهم لتأسيس صندوق استثماري لدعم الشركات الناشئة    لوحة "الركام"، بين الصمت والأنقاض: الفنان الأمريكي براين كارلسون يرسم خذلان العالم لفلسطين    اتحاد كرة القدم يعين النفيعي مدربا لمنتخب الشباب والسنيني للأولمبي    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    النقابة تدين مقتل المخرج مصعب الحطامي وتجدد مطالبتها بالتحقيق في جرائم قتل الصحفيين    تسجيل 4 هزات أرضية جديدة من خليج عدن    رئيس كاك بنك يعزي وكيل وزارة المالية وعضو مجلس إدارة البنك الأستاذ ناجي جابر في وفاة والدته    اتحاد نقابات الجنوب يطالب بإسقاط الحكومة بشكل فوري    مئات الإصابات وأضرار واسعة جراء انفجار كبير في ميناء بجنوب إيران    برشلونة يفوز بالكلاسيكو الاسباني ويحافظ على صدارة الاكثر تتويجا    الأزمة القيادية.. عندما يصبح الماضي عائقاً أمام المستقبل    أطباء بلا حدود تعلق خدماتها في مستشفى بعمران بعد تعرض طاقمها لتهديدات حوثية    السوبرمان اليهودي الذي ينقذ البشرية    لتحرير صنعاء.. ليتقدم الصفوف أبناء مسئولي الرئاسة والمحافظين والوزراء وأصحاب رواتب الدولار    غضب عارم بعد خروج الأهلي المصري من بطولة أفريقيا    علامات مبكرة لفقدان السمع: لا تتجاهلها!    حضرموت اليوم قالت كلمتها لمن في عينيه قذى    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    عصابات حوثية تمتهن المتاجرة بالآثار تعتدي على موقع أثري في إب    حضرموت والناقة.! "قصيدة "    حضرموت شجرة عملاقة مازالت تنتج ثمارها الطيبة    الأوقاف تحذر المنشآت المعتمدة في اليمن من عمليات التفويج غير المرخصة    ازدحام خانق في منفذ الوديعة وتعطيل السفر يومي 20 و21 أبريل    يا أئمة المساجد.. لا تبيعوا منابركم!    دور الشباب في صناعة التغيير وبناء المجتمعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أزمة الصواريخ الكوبية في الذاكرة الأمريكية
نشر في الجنوب ميديا يوم 07 - 12 - 2012

يعرض هذا الكتاب المفاهيم الخاطئة، وأنصاف الحقائق، والأكاذيب الصريحة التي شكلت الصيغة المهيمنة والسائدة حول ما حدث في البيت الأبيض خلال الأسبوعين المروعين من المداولات السرية لأزمة الصواريخ الكوبية، التي كادت تدفع بأقوى دولتين نوويتين إلى الدخول في حرب مكلفة على الطرفين، من شأنها أن تدمر الحضارة الإنسانية .
وبعد مرور نصف قرن على وقوع الحدث، يحاول الكتاب عرض ذلك، ولكن بطريقة مختلفة، أو بالأحرى بالإشارة إلى النواقص والجوانب غير الواضحة التي تم التعتيم عليها، خاصة في ما ورد في مذكرات روبرت كينيدي "الأيام الثلاثة عشر" والمذكرات الشخصية الأخرى لأعضاء اللجنة التنفيذية لمجلس الأمن القومي، التي اختلفت الروايات التاريخية فيها، وكيفية تجنب كل منهم ذكر حدث أو حوار ما .
يقدم الكاتب آراء مختلفة وتصحيحات حول أدوار الشخصيات السياسية التي أسهمت بشكل كبير في حل الأزمة، ويدحض الكثير مما كتبه روبيرت كيندي من وجهة نظره ويدعم كل ذلك بالتسجيلات السرية التي ظهرت مؤخراً في اجتماعات اللجنة التنفيذية .
الكاتب مؤرّخ في مكتبة جون كينيدي في بوسطن، ماساتشوستس 1977 حتى 2000 كان أول شخص غير عضو في اللجنة التنفيذية لمجلس الأمن القومي، وكذلك أول مؤرّخ، يسمع ويقيّم جميع التسجيلات السرية لاجتماعات البيت الابيض أثناء أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962 .
ينقسم الكتاب إلى عشرة أقسام، وهو صادر عن منشورات جامعة "ستانفورد" الأمريكية في 196 صفحة من القطع المتوسط 2012 .
قبل نشر هذا الكتاب بثماني سنوات كان ستيرن قد نشر كتابيه (تفادي الفشل النهائي: جون إف .كينيدي والاجتماعات السرية لأزمة الصواريخ الكوبية 2003)، (الأسبوع الذي ما زال فيه العالم مستقراً: داخل أزمة الصواريخ الكوبية السرية 2005)، وحسبما يوضح كان خلال تلك الفترة يسألونه في العديد من المناقشات حول أزمة الصواريخ عن المسؤولية التاريخية لروبيرت كينيدي في كتابه "الأيام الثلاثة عشر" بالإضافة إلى المذكرات المنشورة للمشاركين الرئيسين في اللجنة التنفيذية في مجلس الأمن القومي مثل روبيرت مكنمارا، وتيد سورينسن وآخرين .
يشير الكاتب إلى أن أغلب المؤرخين لأزمة الصواريخ الكوبية لم تكن لديهم الرغبة في الاستماع إلى أغلب تسجيلات اللجنة التنفيذية، فقد اختار بعضهم الاعتماد على مطبوعات جامعة هارفارد الأمريكية التي شابتها الكثير من الأخطاء، وأثيرت حولها الكثير من القصص، إلا أن الفكرة الأكثر مرونة وشيوعاً هي أن روبيرت كينيدي أنقذ السلام من خلال إقناع الرئيس الأمريكي بقبول الشروط في عرض خروتشوف الخاص الذي كان يقضي بإزالة الصواريخ مقابل التعهد الأمريكي بعدم غزو كوبا .
يرى الكاتب أنه بعد مرور نصف قرن على أزمة الصواريخ الكوبية، قد آن الأوان لتوثيقها بشكل دقيق، ويشير إلى أن كتاب "الأيام الثلاثة عشر" لروبيرت كينيدي لايمكن أخذه على نحو جدي كرواية تاريخية لاجتماعات اللجنة التنفيذية لمجلس الأمن القومي .
يبين أنه من الضروري كشف أدوار العديد من الشخصيات الرئيسة في تلك الاجتماعات مثل: (دين راسك، مكنمارا، مكجورج بوندي، يولين تومبسن . .إلخ)، والتفاصيل التي تعارضت بشكل مباشر مع مذكرات روبيرت كينيدي ومع ما نشروه . كما يجد أنه من الضرورة بمكان توضيح أن شخصاً واحداً فقط وهو الرئيس الأمريكي جون كينيدي، قاوم بثبات وباستمرار المدافعين عن التصعيد العسكري من اللجنة التنفيذية لمجلس الأمن القومي، والقيادات المشتركة، والكونغرس .
هل من جديد حول الأزمة؟
في الفصل الأول من الكتاب يشير الكاتب إلى أنه مع قدوم الذكرى الخمسين لأزمة الصواريخ الكوبية، لايزال بعض العلماء والباحثين يشكّون في ما إذا كان هناك من جديد يمكن قوله حول مواجهة القوى الكبرى النووية في أكتوبر/ تشرين الأول ،1962 وهو يجد أنه إذا كان هناك دليل جديد ما فحتماً هناك ما يمكن قوله، وفي الآونة الأخيرة أصبحت الكثير من الأدلة والأدوات الإضافية متاحة، وهذه المواد أعادت توضيح الفهم المبكر والسائد للأزمة في ربع قرن بعد الأزمة (التي كانت تستند إلى المصادر الأمريكية)، أما بالنسبة لهذه المواد الجديدة فلم يتم فهمها واستيعابها بشكل كامل . وهذه المواد:
أولاً: هي سلسلة من المؤتمرات الدولية جمعت العلماء والمشاركين من الحكومات الأمريكية والسوفييتية والكوبية، وأنتجوا مذكرات شخصية ووثائق جديدة إضافية، وانعقدت هذه المؤتمرات في العديد من الأماكن (فلوريدا ،1987 ماساشوستس ،1987 موسكو ،1989 أنتيغوا ،1991 هافانا 1992)، وجميع هذه النقاشات كشفت أن نيكيتا خروتشوف كان قد أرسل حقاً الرؤوس الحربية النووية، التي لم تستطع طائرات التجسس يو-2 تحديد مواقعها، بالإضافة إلى الصواريخ البالستية المتوسطة المدى إلى كوبا . وكان خروتشوف قد أمر بتخزين الصواريخ والرؤوس الحربية على بعد أميال . كما كشفت المراسلات المنشورة التي تمت بين خروتشوف وكاسترو في ما يتعلق بالأزمة أن كاسترو حثّ خروتشوف على إطلاق ضربة نووية ضد الولايات المتحدة في حال غزو كوبا، (وهو مافسره رئيس الاتحاد السوفييتي على أنه طلب ضربة نووية أولى) . لكن رفض خروتشوف طلب كاسترو، والمدهش كثيراً هو أن خروتشوف كان قادراً على إرسال أكثر من 42 ألف مقاتل من الجيش الأحمر بشكل سري إلى كوبا لردع أي غزو أمريكي، وكان أيضاً قد أرسل على متن السفن رؤوساً حربية نووية تكتيكية إلى كوبا، وكان قد فوّض القادة في الموقع اتخاذ قرار موعد إطلاقهم .
ثانياً: إن انحسار، ثم نهاية الحرب الباردة جلبت دليلاً أرشيفياً هاماً من المصادر الشيوعية حول أزمة الصواريخ، أو "الأزمة الكاريبية" كما كان يطلق عليها في موسكو أو "أزمة أكتوبر" كما كان يطلق عليها في هافانا . وأنتجت هذه المصادر الأساسية إضافات قيمة وتصحيحات للسجلات التاريخية، التي كانت واشنطن في السابق تتجنب إظهارها، وكل ما كان يخرج من وثائق كان من الجانب الأمريكي فقط . إلا أن هذه الوثائق الجديدة التي لم يتوقع المؤرخون أنهم سيرونها، أكدت- على سبيل المثال- أن إحساس جون كينيدي كان صحيحاً عندما رفض في 27 أكتوبر/تشرين الأول الأمر بالهجوم على موقع الصواريخ السوفييتية (سام) التي أسقطت طائرة يو-2 فوق كوبا، والضباط السوفييت على الأرض، كانوا قد أطلقوا بمبادرة خاصة منهم، الأمر الذي جعل خروتشوف مروّعاً من تهورهم . أيضاً، في حال القصف أو الغزو الأمريكي، القوات السوفييتية في كوبا كانت تملك صواريخ كروز النووية في المقابل لتدمير القاعدة البحرية الأمريكية في غوانتانامو، التي بالتحديد كانت على وشك إثارة حرب نووية . بالإضافة إلى ذلك، فإن الأدلة من الأرشيفات السوفييتية أشارت إلى أن توضيح خروتشوف الأصلي لمغامرته الخطرة في كوبا كانت في الأساس صحيحة . وعلى الرغم من الاتهامات القوية لجون كينيدي ومستشاريه، فإن التوترات على برلين لم تكن عاملاً حاسماً في قرار الرئيس بإرسال رؤوس حربية وصواريخ نووية إلى كوبا، ولا كان ينوي أن تشكل هذه الصواريخ أي تهديد عدواني على الأمن الأمريكي . فمن وجهة نظر موسكو، لم يكن القصد من الصواريخ تزويد الحليف الكوبي المحاصر بقوة ردع ضد الهجمات العلنية والسرية للولايات المتحدة وإعطاء الأمريكيين "بعضاً من دوائهم الخاص"، كما يقال بعد اتخاذ كينيدي قراره بتنشيط صواريخ جوبيتر في تركيا . كان خروتشوف أيضاً قلقاً من إخفاء النقص في الصواريخ البالستية السوفييتية العابرة للقارات، وبالتالي إعطاء الاتحاد السوفييتي على الأقل ظهوراً علنياً للتعادل النسبي في التوازن النووي . كما كان مصمماً في الاستجابة للانتقادات القاسية من الصين الحمراء، ليقوي موقفه كقائد العالم الشيوعي . كان الأمر إساءة تقدير سياسية كبيرة، ليفترضوا أن الأمريكيين سوف يفهمون أو يقبلون وجهة نظر الكرملين .
وثالثاً، كان نشر التسجيلات السرية لاجتماعات اللجنة التنفيذية لمجلس الأمن القومي، التي مدتها 43 ساعة خلال العقد المنصرم، حيث كان لفقدانها تأثير في فهم أزمة الصواريخ، كما كانت تسجيلات الكرملين السرية أيضاً تلعب الدور نفسه .
مذكرات وروايات غائبة
يناقش الكاتب في الفصل الثاني بعنوان "النموذج: الأيام الثلاثة عشر لروبيرت كينيدي" كتاب "الأيام الثلاثة عشر" لروبيرت كينيدي، حيث يجد أن هذا الكتاب قد أهمل وأربك العديد من الجوانب الحاسمة لاجتماعات اللجنة التنفيذية لمجلس الأمن القومي، وهذه التشوهات كما يوثقها هذا الكتاب تمتد إلى ماوراء الدور الشخصي لروبيرت كينيدي في المناقشات، ويرى أن الكتابة من وجهة النظر الشخصية لا يمكن الاعتماد عليها في تحليل الأحداث التاريخية بشكل كامل، ويرى أن كتابه يبقى مصدراً تاريخياً موضوعياً إلا أن التاريخ لا يمكن أن يعتمد على الروايات الشخصية، حيث لا يمكن معرفة الدوافع الحقيقية وراء الكتاب، كما لم يلعب دوراً كاملاً في إفهام القراء أسباب الأزمة وحيثياتها، وتم ذلك بعد الإطلاع على التسجيلات السرية للمشاورات التاريخية .
أما في الفصل الثالث بعنوان "روبيرت كينيدي الحقيقي" فيشير إلى الدور الذي لعبه روبيرت كينيدي في اجتماعات أزمة الصواريخ، حيث كان شقيق الرئيس ومستشاره الموثوق، ولم يكن ممكناً لأي محام آخر غيره أن يحضر تلك المناقشات، وقد كان الولاء والثقة بين الأخوين كينيدي أمراً نادراً وسيبقى كذلك في الرئاسة الأمريكية، ويتحدث الكاتب عن العلاقة الوثيقة بينهما متطرقاً إلى بعض التفاصيل حول محادثاتهما الهاتفية التي كانت تتم من دون إلقاء التحية والانتهاء بنعم أو حسنٌ أو لا .
وفي الفصل الرابع بعنوان "صنع أسطورة روبيرت مكنمارا" يتحدث عن وزير الدفاع في إدارة كينيدي، كان يبلغ الرابعة والأربعين من العمر في عام 1961 عندما تسلم وزارة الدفاع، وقد ظهر على الفور حينها كأحد أفضل النجوم البارزين واللامعين للرئيس كينيدي . اشتهر بطاقته الذهنية، وأخلاقيته في العمل، ولهفته إلى استخدام الإدارة العلمية في الحكومة، وقد أكسبه هذا الأمر سمعة جعلت الطفل المندفع في الإدارة الأمريكية، وقد قال عنه كينيدي: "أكثر شخص قيّم يخدم في إدارته وحكومته" . غادر وزارة الدفاع في عام ،1968 وقضى بقية حياته يحاول أن يوضح كيف أن الإدارة الأمريكية أساءت الحكم على الأوضاع في الفيتنام، معبراً عن ندمه على استكباره . وفي عام 1995 حينما نشر كتابه: "إعادة النظر فيما حدث: المأساة ودروس الفيتنام"، أصبح المتحدث الرئيس والبارز للحد من الأسلحة النووية وإزالتها . وذروة مسعاه كانت في عام 2003 مع إطلاق المخرج إيرول موريس فيلم "ضباب الحرب: 11 درساً من حياة روبيرت مكنمارا"، وقد فاز الفيلم بجائزة أكاديمية كأفضل فيلم طويل وثائقي .
أصوات منسية
يتحدث في الفصل الخامس بعنوان "الصوت المنسي لدين راسك" عن وزير الخارجية الأمريكي الذي عينه كينيدي عند ترشحه للرئاسة، ويشير إلى أن راسك لم يفقد الكثير من اجتماعات اللجنة التنفيذية لمجلس الأمن القومي بسبب مسؤوليات أخرى كان يقوم بها حسبما ورد في كتاب الأيام الثلاثة عشر، بل على عكس ذلك، كان مشاركاً صريحاً ومؤثراً في النقاشات، وكان في الغالب صوت الحذر والدبلوماسية أكثر من أي شخص آخر في الحكومة ما عدا الرئيس كينيدي .
ويناقش الكاتب ما أورده راسك في مذكراته الشخصية التي نشرها عام ،1990 والتي اعتقد الناس في بعض جملها أنه حقاً لم يحضر الاجتماعات، حيث كان فيه تأكيد لكلام روبيرت كينيدي، إلا أن ظهور تسجيلات اللجنة التنفيذية لمجلس الأمن القومي كان دليلاً قاطعاً أوقف كل ما قيل حول راسك .
في الفصل السادس بعنوان "الخبرة غير المنتظمة للويلين تومسن" يتطرق بالحديث عن السفير الأمريكي السابق إلى الاتحاد السوفييتي طيلة فترة الأزمة ويدعى لويلين تومسن، ويشير الكاتب إلى أنه غائب تماماً عن كتاب "الأيام الثلاثة عشر" . وعلى الرغم من الفشل في تفصيل آراء السفير ومساهماته، فإن روبيرت كينيدي قد أعلن أن الرئيس كينيدي شعر بأن نصائح تومسن وتوقعاته وتوصياته حول الروس تتمتع بالدقة، وكان دين راسك وزير الخارجية قد أقرّ بأن السفير كان الخبير الرئيس حول الوضع السوفييتي في اجتماعات اللجنة التنفيذية لمجلس الأمن القومي . كما يشير إلى ورود ذكره في فيلم "ضباب الحرب" لإيرول موريس، حيث في رأي مكنمارا يعتبر تومسن (أكثر من روبيرت كينيدي) قد حافظ على السلام من خلال سعي الرئيس إلى تبني استراتيجية مستقرة ودقيقة مبنية على معرفة السفير الشخصية بخورتشوف .
يستعرض ستيرن في الفصل السابع بعنوان "الذاكرة الانتقائية مكجورج بوندي" دور المساعد الخاص للرئيس كينيدي في شؤون الأمن القومي، ونادراً ما ذكره روبيرت كينيدي في كتابه "الأيام الثلاثة عشر"، حيث لم يكن معجباً بأدائه على الإطلاق، حتى إنه لم يسلط الضوء على دوره في الاجتماعات بحيث بقي من دون اهتمام إلى درجة أقل من دور روبيرت مكنامارا، وحتى أقل من دور دين روسك خصم روبيرت كينيدي . وفي جهد حثيث وواضح من بوندي لتصحيح الجوانب التاريخية في ما يتعلق به، كرّس بوندي 72 صفحة من مذكراته المؤلفة من 617 صفحة حول أزمة الصواريخ الكوبية، حيث يصف نفسه بالعقلاني والبراغماتي العادل، والمفكّر، وأنه ليس بصقر أو حمامة، إلا أن الكاتب يشير إلى أن هذا الرأي لم يكن يطابق ما جاء في التسجيلات الصوتية، خاصة بعد الساعات الواحدة والأربعين من اجتماعات اللجنة التنفيذية لمحلس الأمن القومي، يبين أن بوندي لم يذكر صداماته المتكررة مع الرئيس أو عن مقاومته الشديدة لتجارة الصواريخ بتاريخ 27 أكتوبر/ تشرين الأول .
أما في الفصل الثامن بعنوان "دبلوماسية أدلاي ستيفنسن المحددة" فيكشف عن دور سفير أمريكا إلى الأمم المتحدة، الذي كان سيناتوراً وحاكماً لولاية إيلينوي، وقد كان دوره في أزمة الصواريخ الكوبية محدداً في حلقتين، الأولى حضوره المتلفز بتاريخ 25 أكتوبر في الأمم المتحدة مع السفير السوفييتي للأمم المتحدة فاليريان زورين والثانية هجمة من قبل صحفيين كانا على علاقة وثيقة مع الرئيس كينيدي وأخيه روبيرت، ذلك أنه دافع عن "الاسترضاء" في مؤتمر ميونيخ، أي تقديم تنازلات سياسية للطرف الآخر لحل الأزمة، وقد وضعته هذه التهمة في موقف محرج بعد أن كان يحظى بشعبية كبيرة .
ويشير ستيرن في الفصل التاسع إلى لقاء تلفزيوني في 2003 أجري معه حول تصحيح وجهة النظر السائدة حول حل الأزمة، وأن السوفييت سحبوا الصواريخ مقابل التعهد الأمريكي بعدم شن حرب على كوبا، لكن كان ذلك مقابل إزالة الصواريخ الأمريكية من تركيا وإيطاليا، حتى عند الموافقة على هذا الاقتراح من خروتشوف، لم يكن نصف أعضاء اللجنة التنفيذية لمجلس الأمن القومي يعرف ذلك، وبذلك تجنب كينيدي كارثة صواريخ نووية يمكن أن تلحق الكثير من الدمار ببلاده وبالعالم .
كينيدي: صقر الحرب الباردة
يشير الكاتب في خاتمة الكتاب إلى أن جون كينيدي وإدارته، من دون شك، حملوا على عاتقهم جزءاً كبيراً من المسؤولية في إطلاق أزمة الصواريخ الكوبية، وربما بقيت الحرب السرية على كوبا بشكل ناجح بعيدة عن الشعب الأمريكي، لكن ذلك لم يكن سراً لقادة الاتحاد السوفييتي وكوبا . حتى إن جون كينيدي اعترف خلال الأزمة أن كوبا كانت "شيئاً ثابتاً للولايات المتحدة، وليست تهديداً عسكرياً حقيقياً وأن حلفاء الناتو يعتقدون أننا بعض الشيء نشعر بالجنون حول هذا الموضوع" .
يبين أنه عند مواجهة احتمال الحرب النووية، استخدم الرئيس كينيدي مهاراته السياسية والفكرية لتوجيه مستشاريه والقوتين العظميين بعيداً عن صراع نووي كارثي . وخبرته في جنوب الباسيفيك أقنعته أن الحرب، حتى ولو كانت من دون أسلحة نووية كانت غير متوقعة للغاية، وستكون مدمرة إذا ما تحكم بها أي قائد أو حكومة .
ويشير إلى أن صقر الحرب الباردة لم يثق بالحل العسكري في المشكلات السياسية، وكان يشعر بالفزع من احتمال نشوب حرب نووية عالمية . وقد أثبتت التسجيلات أن جون .إف .كينيدي لم يكن يحضر اجتماعات أزمة الصواريخ، وأن إدارة كينيدي في اللجنة التنفيذية كانت مخدوعة لكنها كانت مصرّة ومؤثرة . وخلال الأزمة بقي كينيدي هادئاً، لم يفقد مزاجه في وجه النقد الشديد الذي تعرض له .
يجد الكاتب أن ميل كينيدي في السعي إلى الخيار التركي كان مدعوماً في الحقيقة بالعناد الشديد لمستشاريه في اجتماعات 27 أكتوبر/ تشرين الأول . ويبين أنه من الخطأ التقليل من أهمية هذه النقاشات في دفع الرئيس إلى تنفيذ هذه التسوية المحتملة بينما كان لايزال هناك الوقت لتجنب كارثة نووية .
ويؤكد في النهاية أنه منذ اللحظة الأولى من استماعه إلى التسجيلات الصوتية كان يدرك أن كينيدي من مخضرمي الحرب الباردة، وهو إلى درجة كبيرة، لم يكن لينجح من دون مساعدة من خروتشوف وبعض من الحظ . ويلحق الكاتب بخاتمة يذكر فيها تفاصيل تلك الأيام القاسية من الأزمة .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.