قيصري: بدأت صباح الاثنين في قيصري في وسط تركيا محاكمة ثمانية اشخاص، بينهم اربعة شرطيين، بتهمة ضرب متظاهر في التاسعة عشرة من العمر حتى القتل، خلال الحملة الاحتجاجية ضد الحكومة في حزيران/يونيو 2001، في قاعة محكمة، تم تحويلها الى معسكر محصن. وانتشر حوالى الفي شرطي مجهزين بخراطيم المياه في محيط قصر العدل، لاحتواء مئات الاشخاص، الذين جاؤوا يعبّرون عن تضامنهم مع الضحية علي اسماعيل قرقماز في هذه القضية، التي تعتبر رمزًا للقمع العنيف، الذي يمارسه رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان ضد المحتجين. فور بدء المداولات، توجّهت أمل قرقماز، والدة الضحية، منتحبة الى المتهمين، وهي ترفع صورة لابنها، لتسألهم "كيف استطعتم ان تقتلوا علي؟، كيف استطعتم ضربه؟، الا تخجلون من انفسكم؟". وتلى المدعي العام مرة جديدة التهم الموجّهة الى المشتبه فيهم، وهي "القتل المتعمد"، مطالبًا بعقوبات بالسجن تتراوح بين ثماني سنوات ومدى الحياة. وانتشرت قوات ضخمة ضمت مئات العناصر من شرطة مكافحة الشغب مجهزين بدروع في محيط المحكمة، حيث تحتوي مئات المتظاهرين، بينهم حوالى ثلاثمئة محام، جاؤوا لدعم شقيق الضحية، وهو من زملائهم، وقد تجمعوا مطالبين ب"العدالة من اجل علي اسماعيل"، بحسب شعار كتب على احدى لافتاتهم. وحظرت حكومة قيصري بشكل بات اي تجمع في المدينة "لاسباب امنية"، ومنذ مساء الاحد منعت حافلات عدة تنقل عشرات الاشخاص، بينهم العديد من الطلاب، من دخول المدينة، وتم ابقاؤها عند ابوابها، على ما افادت جمعيات دعت الى التظاهر. وفي الثاني من حزيران/يونيو الماضي تعرّض علي اسماعيل قرقماز لضرب مبرح بأيدي مجموعة من الاشخاص، فيما كان يحاول الهرب من هجوم للشرطة اثناء تظاهرة تطالب باستقالة اردوغان في مدينة اسكيشهير الجامعية الكبرى في غرب تركيا. واصيب الطالب بجروح بالغة ونزيف في الدماغ، وفارق الحياة في العاشر من تموز/يوليو بعد غيبوبة استمرت 38 يومًا. وصوّرت كاميرات مراقبة المتهمين الثمانية، وبينهم اربعة شرطيين باللباس المدني، وهم ينهالون بالضرب على الشاب المطروح ارضًا بعصي بيسبول وهراوات. وهم ملاحقون بتهمة "القتل العمد"، ويواجهون عقوبة السجن مدى الحياة. ولم تنتظر اطراف الحق المدني بدء المحاكمة لتندد بنقلها الى مسافة اكثر من 500 كلم من مكان حصول الوقائع مشددة على البعد "السياسي" للملف. واعلن احد المحامين الخمسين عن عائلة الضحية اوزغور اونغيل امام الثحافيين "حاولوا السيطرة على القضاء من خلال نقل مكان المحاكمة، اليوم سنعيد وضع العدالة على السكة". وقال احد زملائه ايهان اردوغان "لا يمكن فصل هذا الحادث عن تظاهرات جيزي، السلطة تخشى ان تفقد شرعيتها الدستورية، وامرت بقمع مكثف للحكومة من قبل قوات حفظ النظام". وقضية قرقماز هي من الملفات القضائية النادرة، التي تفتح بحق قوات الامن التركية بعد حملة احتجاجات حزيران/يونيو 2013. وبحسب رابطة اطباء تركيا، فان الاحتجاجات التي انطلقت من ساحة تقسيم في اسطنبول، وامتدت الى سائر ارجاء البلاد، اوقعت ستة قتلى واكثر من ثمانية الاف جريح. كما اعتقل الاف الاشخاص. ومن المقرر اجراء اول محاكمة لمتظاهرين في الربيع المقبل في اسطنبول، وتشمل 255 متهمًا وقد وصفهم اردوغان ب"المخربين". وتراجعت صورة رئيس الوزراء بشكل كبير اثر قمع المتظاهرين، الذين كانوا ينددون بالانحراف الاستبدادي لاردوغان، ورغبته في "اسلمة" المجتمع التركي. واردوغان، الذي يحكم تركيا بدون منازع منذ العام 2002، يواجه مأزقا جديدا، يطاول صورته وصورة حكومته جراء فضيحة سياسية مالية غير مسبوقة، تستهدف عشرات المقربين منه في عدد من التحقيقات بالفساد. وقبل شهرين من الانتخابات البلدية، تسببت هذه القضية باستقالة ثلاثة وزراء، وفرضت اجراء تعديل حكومي. ومع اقترانها بهشاشة الاوضاع المالية في الدول الناشئة، ادت الى تسريع تدهور العملة التركية، وحركت مخاوف الاسواق بشان المستقبل الاقتصادي للبلاد. ايلاف