بسقوط قصر الشيخ عبدالله بن حسين في مسقط رأسه ومعقله تغيرت الكثير من الأمور وموازين القوى والحسابات في الأفق المنظور والبعيد. ذلك أن قصر الشيخ الأحمر بمنطقة الخمري الحاشدية كان هو ملاذه الاعتكافي الذي يفزع رأس السلطة ويصيبه بالدوار والدوخة فهو لا يحتمل «زعل» الشيخ وغضبه الذي كان يعبر عنه بمغادرة العاصمة إلى معقله القبلي حيث يعتكف إلى أن تستجدي السلطات في صنعاء رضاه وتمتثل لشروطه أو إلى أن يكون قد تمكن من تدبير رئيس للجمهورية بدلاً عن الرئيس المارق, ولذلك خلعت عليه صفة «صانع الرؤساء» و«شيخ الرئيس» فهو صاحب اليد الطولى والسلطة العليا. وعندما ارتبكت وتشوشت واضطربت العلاقة بين الشيخ الأحمر الأب والرئيس السابق صالح قبل وقت وجيز من رحيل الشيخ تصدع بنيان مؤسسة رئاسة الجمهورية، وبعد ذلك جاء التحاق أولاد الشيخ بساحات الثورة مع مطلع العام 2011 ليكون بمثابة إعلان طلاق غير رجعي بين مؤسسة رئاسة «الصالح» والمؤسسة القبلية المشيخية بزعامة «آل الأحمر» وقد تضافرت جملة من العوامل والظروف المرتبطة والمتداخلة مع هذا المتغير لتفضي إلى «خلع» علي صالح عن كرسي الرئاسة. وكان واضحاً أن الانتشاء النرجسي والغطرسة والغرور أصاب أولاد الشيخ بمقتل علاوة على أن كثرتهم لم تكن تنطوي على قوة بقدر ما حملت في ثناياها الكثير من نذر الخطر والتفكك نظرا لتضارب الأهواء والأمزجة والتطلعات بين أولاد الأحمر، وإلى تفشي مناخ التجاذبات والاستقطابات الحادة التي أثرت، بالتأكيد، على تماسك لحمة العائلة العتيدة التي غدت مدججة بالزعماء الأولاد كما صارت هذه العائلة على مستوى من الضخامة غير المعقولة بالمرة وهي ضخامة مدمرة لغيرها ولنفسها جعلتها تلتهم كل من يعترضها بشراهة الديناصورات العمياء وأسماك القرش التي لا ترحم كل من يقف في طريقها ولو على سبيل الصدفة. ولما كانت هذه الأسرة تتأزر بالحزب الأكبر وتتأبطه "حزب الإصلاح", كما كانت تتأزر بالحزب ورئيس الجمهورية في عهد الأب، ولما صارت تتحكم بتوجيه دفة الحكومة -غالباً- وبمعظم موارد القوة والنفوذ والثروة فقد كانت بصمتها قوية في تشكيل حكومة الوفاق ما بعد «ثورة الربيع» اليمني. وفي الظاهر بدا أن العائلة بلغت ذروة المجد على مستوى ضخامة حجم الحيازات والثروات التي تكدست بين يدي أغرار صغار عبر الريع والنهب ومن مصادر داخلية وخارجية شتى. بالتلازم كانت تعتمل وتمور مشاعر الاحتقان والنفور والكراهية وتتسع رقعة قوى الاعتراض في المحيط المجاور للقبيلة المهيمنة -حاشد- وفي داخلها وفي عموم البلاد. ثمة مظاهر وعلامات تفسخ أصابت جسم أكبر سلطة قبلية مشيخية تهندست وارتفعت عمارتها عبر عقود طويلة من الكد والنكد والدهاء والالتواء الذي اعتمده الأب في مشوار انغماره في السياسة وامتصاصه لأروقتها ودهاليزها ومراكمته لخبرة الإدارة من الظل وتحريك بيادق السلطة في الدهاليز والأروقة إلى أن هيأ لمن سيأتي بعده المجال لمواصلة دربه وصناعة الكثير من السلطة الموازية والرديفة والمحركة للسلطة الاحتفالية المعلنة كحكومة وغيرها. وامتدت الأذرع الاخطبوطية للعائلة إلى معظم الأرجاء وخارج الحدود ومع كل هذا التمدد الهائل كانت قبضتها تنحسر وتتآكل في نطاق معقلها الرئيس والملاذ التقليدي للأب وقد بلغت من التآكل حد عدم قدرتها على مجابهة قوة حركية راديكالية منظمة مثل قوة الجماعة الحوثية التي ألحقت بها هزيمة نكراء واقتحمت القصر الخاوي على عروشه بعد فرار أنجال الشيخ، وفي الديوان المشايخي تقصدت جماعة الاقتحام التقاط الصور التذكارية قبل أن تغادره لتفجره وتنسفه وتسويه بالتراب ضمن عملية تطهيرية صفرية تقول بنقطة اللاعودة لهيمنة سلطة قصر «الخمري» الذي كان يدير القصر الجمهوري. وإذا كان عرش الرئيس السابق علي صالح قد تصدع واهتز وتهاوى عندما تخلى عنه الركن المكين والعمود السميك المتمثل بالمؤسسة القبلية المشيخية فإن حال حزب الإصلاح النافذ الأكبر في السلطة وعلى المستوى العام أصبح مكشوف الظهر بين ليلة وضحاها وليس بمقدوره معاندة الوقائع ومواصلة الوقوف على رجل واحدة - كان يقف على رجلي القبيلة والإخوان. لقد صار هذا الحزب مطالباً بالمسارعة إلى إعادة هيكلة نفسه وتأهيل ذاته كحزب سياسي لا يرتهن للقبيلة فقط ولا للمليشيات القبلية المسلحة ولا للدماجيين أو الحمر والزندانيين فقط. المؤكد أن المجال السياسي برمته صار يحتاج إلى إعادة هيكلة تطول كل الأحزاب والفعاليات السياسية والتحالفات والتصورات. إن أوضاع اليمن ما بعد سقوط قصر الخمري لم تعد كما كانت عليه قبل سقوط القصر وشطبه من على وجه البسيطة. إنها مرحلة قطع ووصل في التاريخ سوف ترتسم فيها مؤشرات التحليل ووحدات قياس الأمور وقراءاتها على أساس ما قبل وما بعد سقوط قصر «الأحمر»، رغم أنه ليس قصر الحمراء الذي مثلت عمليه سقوطه في الأندلس نقطة الانتكاسة المدوية والهزائم المجلجلة والمتلاحقة التي عصفت بالحضارة الإسلامية ولم تقم لها قائمة حتى الآن. تهمّنا آراؤكم لذا نتمنى على القرّاء التقيّد بقواعد التعليقات التالية : أن يكون للتعليق صلة مباشرة بمضمون المقال. أن يقدّم فكرة جديدة أو رأياً جدّياً ويفتح باباً للنقاش البنّاء. أن لا يتضمن قدحاً أو ذمّاً أو تشهيراً أو تجريحاً أو شتائم. أن لا يحتوي على أية إشارات عنصرية أو طائفية أو مذهبية. لا يسمح بتضمين التعليق أية دعاية تجارية. ل "الأمناء نت" الحق في استخدام التعليقات المنشورة على الموقع و في الطبعة الورقية ". الامناء نت