أكّد د. محمد حسن المريخي أنّ من نِعم الله على الإنسان أن يكون له إخوة يُبرّهم ويُبرّونه ويرى فيهم أبويه اللذين رحلا عن الحياة، داعيًا إلى عدم السماح لأيّ إنسان مهما كان على وجه الأرض أن يُفسد العلاقة بينهم. وقال في خطبة الجمعة التي ألقاها أمس: إن الأخ رحم وصلة وقُربى، يُبارك الله تعالى به حياة العبد ويُوسّع له في رزقه ويبسط له في عمره، حيث يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سرّه أن يبسط له في رزقه أو ينسأ له في أثره فليصل رحمه".. رواه البخاري ومسلم. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الرحم معلقة بالعرش تقول من وصلني وصله الله ومن قطعني قطعه الله".. رواه البخاري ومسلم. نوائب الدهر ولفت إلى أنّ الإخوان عضد ومعين وعون من الله تعالى على نوائب الدهر وظلال يستظلّ به وساعد يعتمد عليه، ألم تر كيف يشدّ الأخ ساعد أخيه ويُؤازره ويقف معه في السرّاء والضرّاء وفي كل نائبة ومحنة وضائقة، وهو محلّ الثقة ومكمن السر والستر وهو أقرب من كل قريب وأوثق وأودع من تودع عنده الأمانات والأثمان والمقيمات وهو عضيد أصيل لا يلين ولا يتراخى ولا يتخلى ولا يُدبّر ولا يتولى لأنه يعلم أن أخاه جزء منه فلا يُمكن أن يتخلى المرء عن أجزائه وأعضائه. ونبّه إلى أنّ الأخ يحتاج إلى أخيه حتى في أصعب المهمّات وأثقل النازلات فهذا موسى عليه السلام يحتاج للمعاون بعد الله تعالى يعينه على تبليغ رسالة ربّه ويدفع عنه بلاء القوم ويُخفف عنه قسوتهم وكبرياءهم فيسأل ربّه عزّ وجلّ أن يجعل له ومعه أخاه هارون وزيرًا يقول: "رب اشرح لي صدري ويسّر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي واجعل لي وزيرًا من أهلي هارون أخي أشدد به أزري وأشركه في أمري كي نُسبّحك كثيرًا ونذكرك كثيرًا إنك كنت بنا بصيرًا قال قد أوتيت سؤلك يا موسى" فلم يطلب غير أخيه ليقينه وثقته في إخلاصه له وبذل نفسه في نصرة أخيه خاصّة أنه على الهدى المستقيم: " قال رب إني قتلت منهم نفسًا فأخاف أن يقتلون وأخي هارون هو أفصح مني لسانًا فأرسله معي ردءًا يُصدقني إني أخاف أن يُكذبون" ردءًا أي معينًا فأجابه الله تعالى: " قال سنشدّ عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطانًا" نُقوّيك به ونُؤيّدك. وأضاف: كم يحتاج المرء إلى المعين والمساعد خاصّة في هذه الأزمان التي غلبت الدنيا على أهلها واستولت النفوس على أصحابها ونسيت تعاليم الديانة إلاّ من رحم الله، وهجرت السنن إلاّ من وفقه الله وثبّته ، فالأخ عضيد وسنيد بعد الله تعالى يوم تقل السنود وتبخل الدنيا بالمعاون والعضيد والدليل، وهو ظلال إذا حرت الشموس وألهبت الأوقات وأظمأت الأزمان، الأخ أصيل في أخوّته وصدوق في مودّته وثقة في أمانته، حق على الأخ برّ أخيه وصلته والإحسان إليه، وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم أعلمنا أن الله أمر بالإحسان إلى كل شيء فمن باب أولى أن يُحسن الأخ لأخته وأخيه: "إن الله كتب الإحسان على كل شيء" رواه مسلم. وأشار إلى أنّ من حقّ الأخ أن يحترمه ويُوقّره صغيرًا كان أو كبيرًا ويُجلّه ويُكرمه وينصح له ويُوجّهه يقول رسولنا الكريم: " حق المسلم على المسلم ست، قيل ما هنّ يا رسول الله، قال: إذا لقيته فسلم عليه وإذا دعاك فأجبه وإذا استنصحك فانصح له وإذا عطس فحمد الله فشمّته وإذا مرض فعده وإذا مات فاتبعه".. رواه مسلم. وحقه أن يبذل له المساعدة والعون فيُعينه على أمر دينه ودنياه ويدفع عنه الضرّ وما يسوءه ويُكدّره وينصره إذا كان مظلومًا ويردّه عن الظلم إذا كان ظالمًا، يقول رسول الله: "أُنصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا قالوا: يا رسول الله هذا ننصره مظلومًا فكيف ننصره ظالمًا قال: تأخذ فوق يديه".. رواه البخاري ومسلم. وفي رواية تحجزه أو تمنعه من الظلم فإنّ ذلك نصره. نعمة كبيرة وزاد: الإخوان والأخوات نعمة كبيرة ومنّة جليلة من الله عزّ وجلّ فتحتاج من يُقدّرها ويحوطها ويُحافظ عليها وإذا أراد المرء أن يعرف قيمة هذه النعمة وقدرها فلينظر إلى من كان له إخوة وأخوات ومن لا إخوة له، أو ينظر إلى أحوال من كان معه إخوة وأخوات ثمّ انصرفوا عنه بموت أو بسبب مطامع الدنيا وتركوه وحيدًا لا يقدر على شيء، كأنّه الملك الذي ذهب عنه جنوده وحرّاسه، فالإخوة نعمة تُدارى وتُصان وتُحاط بالرعاية وتُتعاهد وتُرحم وتُحرس من المكدّرات. التقى النبي صلى الله عليه وسلم بأخته من الرضاعة الشيماء بنت حليمة السعدية فاستقبلها خير استقبال وفرش لها رداءه وأجلسها عليه وتحدّث معها وأكرمها وأسعدها وطيّب خاطرها وخيّرها بين البقاء معه أو العودة إلى أهلها فاختارت أهلها. وقال الإخوة:أنس من الوحشة وسفرة في الظلمة وفرح في الحزن والكآبة، هي من أقوى روابط الأسر والعائلات وأوثق عرى المجتمعات، فالمجتمعات التي تقدّر الأخوّة وتصونها وتحرسها مجتمعات قويّة أبيّة ذات أسوار رفيعة وأبراج عالية لا يصل إليها ضعاف النفوس والإيمان ولا المهازيل الأقزام. سند وعتاد وأكّد أن الإخوان سند وعتاد وقوّة وشداد، ويُكدّر صفو الأخوّة ويعترض سيرها مكدّرات ومعكّرات في هذه الأزمان بسبب انفتاح الناس على الدنيا وضعف الإيمان والجهل وإهمال ما أوصى به الله تعالى ورسوله في حق الأرحام، يُكّدر صفو الأخوّة زوجات فاسقات سيّئات لا يتقين الله تعالى ولا يُراقبنه يُوغرن الصدور ويُغلظون القلوب ويُضيّقون الصدور، فيعتزل الأخ أخاه أو أخته ويقطع صلتهما ويهجر طريقهما ومكانهما بسبب ما امتلأ من البغضاء بفعل الزوجة حتى مات ولقي ربّه عزّ وجلّ وهو قاطع، لقد أفسدت عليه زوجته دينه ورحل إلى الآخرة بأكبر بلوى وأمره إلى الله تعالى. وأشار إلى أنّ الأخ والأخت أصل ثابت، فيُمكن أن ترحل الزوجة وتأتي غيرها لكن لا يُمكن أن يُبدّل الأخ أخاه أو أخته ليأتي بأخ آخر. وتساءل: لماذا يرضى العاقل بتحويل أصوله والتخلي عنها ويأذن لأحد آخر أن يُبعثر أرحامه ويقطع أوصاله، ويُكدّر صفو الأخوّة مطامع دنيا من مال وميراث وعطيّة وعقار وإيجار، ويُكدّر الصفو الجهل بالإسلام وقلة الإيمان ونسيان الديّان ومتابعة الشيطان ولو كان المرء يعلم علم اليقين بمقام الأرحام ومؤاخذة الله تعالى وعقابه لمن قطعها لما تجرّأ على تعدّي حدود الله. وأكّد أنّ العيش الهنيء الرغيد في هذه الحياة أن يكون المرء ملتفتًا لدينه يعمل به واصلاً لإخوانه وأرحامه باذلاً معروفه أولاً لهم حبيبًا معهم يأنس باجتماعهم معه يستوحش لفراغهم يتألم لمرضهم ويسعد إذا نزلت بهم العافية والسلامة. جريدة الراية القطرية