د. سلطان عبد العزيز العنقري بعد صدور الأمر الملكي الكريم الخاص بنظام مكافحة الإرهاب وتمويله، يتساءل البعض على شبكات التواصل الاجتماعي عن أسباب تجريم الدعوة إلى جمع التبرعات؟! ونقول: إن هناك علاقة وثيقة بين الفكر المنحرف الضال والمال السائب الذي يساوي في محصلته الأخيرة (الإرهاب) بجميع فنونه وجنونه وأساليبه وطرقه. والتوعية بفضح من يُتاجرون بأموال تبرعات خيرية، حيث يدعي البعض أن تلك التبرعات لأطفال وأرامل وعجزة محتاجين للقوت والكساء والمأوى والتعليم والصحة، تلك التوعية أمر مطلوب حتى يتنبّه مَن ينساقون إلى عض وعّاظ تويتر الذين يُطالبون، بل يُلحّون ويضفون الشرعية على جمعيات خيرية مزيفة تتخذ من أماكن خارجية مقارًا لها بعد تضييق الخناق عليها في دول الخليج، وحصرها بجمعيات خيرية موثوقة ومرخصًا لها رسميًا من قبل الحكومات! الأشقاء الذين يعانون من الكوارث الطبيعية التي هي بفعل الخالق جلت قدرته، أو من كوارث صناعية التي هي بفعل البشر -كما يحدث الآن في سوريا- على أيادي جلادين محميين من دول لا تُقيم في الأصل وزناً لشعوبها، كروسيا والصين وإيران والعراق وحزب الله الإرهابي في لبنان وغيرها، لا تبخل دولتنا الرشيدة أيدها الله بالقيام بحملات إغاثية سعودية لنجدة أشقائها أينما كانوا، هذا من الناحية الرسمية، أما ما كان يحدث من البعض من خلال جمع التبرعات عبر قنوات غير رسمية، فكان يُثار تساؤل حول وصول تلك التبرعات إلى مستحقيها أم لا؟! وبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، اتهمنا البعض ظلمًا وبهتانًا بأن هناك تبرعات خيرية، كانت يقوم بها أفراد وبعض جمعيات خيرية تصل إلى جيوب زعماء المنظمات الإرهابية؟! وتناسى من كان وراء ذلك الاتهام أن مجتمعنا قد ضربه الإرهاب في عقر داره من قِبَل تلك الفئة الضالة قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر؟! (في الخبر، في المنطقة الشرقية، وقبل ذلك في الحرم المكي في مكةالمكرمة وغيرها)، الأمر الثاني أن الرقابة المالية على الإيداعات والتحويلات وفتح الحسابات أتت ممَّن يُسمَّى ب"فريق العمل المالي لمكافحة غسل الأموال "فاتف" (FATF)، وتلك الحروف الإنجليزية هي اختصار للمصطلح الأجنبي Financial Action Task Force، فريق العمل المالي الدولي، وهو الذي أصدر توصياته الأربعين لمكافحة غسل الأموال، والتوصيات التسع الأخرى المكملة لها المتعلقة بمكافحة تمويل الإرهاب، وبالتالي فإن المملكة التزمت مثلها مثل بقية دول العالم بتلك التوصيات الدولية حتى تكون أنظمتها تتماشى مع الأنظمة الدولية ومكافحة جرائم غسل الأموال، وجرائم تمويل الإرهاب، الأمر الثالث أن بعض ضعاف النفوس ممن كانوا يُنصِّبون أنفسهم "مسؤولين" عن تلك التبرعات، والذين لبسوا عباءة الدين، استولى هذا البعض على مئات الملايين من الريالات، وقاموا بالانحراف بها عن مسارها الصحيح، وضخّوها في النظام المالي بعملية غسل أموال قذرة؟! وهذا يدخل من ضمن الجرائم المنظمة، والجرائم العابرة للحدود، كما تُصنّفها منظمة الأممالمتحدة، وذلك من خلال شراء مخططات أراضٍ، وشراء مساكن فخمة لهم، والصرف على سفرياتهم وتنقلاتهم، والدخول في الأسهم والمضاربة فيها، وإنشاء وسائل إعلامية بأموال المتبرعين وغيرها، ولكن السؤال الذي يطرحه المواطن بعد تلك المقدمة الطويلة هو: لمن نعطي التبرعات؟ هل نُقْصِر تلك التبرعات على الجهات الرسمية التي تقوم بجمع التبرعات بأمر من الدولة، أم نعطيها لأفراد عاديين أو جمعيات خيرية غير مرخص لها بهذا العمل؟! وبذلك نرجع إلى المربع الأول، مربع الأموال السائبة التي بالطبع هي عرضة للسرقة ولن تصل إلى مستحقيها، وإنما لجيوب بعض ضعاف النفوس، الذين اتخذوا من الدين مطية لتحقيق مكاسبهم الشخصية، والذين يُسمّون أنفسهم "دعاة ووعاظ"، ويفتون بجمع التبرعات، وفتح حسابات لها، وتناسوا أن الدولة -حفظها الله- هي الجهة الوحيدة التي من حقها أن توجّه بجمع التبرعات، وكذلك الجهاد في سبيل الله، متى ما رأت الدولة ذلك واجبًا؛ دفاعًا عن الوطن وأفراده، ومقدراته ومكتسباته. غريب وعجيب أمر هؤلاء البشر، فهم حلال عليهم جمع التبرعات، وتنصيب أنفسهم أوصياء على المجتمع، وحرام على مؤسسات رسميّة تعرف بل تتابع الريال أين يذهب وأين يطير وأين يحط الرحال؟ وتناسى كذلك هؤلاء الناس أنه لن تنطلي علينا كمجتمع واع ومثقف ومتعلم أكاذيبهم وفتاويهم المسيّسة التي تخدم مصالحهم الشخصية الضيقة؟! وتناسوا كذلك "أن المؤمن لا يُلدغ من جُحرٍ مرتين"، فالمجتمع وأفراده، من الآن فصاعدًا، ليس لديهم الاستعداد لدفع أية تبرعات ما لم يأذن بها ولي الأمر، ويقصد بها أوجه الخير، أما من يضمر شرًا لمجتمعنا وأفراده، فإنه لا مكان له بيننا، وعليه أن يبحث له عن مجتمع آخر لديه الأرضية الخصبة لممارسة فكره المنحرف الضال وعدوانيته. للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (29) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain صحيفة المدينة