الأمل يلوح في الأفق: روسيا تؤكد استمرار جهودها لدفع عملية السلام في اليمن    الوية العمالقة تصدر تحذيرا هاما    «كاك بنك» فرع شبوة يكرم شركتي العماري وابو سند وأولاده لشراكتهما المتميزة في صرف حوالات كاك حواله    صراعٌ جديدٌ يُهدد عدن: "الانتقالي" يُهاجم حكومة بن مبارك ويُطالب ب "محاسبة المتورطين" في "الفشل الذريع"    "صيف ساخن بلا كهرباء: حريق في محول كريتر يُغرق المنطقة في الظلام!"    "بعد وفاته... كاتبة صحفية تكشف تفاصيل تعرضها للأذى من قبل الشيخ الزنداني ومرافقيه!"    قيادة البعث القومي تعزي الإصلاح في رحيل الشيخ الزنداني وتشيد بأدواره المشهودة    الشعيبي: حضرموت تستعد للاحتفال بالذكرى الثامنة لتحرير ساحلها من الإرهاب    دوري ابطال آسيا: العين الاماراتي الى نهائي البطولة    دموع طفل تعز تسقي شجرة الموت الحوثي... هل من ينقذه؟!    تشييع مهيب للشيخ الزنداني شارك فيه الرئيس أردوغان وقيادات في الإصلاح    «كاك بنك» يكرم شركة المفلحي للصرافة تقديراً لشراكتها المتميزة في صرف الحوالات الصادرة عبر منتج كاك حوالة    كلية القيادة والأركان بالعاصمة عدن تمنح العقيد أديب العلوي درجة الماجستير في العلوم العسكرية    نزوح اكثر من 50 الف اثيوبي بسبب المعارك في شمال البلاد    أعلامي سعودي شهير: رحل الزنداني وترك لنا فتاوى جاهلة واكتشافات علمية ساذجة    بن دغر يوجه رسالة لقادة حزب الإصلاح بعد وفاة الشيخ عبدالمجيد الزنداني    إعلان موعد نهائي كأس إنجلترا بين مانشستر يونايتد وسيتي    مفسر أحلام يتوقع نتيجة مباراة الهلال السعودي والعين الإماراتي ويوجه نصيحة لمرضى القلب والسكر    مركز الملك سلمان يدشن توزيع المساعدات الإيوائية للمتضررين من السيول في الجوف    كان يدرسهم قبل 40 سنة.. وفاء نادر من معلم مصري لطلابه اليمنيين حينما عرف أنهم يتواجدون في مصر (صور)    رئيس مجلس القيادة يجدد الالتزام بخيار السلام وفقا للمرجعيات وخصوصا القرار 2216    الاعاصير والفيضانات والحد من اضرارها!!    إنزاجي يتفوق على مورينيو.. وينهي لعنة "سيد البطولات القصيرة"    "ريال مدريد سرق الفوز من برشلونة".. بيكيه يهاجم حكام الكلاسيكو    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 34 ألفا و183    لابورتا بعد بيان ناري: في هذه الحالة سنطلب إعادة الكلاسيكو    انقطاع الشريان الوحيد المؤدي إلى مدينة تعز بسبب السيول وتضرر عدد من السيارات (صور)    السعودية تضع اشتراطات صارمة للسماح بدخول الحجاج إلى أراضيها هذا العام    مكان وموعد تشييع جثمان الشيخ عبدالمجيد الزنداني    قيادي حوثي يقتحم قاعة الأختبارات بإحدى الكليات بجامعة ذمار ويطرد الطلاب    التضامن يقترب من حسم بطاقة الصعود الثانية بفوز كبير على سمعون    مؤسسة دغسان تحمل أربع جهات حكومية بينها الأمن والمخابرات مسؤلية إدخال المبيدات السامة (وثائق)    ميلشيا الحوثي تشن حملة اعتقالات غير معلنة بصنعاء ومصادر تكشف السبب الصادم!    برئاسة القاضية سوسن الحوثي .. محاكمة صورية بصنعاء لقضية المبيدات السامة المتورط فيها اكثر من 25 متهم    دعاء مستجاب لكل شيء    - عاجل محكمة الاموال العامة برئاسة القاضية سوسن الحوثي تحاكم دغسان وعدد من التجار اليوم الثلاثاء بعد نشر الاوراق الاسبوع الماضي لاستدعاء المحكمة لهم عام2014ا وتجميدها    ديزل النجاة يُعيد عدن إلى الحياة    الزنداني كقائد جمهوري وفارس جماهيري    عودة الزحام لمنفذ الوديعة.. أزمة تتكرر مع كل موسم    رئيس مجلس النواب: الفقيد الزنداني شارك في العديد من المحطات السياسية منذ شبابه    من هو الشيخ عبدالمجيد الزنداني.. سيرة ذاتية    مستشار الرئيس الزبيدي: مصفاة نفط خاصة في شبوة مطلبا عادلًا وحقا مشروعا    ارتفاع الوفيات الناجمة عن السيول في حضرموت والمهرة    تراجع هجمات الحوثيين بالبحر الأحمر.. "كمل امكذب"!!    مع الوثائق عملا بحق الرد    لماذا يشجع معظم اليمنيين فريق (البرشا)؟    الزنداني يكذب على العالم باكتشاف علاج للإيدز ويرفض نشر معلوماته    الدعاء موقوف بين السماء والأرض حتى تفعل هذا الأمر    الحكومة تطالب بإدانة دولية لجريمة إغراق الحوثيين مناطق سيطرتهم بالمبيدات القاتلة    المواصفات والمقاييس تختتم برنامج التدريب على كفاءة الطاقة بالتعاون مع هيئة التقييس الخليجي    لحظة يازمن    بعد الهجمة الواسعة.. مسؤول سابق يعلق على عودة الفنان حسين محب إلى صنعاء    المساح واستيقاف الزمن    - عاجل فنان اليمن الكبير ايواب طارش يدخل غرفة العمليات اقرا السبب    وفاة الاديب والكاتب الصحفي محمد المساح    الممثل صلاح الوافي : أزمة اليمن أثرت إيجابًا على الدراما (حوار)    تصحيح التراث الشرعي (24).. ماذا فعلت المذاهب الفقهية وأتباعها؟    وزارة الأوقاف تعلن صدور أول تأشيرة لحجاج اليمن لموسم 1445ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد البريكي يتجاوز الألم إلى التفاؤل في مجموعة "بيت آيل للسقوط"
نشر في الجنوب ميديا يوم 10 - 12 - 2012

تأتي مجموعة "بيت آيل للسقوط" للشاعرمحمد عبدالله البريكي التي صدرت مؤخراً عن دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة ،2012 وهي باكورة أعماله الإبداعية في الشعر الفصيح، بعد مجموعتين سابقتين له في مجال الشعر الشعبي، وتتضمن ثلاثاً وثلاثين قصيدة هي: صوت المنافي، شاطىء الحب، جدتي وعصاي، مرَّت على شفتي، تنام على الريش، آت من البحر، الباب يطلبني للدخول، تساءلت قبل سنين، أنثى البدايات، لن أتوقف، صوت الرصاص، هاتي يديك، مشاهد فوق زوايا الحجر، أغنية العائدين، بيت آيل للسقوط، ضوء، ضوء آخر، مسقط، الريح وقت خروجنا، زايد التوحيد، سدرة الوقت، وقوف على باب العزيز، كرة الكلام، الشارقة، خلف جنونها ذئب، بعيداً، عن الماء، تراتيل على نخيل العذراء، بوح، العابرون على نبضي، شبح المقصلة، أين المليح؟، حرف، رواية عشق، وهي قصائد تنتمي إلى تلك التجارب الشعرية التي يزاوج خلالها أصحابها بين قصيدتي العمود والتفعيلة، في آن .
بدهيٌّ، أن الشاعر البريكي، وهوشاعرمتعدِّد الأصوات، يكتب الشعر الشعبي، حيث كانت أولى تجاربه مع النشر من خلال هذا الشعر، تحديداً، بيدأنه يكتب كلاً من قصيدتي العمود والتفعيلة إلى جانب قصيدة النثر، وهذا يدلُّ على أن الشكل الفني لديه، ليس هدفاً بحد ذاته، بل القصيدة نفسها، هي الأهم . إلا أن اتخاذه من عنوان قصيدة تنتمي إلى العمود، عتبة للمجموعة كلها، يثير السؤال: أهو يولي قصيدة العمود الاهتمام الأكبر؟ فضلاً عن أن النصين الأول والثاني في مجموعته هما عموديان، بيد أنه وقبل إبداء الحكم النهائي لابد من معرفة مسألة مهمة وهي أن عدد نصوص التفعيلة في المجموعة أكبر من عدد قصائد العمود، حيث يدلُّ كلّ هذا، على أنه في غمرة رحلته التجريبية، معني باستكشاف روح الشعر، محاولاً أن تكون جسره إلى متلقيه، وأداة تواصله مع عالمه، لاسيَّما عندما تقدم قصيدته ذاتها، سواء أكانت منتمية للعمود، أم التفعيلة، أنهما تمتلك شروط هذا الشكل الشعري، أو ذاك، وهو الأكثر أهمية طبعاً .
وما دمنا، هنا، أمام معيار الشَّكل وحده، ولسنا في إطار تقويم درجة حضوره الشعري، في هذه الحالة أو تلك، لذلك فإنه ولأسباب تشريحية، نتناول أنموذج قصيدة "التفعيلة" في المجموعة، على اعتباره أستغرق فضاءً أوسع، وهي إحدى رئات الشاعر الإبداعية، ونقطة تحوُّل في مسار تجربته الشعرية .
تحافظ قصيدة التفعيلة عند البريكي، على شروطها الأولى، لاسيَّما على صعد: اللغة، والبنية الإيقاعية، والصورة، وإن كان معمار هذه القصيدة، لايستقرُّ عند مجرد أنموذج خاص، حيث يقدم كل نص اقتراحاته الخاصة، تبعاً لمناخات النص، وهي سمة مهمة فيه، تنمُّ عادة عن تمكن الناص من أدواته، بعيداً عن سطوة الشكل الواحد، مؤشر على قدر على التفاعل مع كل حالة شعرية، بمعزل عن استمرار هيمنة سواها عليها، يقول في نص "جدّتي وعصاي"
وقدمت إلى قريتي . .
سألت جدتي عن عصاي
. .أنا في المدينة
ليس لدي غنم!
أحتسي في الميادين همَّ رغيف
يشاطرني غربتي . .
والمدينة أغنية للمجانين
سقت المراجيح
قبل وصولي
أغنية البئر
سطوة راع يهشُّ على . . .
نشوة الحقل
أحملها بين ضلعي . .
يحطُّ على الغصن
والغصن قلبي الذي صار
بعد الإياب ورحلته
منكسر .
لست إلا رسول الطموح
الذي فرَّ من ذئب غرفته
لفضاء الوطن . ص 13-16
يلاحظ المتلقي، أن في النص شيء من القص، حيث حوار، وشخصان رئيسان، هما الشاعر وجدته، بل وثمة مكان متبدل تناوبياً: القرية-المدينة "ناهيك عن مفردات عالم الريف وشخوصه، مكانية كانت، أم عالم حيوان" الغنم- الذئب "أو ظلال بشر وجمادات، خلال فضاء أوسع هو الوطن، بل وضمن نص في أقصى التوتر والحركة، امتداداً لحالة الغربة التي يصرح بها، بل الانكسار الأليم، حين يشبه قلبه بالغصن، معترفاً أنه انطلق إلى الفضاء المكاني الشاسع، هروباً من ذئب غرفته، بعد أن يذكر البئر وأغنيته، ويقول في النص نفسه":
جئت بين يدي عصاي
ومسبحة أهديت من أبي
طفت ياجدتي
والشوارع مثل المسامير
أعبرها جسر توق
إلى مدن الأرغفة
طفتها عاشقاً يخطب الأمن
لكن صوت المدينة لن يسعفه
ورجعت إلى قريتي
بقميصي الذي قدَّ من؟
يالهذا القميص الذي كلما عدت
قدَّ من الظهر
لا لعصاي
لدرب الغواية
للموت في الوقت
عدت وحيداً . .
وقفت بمقبرة الحي
أتلو على قبرك القصة
الآن عدت إلى قريتي
لم أجد في المدينة شيئاً
أهشُّ به موطن الروح
عدت لأن المدينة
ليست لأهل الغنم . ص16-18
ينطلق الشاعر، وهو تحت سطوة القص، في نصه الشعري، مصرِّحاً بكلمة "القصة" حتى في متن النصِّ نفسه، من ثنائية: القرية المدينة، حيث لكل منهما منظومة علاقاته، وأسئلته، كي يجد نفسه، لايزال ابن القرية، عنوانه الأولى، ولامناص له من عالمه الذي يحسُّ بنوستالجيا شديدة إليه، تبئِّر النص، إلى حد يظهر وكأن الاختلاف بين هذين العالمين المتناولين، سبب في الانكسارات التي يشير إليها، وهي رؤية الشاعر، في حدود هذا النص، حيث سرعان ما يحسم خياره، وهو يهش بعصاه، عائداً تجاه قريته الأولى .
وبالرغم من أن النص يأتي-مباشرة- بعد قصيدتين عموديتين، إلا أنه يكاد لا يحيل إلا إلى مجرد تجربة خاصة مع النص التفعيلي، سواء أكان على صعيد الشكل، أوعلى صعيد المضمون، وإن كان للشاعر رؤيته الخاصة إلى عالمه المتناول، حيث زاوج بين أكثر من شكل إبداعي، إلى تلك الدرجة التي يمكن تلمس الحدث، بل واستشراف ذروته، من دون أن يتم طغيان ذلك على الجانب الفني للنص الشعري .
وتبلغ الاستفادة من بعض عناصرالفنون الأخرى، إلى حدِّ ارتفاع الحوار في نص "ننام على الريش" إلى درجة تمظهره في إطارمسرحي، من دون تبيان هويَّة الشخوص، مكتفياً بالضمير المتصل أوالمستتر في الفعل المضارع أو الماضي "قالت" أو "يسأل" أو "قلت" أو قال على نحو صريح، أو أن يحيل المقول إلى القائل المضمر، في نهاية النص نفسه، بيد أن ذلك يتم، من دون أيِّ اغتراب عن شعرية النص، إذ يظلُّ الناص ممسكاً زمام نصه، ليكون ذلك تنويعاً في الشكل الشعري، من جهة، ومحاولة من أجل أن يكون صوته صدى نفسه، يقول:
وقالت:
من الطارق الآن
والليل يسكن؟
من يستفزُّ الأحاسيس
والبيت ناطوره غاب
والبرد إبليس
والليل في صمته مدفأة؟
دع الباب واغرب . .
فلست التي إن تغيَّب عنها الضياء
تفتش عن ظلمة تكنس النور
حتى إذا عاد
عاد ليسأل: من أطفأه؟
أنا أحرس الورد والفلَّ
لي من يقلب جمري
ومن يطفىء الجمر
بعد نضوج عشائي
وآخر ما يستفز الضلوع
هو الخوض في وشوشات الشعور
ودغدغة القلب نحو العناق
أنا لست في غيبة عن قميصي
إن أية قراءة في النص السابق، تؤكدأن الناص ينطلق من رؤية معرفية، حيث هناك معاناة يطرحها، بل وهناك تناقض بين عالمين يرصدهما الشاعر، كانعكاس لإشعاعات بؤرة تترك أثرها في روحه، على نحو مباشر، بيد أنه لا يريد وسم الأشياء بأسمائها، وهو يمعن ذلك الفضاء المكاني الذي يرصده، وإن كان يترك رمزه الشفيف، ليظهر مدى حجم الخوف الجدي الذي يتربص بكائنات آدمية، يتحدق بها "الموت" لأنها انقادت "وراء خيالها الجموح"، ما يجعل النص محافظاً على توأمة العلاقة بين الغموض والوضوح، مادام أنه يبدي موقفاً مما يتم، من دون الانقياد وراء سطوة الحدث التي تجعل نصوصها، مجرد بيانات شعرية لا أكثر، ما ينجي النص من مثل هذا التحدي .
ومن يقرأ نص "صوت الرصاص" يجد أن الشاعر يستعيد فيه مناخات نص سابق، كان فاتحة نصوص النثر في مجموعته، وهو "جدتي وعصاي" حيث أن رائحة "الجدة" وصدى صوتها يبدو أن، وإن كانت ستغيب عن مسرح النص، بيد أن "الراوي" هو نفسه، وإن كانت حاله - هو الآخر - تتغير، حيث إنه - هنا - في حالة استفزاز، وسط ترجمة الخطر الذي قرعت جدته الأجراس من أجله، وكيف لا، مادام صوت الرصاص مدوياً، بل إن "الخراف" باتت رهينة حالة الذبح، كي نكون أمام تناص حقيق، من الممكن تناوله عبر دراسة خاصة، وإن كان توقيت هذا النص الأخير يعود إلى يونيو،2010 بيد أن النص الأول "غير مؤرَّخ"، يقول الشاعر:
توقف هنا . . من تنظر في الغيب
راقب يديك
ترى . . هل بها ما يهش الغنم؟
. . . . . . .
توقف وقلل صراخك
لا الصوت يوقف ذبح الخراف
ولا الأرض تنجب للطفل
في خوفه مرضعه . .
حلمت بصوت الحمام
يصيح من البندقية
لايا صديقي
أزيز الرصاص يصيح من الطلقات
ويصطاد سرب الحمام
ويترك ذئباً يبيد القطيع . ص 56-57
يمثل النص حالة شعرية جدّ عالية، ضمن تجربة الشاعر مع قصيدة التفعيلة، سواء أكان على صعيد البناء، أو على صعيد صياغة الصورة، أو المفردة التي ترفع بنيان النص، ناهيك عن إمكان تلمس خيط ملحمي، يتوجه نحو الذروة يقول الشاعر في النص نفسه:
توقف . . وفرغ يديك من الزيت
لن تحرق الأرض إلا يديك
توقف . . ففي حيك الآن
تسقي النخيل بنهر الدماء
. . . . . .
وفي حيك الآن
يستنسخون من الموت هولاكهم
يحفرون الخنادق للأولياء
ويستبعدون القطيع
فأين البطولة؟
هل قمت كي تنصب الرمح حول الخيام
كما قامت الحرب من صرخة المعتصم؟
وهل قلت لا . . للذين يعيثون في الأرض حرقاً
إذا ذبحوا طفلاً . . أوخلقوا أرمله؟! ص 58
حيث نجد هنا وبجلاء: الحرب، الدم، الموت، القتل، هولاكو، الخنادق، البطولة، إلخ، بل إن ثمة براعة في طرح الأسئلة، في إطار الجذب، وخلق الدهشة، لأن الناص يرى أن أسباب فزعه، وإطلاق الصرخة قد اكتملت حقاً، مايدفعه ليركض في الاتجاهات كلها، يدحرج ألمه، ونشيده، يقول:
توقف . . فلست المؤهل للقول
والمصحف اليوم خلفك
وحين تركت التراتيل
واخترت قيثارة للبطولة
لن ينفع الحي عزفك
. . . . . . .
. . . . . . .
والأرض مثل الحبيبة
تكشف أسرارها للقريب
وأنت البعيد الذي نورس الأرض
واختار أحجية للرحيل
تذكر . .
كما أحرق الأرض نيرون
مات
وكانت هي الباقية
وأنت أنا
كلنا في الحقيقة نحلم
لكن بغداد تبقى وطن . ص 59-60
ونصوص الشاعر - عامة - غنية بتوظيف عناصر التراث ورموزه، يستحضرها جميعاً، وهو يواصل استقراء اللحظة، بحيث أن هذا التوظيف يخرج عن دلالاته المألوفة، ليقدم اكتشافات جديدة، لا تنقطع عن أرومتها الأولى، بيد أن انصرافها إلى ما هو معيش يكون بادياً، ناهيك عن أنها تنصرف - في أحايين ما - خارج حدود اللحظة، وتحديداً نحو المستقبل، لاسيما في ما هو نبوئي، وهو ما يترجم بطريقتين، إما من خلال امتصاص هذه الرموز، وهو ما تم في أكثر من قصيدة، أو يتم على نحو مباشر، يقول في نص "شبح المقصلة":
وأنت تدسين وجهك
عن هذيان الغبار
وفي الحي حولك بعض النساء
يقطعن من شدَّة الخوف أجسادهن
. . . . . .
والشمس تغسل حنَّاءها
قبل صحوالزهور
تساءلت
هل يخرج القابع الآن
في ظلمة الخوف من سجنه للنهار؟
وهل ستؤوب زليخة عن غوايته؟
هل سينسى العزيز حكايته
حين مر به الجند
واختطفوا منه عصفوره
قبل أن يسقط الحارس المتهم؟
على ضفة النهر
والجسر يقتلع الصمت
حين يخرُّ على الماء
بعد صلاة الجنازة للعابثين . ص135-136
الشاعر هنا يلعب دوره النبوئي، وهوما يحققه النص، من خلال الوظيفة الشعرية التي لاتكتفي ب"التوصيف" بل تتجاوزه، من خلال فتح الآفاق الجديدة، يقول:
تساءلت
هل ستفر الحديقة من شبح المقصلة؟
وأنت هناك
تصلين للريح
أن يغرق الفلك بالعابرين
ومازلت أسأل
هل ستفز العناكب عن مدخل الغار
كي يخرج النخل عن صمته
قبل وقت الغروب؟
يصلون للذبح لكن . .
سأضحك كي يبطل الضحك
تلك الصلاة
وأبكي وأنت تصلين
كي تبلع الأرض وجه الغزاة
أنا عائد لأرى
قبل سبع عجاف وجودي
وأنت تضمين رحلتنا البكر
والشوق يقطر
من شرفة حالمة
سآتي إليها
وإن حاصرتني المشانق
آت
وتحمل إعصاري الأجنحة . ص137-138
إن ترك نهاية النص- بهذا الشكل-لدى الشاعر، مفتوحاً على صيرورة اللحظة الزمانية، ممسكاً بمقومات دهشته، بل وقبل كل ذلك ارتفاع نبرة التحدِّي، والمواجهة لدى الشاعر، والإصرار على تجاوز "السبع العجاف" وعدم الرضوخ أو الاستسلام للخوف، مهما كان ثمن ذلك، تجسيداً لمهمة الشاعر الكبرى، في استقراء البرهة، وفتح نوافذ الأمل والفرح على مصاريعها .
تنوس نصوص الشاعر بين أكثرمن تفعيلة "فاعلن" كمافي نص "جدتي وعصاي" ص13 حيث تزاحمها بعض جوازاتها ولاسيما "فعلن" وتفعيلة "فعولن" كما في نص "ننام على الريش" ص 21 إذ يظهر "التدوير" هنا على نحو باد، وإن كانت البنية الإيقاعية في النصوص تأتي خافتة حيناً، لتخرج عن الخفوت وفقاً لتوترات النص، والعالم الداخلي للناص، أو من خلال تفعيلة "مفاعلتن"، وجوازاتها، حيث يكون للإيقاع وضع آخر، إذ يأتي هادراً، استجابة لحالة الشاعر كما في نص "ضوء" ص،77 وقد يتخذ من "فاعلاتن" لبنة بحر الرمل، أداتها الإيقاعية، كما في حال نص "ضوء آخر" ص 79 .
والشاعر البريكي في نصوص التفعيلة، في مجموعته، يبدو مزاوجاً بين "الأصالة" و"الحداثة" معاً، حيث يحقق المعادلة المرجوة، لاسيما وأن المفردة، اللَّبنة الرئيسة، في العمارة الشعرية، تقدم نفسها بين يديه، مطواعة، سلسلة، شفافة، إذ يستفيد الشاعر من فتوحات قصيدة النثر،على صعيد بناء النص، ورسم الصورة، والإيقاع الداخلي، كما أنه لا يتخلى عن الإيقاع الخارجي، وهو نتيجة لحفر الشاعرالخاص، وبحثه عن فضاء صوته الخاص، يقول:
أأنا رحلت؟
نعم رحلت وإنما
كان الرحيل
إلى نخيلك فاعلمي
رتلت أغنية الغياب
مقاطعاً
أنغامها بالحزن
غصت في فمي
وأرى الرفاق على رصيف مدينتي
يتراكضون
وحول خطوتهم دمي
وعلى موائدهم
يقطع بعضهم
لحمي
وينهش بعضهم في معصمي
مع أنني خبأت
خلف عباءتي
وجهي
تطاول وجههم بتلثمي
يتشدقون بقربهم وأنا الذي
شهد الوقيعة
مثل عنتر . .فافهمي
وأخاله عني يقول لقربهم
"أغشى الوغى
وأعف عند المغنم"
يامسقط العشق الذي يجتاحني
عذراً
إذا غادرت فصل تكتمي . نص "مسقط": "ص81-83"


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.