الاثنين 24 فبراير 2014 01:22 مساءً ((عدن الغد)) خاص: يستذكر الناشط الحقوقي أحمد الدياني، المقيم في النرويج، والمرشح لجائزة "رافتو" العالمية لحقوق الإنسان لعام 2014م في حديث له لصحيفة "عدن الغد" مناقب الراحل الشيخ محسن أحمد صالح بن فريد العولقي، دوره ومواقفه الوطنية وعطاؤه، في مختلف مراحل حياته. تهل علينا اليوم 24 فبراير ذكرى مرور أربع سنوات لرحيل الشيخ محسن أحمد صالح بن فريد العولقي، الذي كان رحيله صعبا علينا، لكن لا اعتراض على قضاء الله وقدره، فقدنا عزيزا في وقت كان الجنوب بأمس الحاجة إليه لكنها إرادة الله سبحانه وتعالى. ما أكثر المناقب التي تبقى شاهده على عطاءها فالقلب يحزن والعين تدمع والكلمات تتعثر عندما نستذكر محبته وتعاونه ودعمه إلى جانب إنسانيته فهو الشيخ والأب والحكيم المتواضع البسيط والصابر، عرف عنه ثباته ورجاحة عقله وبعد نظره وحسن تعامله ونصرته للحق والعدل، كان دائم الانشغال بهموم قبيلته ومنطقته ومحافظته فعمل جاهدا على حل كثير من الخلافات، ويكون أول الحاضرين عندما يعلم بأي مشكلة لأي شخص، ومبادرا في تدخله لدى بعض الجهات الرسمية لغرض تسهيل الصعوبات، كان شيخا شهما وبقامته القبلية مدافعا عن الحق، فعانى الكثير في مراحل حياته لكن عزيمته علمته أنه لا وهن ولا ضعف. لقد عرفت الشيخ محسن بن فريد عن قرب شيخا يحبه الجميع، كان واضحا من خلال مواقفه التي تعكس بساطته وحسن خلقه وتعامله الراقي مع الجميع غير متعال ولا يحب المكابرة متحمسا للاقتراب من حياة الناس واستطاع كسب صداقات مع الكثيرين، كان متسامحا وصبورا، لقد كسب الراحل حب الناس بما كان يمثله من قيم وأصالة ووقار، عرفته عن قرب لا ينام إلا ساعات قليلة، بيته لا يخلو من الضيوف ويتحلى بصفات الكرم، كما كان فارسا وشاعرا ومهتما بالموروث الثقافي لمحافظته فقام بتأسيس منتديات العوالق للموروث الشعبي على صفحات الشبكة قصد منها أن يتبادل أبناء محافظته تراثهم وأخبار أهلهم وأحبتهم. ولد الشيخ محسن بن فريد العولقي، عام 1949م في مدينة الصعيد (العوالق العليا) محافظة شبوة، تلقى دراسته الأولى في "المعلامة" درس القرآن الكريم وعلى بعض علوم الحساب والتاريخ، ثم أنتقل إلى أول مدرسة حكومية وأكمل الابتدائية والمتوسطة آنذاك، أنتقل بعدها إلى عدن وانضم إلى مدرسة الإشارة التابعة للحرس الاتحادي الأول في عام 1964م وفي السادسة عشرة من عمره تدرج في السلك العسكري حتى عام 1967م برتبة ملازم في قسم الإشارة ثم أنتقل بعدها إلى منطقة الثمير بردفان بينما معظم أهله ذهبوا إلى السعودية ولحقهم بعد أحداث 20 مارس الانقلابية مع مجموعة كبيرة من الضباط من ردفان والعوالق والصبيحة عبر طور الباحة سيرا على الأقدام إلى قرية شعب عبر عقبة المفاليس ومنها إلى حيفان شمال اليمن حيث نقلتهم سيارات إلى تعز وتم إنزال الضباط في فندق دي لوكس والأفراد في قصر الإمام حيث كان يتواجد حينذاك سالم ربيع علي، ومجموعة من أتباعه حين أختلف مع أول حكومة في الجنوب وقد طلب منه سالمين أن يضعوا أيديهم معا للانقضاض على حكومة قحطان الشعبي ولكن والأيديولوجيات المختلفة وقفت حائلا دون تحقيق هذا الوفاق، فعاد ومن معه إلى جبال كور في العوالق ثانية وانطلقت منها في أواخر عام 1968م ولمدة عامين كاملة حرب عصابات مستعرة مع النظام القائم في عدن حينها، وقد أورد الراحل في مذكراته أن هذه الحرب قدمت الحكم لسالمين على طبق من ذهب لأنها أنهكتنا وأنهكت الحكومة معا، بعدها جاءت حركة يونيو التصحيحية وأنقلب السحر على الساحر وبدأت الميول الاشتراكية للنظام تطغى على كل شيء عندها لم يكن معنا سوى مغادرة الجنوب إلى الشمال ومن ثم إلى السعودية في عام 1970م، وفي السعودية تم تشكيل أول جيش من أبناء الجنوب في صحراء الربع الخالي عام 1971م وأطلق عليه جيش الوحدة الوطنية وكان من رفاق الدرب الأخ صالح عبدربه أمذيب، من آل فريد في سلاح الإشارة والأخ احمد الصريمة. وكان الشيخ محسن رحمه الله تعالى دائم الثبات والابتسام حتى في أحلك ظروف الحياة وقساوة صحراء الربع الخالي ودرجات حرارته المرتفعة، وكان يمثل لجميع الجنود وصف ضباط سلاح الإشارة القدوة الحسنة ومثالا يحتذي به، فكان بمثابة الأب والمعلم الذي لا تهزه الشدائد والمحن، ومن الشجعان القلائل الذين لا يخافون إلا الله عز وجل، وحدثني عندما تكون ذلك الجيش كان من أربع كتائب بقيادة ناصر بريك العولقي، والشريف حيدر بن صالح الهبيلي، نائبا له كان حينها الراحل قائدا لمدرسة الإشارة، فأتخذ الجيش من منطقة شرورة منطلقا لمحاربة النظام القائم في عدن حينها، وفي العام 1972م شارك الشيخ محسن مع جيش الوحدة الوطنية وقوات العاصفة في حضرموت الشرقية والمهرة كركن عمليات للقوة فيتم انطلاق عملياته من منطقة الشصر بسلطنة عمان ومن ثم إلى المهرة وحضرموت. في العام 1973م تحصل الشيخ محسن بن فريد على الجنسية العمانية وفي نفس العام عاد إلى السعودية وواصل عمله في مدرسة الإشارة وكان واحدا من خمسة خبراء لتحليل المعلومات وفك الشفرة بعدها قدم استقالته من العمل والتحق بشركة بن لادن كأمين مستودعات في أبها ونجران وشرورة. عاد الشيخ محسن بن فريد العولقي، إلى أرض الوطن بعد الوحدة وتم احتساب خدماته كضابط، وفي حرب صيف 1994م شارك مع إخوانه الجنوبيين في الدفاع عن الجنوب في تلك الحرب وعين أثناءها ركن عمليات في محور شبوة بعدها عاد إلى الوطن من حدود عمان. كان للفقيد الراحل مواقف نضالية مع قضية شعب الجنوب، حيث بدأ مشواره النضالي في العام 1995م في إيصال رسالته إلى كل أبناء الجنوب وصنعاء بقصائده الثورية وكان أول من يطالب ويخاطب شعب الجنوب باستعادة دولتهم عبر قصائده الثورية التي أشعل من خلالها نار الثورة الجنوبية.. تلك القصائد حيث أثارت السلطات في صنعاء وكادت أن تتسبب في انفجار الأوضاع بين قبائل العوالق والجيش ومن أشهر قصائده (يا عدن يا الغالية يا الجريحة) والتي تقول كلماتها: يا عدن ياالغالية يا الجريحة.. يا عروس البحر يا أحلى صبية بانرجع ضحكتش يا مليحة.. شعبنا أقسم برب البرية الا ياموج يا عالي.. املنا طال يا الغالي ودمع الشعب همالي .. يبا من يرفع همومه طالت المدة لحكم العصابة.. ترتضوا يا شعب هذه الردية ترتضوا تصبح قراكم خرابة..سجلوا تاريخ صفحة ندية ويقرأها لنا الأحفاد.. ورثناها من الأجداد كفانا ذل واستعباد .. يفوق الشعب من نومه قال بو حاتم سلبنا أوالي.. با ترد الخصم لو نوى بنية يا رجال الحرب حان النزالي .. يا رجال القبيلة والحمية أنا جندي على الظالم.. وفي حب الوطن هايم يجب أن يعرف العالم .. قضية شعب مهضومة وقفة الشجعان أكبر فريضة.. با تقدمها لشعبي هدية يقفوا ضد العقول المريضة.. من خفافيش البلاد الخفية بغينا سارف ذر الاحباب .. حمول الجور ما ينشال وكيل الحب يا كيال .. اعطوا كلين مقسومه يا عدن يا الغالية يا الجريحة.. يا عروس البحر يا احلى صبية بالرجع ضحكتش يا المليحة .. شعبنا أقسم برب البرية وكذلك كانت له قصائد كثيرة منها: يقول العولقي حاله نكيدة كذب من قال تحكمنا حكومة عصابة تحكم الأرض السعيدة بسوط الظلم كل ليلة تسومه حسبنا الخير في وحدة مجيدة ولكن الأمل غابت نجومه كثيرة هي الأحداث والمواقف التي عاصرها الراحل ورواها لي، وكان له موقف لا زلت أتذكره مع أسرة صحيفة "الأيام" وناشرها الراحل هشام باشراحيل، أثناء محنتهم مع سلطات صنعاء في فبراير 2008م حين تلقيه اتصالا من هشام باشراحيل، بأن وضعهم في صنعاء خطير، كنت حينها مع الشيخ محسن في منزله بعدن فطلب من ولده علي وأولاده فورا سرعة التوجه إلى صنعاء للوقوف مع هشام في محنته، ولا تفارق ذاكرتي عند مخاطبته لولده علي، أمامي قائلا له "رأسك قبل رأس هشام، إذا تعرض لأي مكروه لا تريني وجهك" بالفعل غادر ولده علي وإخوانه إلى صنعاء وظلوا مع الراحل هشام، حتى عودتهم إلى عدن، فاستقبلهم الشيخ في مطار عدن. وتأسيسا على هذه المسيرة المشرفة للوالد الشيخ محسن فقد كان نصيرا لقضايا شعبه في الجنوب ومقاوما للظلم والعدوان وداعما لنضال شعبه منذ بدء انطلاق حراكه السلمي في العام 2007م كما أدى دورا مؤثرا عند استضافته في منزله بعض قيادات الحراك بغرض إيجاد تقارب لخدمة قضية شعب الجنوب. في الأخير أقول أنه إذا كانت السماء تمطر فإن دموعنا هي التي تبللنا لفراقك أيها الوالد الشيخ.. رحمك الله وأدخلك فسيح جناته، وإنا لله وإنا إليه راجعون!. عدن الغد