بيروت (الاتحاد) - يعتبر الزجاج المادة الصناعية الأقدم تاريخاً، ومكتشفوه الأوائل هم المصريون الذين نفخوا فيه وحولوه إلى كتل دائرية، حولها الحرفيون فيما بعد إلى أشكال جميلة. فهو موروث تراثي وثروة غنية يدوية يجدها الزائر في بلدة الصرفند المرتبطة بالحياة الاجتماعية والمعيشية، على ساحل لبنان الجنوبي. إذ اقترن اسمها بصناعة الزجاج اليدوي المنفوخ، التي دعت الحاجة إلى مزاولتها حسب احتياجات الإنسان والمجتمع، فزادت عزيمة ورثة هذه المهنة، على التمسك بها ومحاولة الإبقاء عليها، غير أنّ ما تعانيه من تكلفة باهظة في مقابل غياب التسويق والتصريف والدعم الحكومي والأهلي، ينذر بانقراضها. الاحتفاظ بالأصالة تقول مسؤولة العلاقات العامة في معمل زجاج الصرفند نسرين خليفة إن «وجود الإنسان على الأرض هو جوهر التفاعل البيئي، وهو الذي يتحكم بالبيئة وهو الذي يضر بها، فمع الثورة الصناعية التي أدخلت الآلة والمكننة حدث خلل في التوازنات البيئية الصناعية والحرفية». وتضيف «مهنة نفخ الزجاج لاتزال تحتفظ بأصالتها، وطابعها المحلي المتميز على الرغم من دخول منتجات صناعية حديثة زاحمت الصناعة اللبنانية والحرف الشعبية، وكادت تقضي عليها»، مشيرة إلى أن أصحابها لا يزالون يمتهنونها كمصدر للرزق، إلى جانب اعتبارها حرفة تقليدية يحتفظون بها للأجيال القادمة، لعلهم يسيرون على خطى أجدادهم وآبائهم لتكون خير معين لهم في أحلك الظروف. وتوضح خليفة أن تدوير الزجاج الملون أو الشفاف هو مجموع من قوارير زجاجية، تكون من مخلفات المطاعم والزجاج المحطم لينتج المعمل الأباريق والكؤوس والأكواب والزهريات ومناضد الشموع والقناني الزجاجية الملونة وحبيبات الخرز المشغولة بحرفية متقنة. وعما تحتاجه هذه المهنة التقليدية، تقول خليفة إنها تتطلب مهارات تدريبية معينة قد تستغرق من 3 إلى 4 سنوات لإتقانها، لافتة إلى أن أهم متطلبات العمل في هذه المهنة، تتمثل في تحمل مشقة العمل أمام أفران الشي، وتوافر الروح الإبداعية والفنية عند العامل لاكتساب مهارات التشكيل. وتتابع «مما لا شك فيه أن طبيعة العمل في هذه المهنة، والجهد المبذول الذي لا يتناسب مع المردود المادي، أدّيا إلى تراجع الإقبال على تعلم هذه المهنة وتقهقر هذا الفرع الصناعي ذي المغزى التراثي»، موضحة أن المعمل اليدوي هذا كان يشغّل منذ 3 عقود نحو 50 شخصاً من الحرفيين. أما اليوم فيعمل فيه 8 معلمين من عائلة واحدة، وهم من يشغّلون المصنع، الذي يعتمد في أكثره على التذويب في الفرن والنفخ والتدوير». ... المزيد الاتحاد الاماراتية