يشتهر اليمنيون منذ القدم باتقان مجموعة من الصناعات الحرفية اليدوية الشعبية ومن اهمها الصناعات الفخارية والمصنوعات الجلدية والنحت على الخشب وصناعة العقيق وصياغة الذهب وصناعة الجنابي وصك الفضة والتطريز وغيرها..وعبر عصور مختلفة ازدهرت الصناعات الحرفية وتوارثها الاجيال عن ابائهم لكن ظهور السلع الصناعية البديلة والمستوردة في السوق اليمنية بعد الطفرة الصناعية ادى الى انقراض بعض الحرف اليدوية في اليمن في حين ظلت العديد من الاسر الحرفية تحافظ على مهنتها تحت ضغط الحاجة ولتأمين مصادر دخلها للعيش بأمان. وصناعة الفخار حرفة شعبية متوارثة، حيث يتحلى العاملون فيها بحس فني يسمح لهم بتنويع مهاراتهم الانتاجية ذات العائدات المالية العالية والحفاظ على ماضي اجدادهم التراثي. حرفة شعبية قديمة ومع ان هذه الحرفة كادت ان تنقرض في مرحلة الطفرة النفطيةودول الخليج عندما تركها اصحابها وهاجروا للعمل في تلك الدول، الا ان حرب الخليج الثانية عام 1990م قد اجبرت المهاجرين على العودة الى اليمن لمواجهة انعدام فرص العمل، ففضل العديد من الحرفيين احياء مهنة صناعة الفخار لتأمين ظروف معيشتهم. ونتيجة لذلك ارتفعت نسبة منتجات السلع الفخارية في الاسواق الشعبية التي ظهرت باشكال متعددة الاغراض والاستخدام كما كانت تصنع في اليمن منذ القدم حيث تشير المصادر التأريخية ان اليمنيين قاموا بتسويق الادوات الفخارية قبل عام 1295م الى مصر والعراق وبلاد فارس والهند والصين والحبشة وقبرص. صناعة الفخار ومن خلال العاملين في هذا المجال تبين ان صناعة الفخار تتطلب توفيرعدة اشياء اهمها الطين اللبني الذي يوجد على شكل خيوط حمراء في باطن الارض والجبال ويطلق عيه اسم “التراب الاحمر” ولنجاح صناعة الفخار يقوم الحرفي المختص اولاً باختيار نوعية التراب ومزجه بالماء واعداد مقدار معين من الطين اللبني ثم يأتي دور المهني الخبير بتشكيل الطين الى عدة سلع مختلفة الاغراض والاحجام وتجفف في ضوء الشمس قبل وضعها في افران تقليدية توقد النار فيها عن طريق الفحم لفترات محددة ويقوم الحرفي بعد اجراء تلك الخطوات باختيار الادوات المصنوعة ومدى صلاحيتها للاستخدام ولكن الوقت الذي يتم فيه صناعة المنتجات الفخارية يختلف حسب نوعية كل شكل وحجمه والغرض من صناعته.. وعند درجة حرارة عالية لمدة معينة لا يوقتها إلا صانعو الاواني الفخارية، تكتسب الاواني قدرا كبيرا من الصلابة والمقاومة للصدمات كما تبرزبعضها بالوان مختلفة يدخلها الحرفي قبل ادخالها الى الافران او ينقش عليها بعض الرموز المعبرة ومن ثم تجهيزها للتسويق.. الصناعات الحديثة تضايق مبيعات الفخار وفي زيارة قمنا بها الى سوق مبيعات المنتجات الفخارية داخل سوق صنعاء القديمة قال بعض التجار ان مما يضايق مبيعاتهم من الصناعات الفخارية هو استيراد السلع الصناعية البديلة. فالادوات المنزلية الفخارية المستخدمة لشرب القهوة والشاي واواني الطهي والفخار الخاص بحفظ الماء والذي يحافظ على برودته مدة طويلة من الزمن كما يعطيه مذاقا متميزا تقابلها سلعاً مستوردة ورخيصة الثمن. ويقول التاجر “المطري” اكبر تجار صناعة الفخار “مبيعات صناعة الفخارتزداد في اقدام السياح على اقتناء مجسمات تاريخية وتماثيل رمزية بالعملات المحلية او الاجنبية خصوصاً الصناعات المزودة بالنقوش الفنية والرسوم التعبيرية المستوحاة من التراث اليمني. ويشاهد الزائر في سوق مبيعات صناعة الفخار ابداعات حرفية رائعة تعبر عن قدرة الحرفي على وضع لمسات فنية جميلة مستلهمة من عبق التراث اليمني القديم. ويرى حسين المولى شيخ بائعي الفخار ان التوسع باستخدام الفرن الغازي في المدينة والريف قد قلص بيع الفن المصنوع من الفخار والذي يستخدم بواسطة الفحم لانتاج الخبز او طهي بعض المأكولات والذي يكون لها طعمها المميز والشهي جداً، وهذا يهدد اختفاءاحدى السلع من الصناعات الفخارية..ولذا يقترح تجار صناعة الاواني الفخارية على الحكومة الاهتمام بزيادة المصنوعات الحرفية الفخارية من خلال عمل دراسة جدوى اقتصادية تحدد الاماكن المتاحة لاحياء هذه الحرفة من اجل تأمين فرص عمل جديدة والحد من نسب البطالة المرتفعة بين القوى العاملة. ويؤكد الحرفيون ان تطوير مهاراتهم في صناعة الفخار وتحديد اولويات الانتاج للسوق المحلية ومما يرغب السياح في شرائه منها سيساعدهم على مضاعفة ما ينتجونه والارتقاء باوضاعهم المهنية والاجتماعية.. وبعد ان عثرت بعثة المانية على مدينة اثرية في منطقة صبر بمحافظة لحج كان سكانها من صناع الفخار فإن اهتمام الحكومة بتنمية الصناعات الفخارية يخدم صناعة السياحة وانتاج اواني وتماثيل فخارية شبيهة للقطع الفخارية المكتشفة وتسويقها. حيث ان الحكومة والناس في اليمن يعثرون بين الحين والآخر على اوان فخارية تأريخية تعود للدولة السبئية والحميرية، ورغم خروجها مطمورة بالتراب، إلا انها تمسح وتبدو النقوش والرسوم المختلفة عليها واضحة، كما تظهر متماسكة وغير مكسرة او مشققة بالرغم من مرور فترة تأريخية غير قليلة عليها. ونرى هنا ضرورة دعم المركز الوطني لتطوير الحرف اليدوية الذي بدأ اعماله عام 1988م عقب اتفاق الحكومة مع البرنامج الانمائي للامم المتحدة على انشائه بهدف احياء الحرف الشعبية التي كادت ان تضمحل.. كما ان توفير حماية للحرف اليدوية ومنها صناعة الفخار حل لجزء من مشكلة البطالة التي تعاني منها نسبة عالية من القوى القادرة على العمل في اليمن الى جانب تخليد الصناعات اليمنية .