تعتبر الصناعات الصغيرة والمتوسطة من أهم وأبرز العوامل الفاعلة للارتقاء بالاقتصاد الوطني والقضاء على البطالة وكذلك في التخفيف من الفقر في دولة نامية كبلادنا.. خاصة اذا ماعرفنا أن الصناعات الصغيرة في اليمن تمثل أكثر من %95 من إجمالي عدد المنشآت الصناعية، ويعمل فيها حوالي %41 من إجمالي عدد المشتغلين في قطاع الصناعات التحويلية، وكما هو معروف بأن معظم هذه الصناعات الصغيرة هي الصناعات الحرفية اليدوية والتقليدية والتي توارثها الحرفي اليمني جيلاً بعد جيل. وأبدع فيها الحرفيون اليمنيون بشكل كبير وأوجدت لها مكانة رفيعة في الأسواق العالمية، وقد ساعد الحرفي اليمني على ذلك الإبداع توفر المواد الخام، لذلك اشتهرت كل منطقة بحرفة معينة وذلك بحسب ما تتوفر من المواد الخام الطبيعية لكل منطقة من المناطق اليمنية وغيرها من العوامل والمقومات المساعدة الأخرى، والمتمثلة في الموهبة والحس الفني الرفيع لدى الإنسان اليمني الذي أبدع كثيراً في فن الصناعات الحرفية اليدوية، والتي نتج عنها أعمال ومشغولات يدوية تقليدية تعتبر في غاية الجمال والروعة. ولعل الكم الكبير والهائل من الحرف والمشغولات اليدوية التي رسمتها أنامل الإنسان اليمني الذي توارث حرفة الصناعات اليدوية منذ القدم، جعلت منه العامل الأساسي في الحفاظ على هذه الثروة التاريخية والتراثية والشعبية العظيمة بصورتها الأصلية والمتلائمة مع متطلبات حياته. الاندثار أمااليوم فنلاحظ أن الكثير من هذه الصناعات الحرفية والإبداعية مهددة بالاندثار رغم الدور الكبير الذي تقوم به في الحد من البطالة والتخفيف من الفقر سواء للحرفيين أو العاملين في بيعها وشرائها حيث أصبحت تستخدم هذه الصناعات عند كثير من الناس كزينة، على اعتبار أنها جزء من تاريخنا التراثي العربي ، بعد أن كانت تمثل هذه الصناعات الصغيرة التقليدية من أهم الحاجيات الضرورية المرتبطة بالحياة اليومية للانسان اليمني منذ استخدم الإنسان الأحجار في صناعة الأواني الحجرية وصناعة السلاح والسكاكين وكل ما يحتاج إليه في عصور ما قبل التاريخ. أيضاً بسبب التحول نحو السوق الحر الأمر الذي يسمح بدخول الكثير من المنتجات والسلع الصناعية الحرفية المستوردة من العديد من دول العالم وبأسعار منافسة بالرغم أنها أقل جودة إلا أنها وجدت لها رواجاً واسعاً في السوق اليمنية في الوقت الذي مازالت الصناعات الحرفية اليمنية تعتمد على ذات الآلات والمعدات القديمة. الصناعات الصغيرة قديماً تحدثنا كتب التاريخ وتؤكد لنا بأنه ليس هناك كبلاد اليمن متوفرة بها المواد الخام وخاصة معادن الذهب والفضة والرصاص وتؤكد كتب التاريخ أيضاِ بأنه إلى جانب الذهب والفضة كان اليمنيون يستخرجون معادن الحديد والنحاس والرصاص الأسود حيث عرف الحديد والرصاص في بلدانهم وعرف أيضاً في جبل نقم وكانت حمير تصنع من الحديد السيوف الحميرية وكذلك عرف الحديد في بلاد برط أماالنحاس والفضة فقد عرف في ذمار والنحاس الأحمر في البيضاء وكذلك وجدت العديد من المعادن في الكثير من المناطق اليمنية.. مما يعني أن الانسان اليمني قد عرف قديماً مختلف المعادن واستخدمها في الكثير من الصناعات الضرورية ، كما أن كتب اليونان والرومان قد تحدثت عما يملكه السبئيون في بلاد اليمن من أثاث وحلي مصنوعة من الذهب والفضة يصعب وصفها، ولعل ما ذكره المؤرخ أبو الحسن الهمداني في كتابه الجوهرتين العتيقتين عن منجم «الرصاص» في منطقة نهم ونتائج الدراسة الأثرية على الكربون المشع والتي أكدت أن المنجم استخدم ما بين القرنين السادس عشر والتاسع عشر الأمر الذي يؤكد بما لايدع مجالاً للشك أن اليمنيين هم أول من استخرج الفضة، مما يعني أنهم أيضاً أول من استخدمها وطوعها لخدمة الانسان. كما أن موقع اليمن الجغرافي المتميز والمطل على طريق التجارة جعل منها سوقاً رئيساً لتصدير الفضة والأحجار الكريمة وغيرها من المشغولات اليدوية إلى أوروبا وغيرها من أصقاع العالم مما زاد من الإقبال على المصنوعات والمنتجات اليمنية الراقية ، ولعل الكتابات الرومانية التي يرجع تاريخها إلى القرن السابع عشر الميلادي وتتحدث عن مناجم الفضة في اليمن التي تغيب بها النصوص الاشورية واعتبرت الفضة مصدراً للقوة يمكن أن تحل العديد من المشاكل والأزمات الطارئة وخصوصاً عند النساء التي كن يكتنزن الذهب والفضة لارتدائها في المناسبات حتى أصبحت وسيلة هامة لاجتذاب اهتمام الرجال والتفاخر فيما بينهن. ارتباط وثيق ولعل التلازم الوثيق والترابط الأزلي منذ القدم بين صناعة الحلي والملابس التقليدية والأزياء الشعبية التي شكل علاقة ثنائية وأضحى كل منهما مكملاً للآخر.. لتظهر بالشكل الجميل والأنيق المجمل للشخصية الاجتماعية المرتبطة بالعادات والتقاليد السائدة في المجتمع والمعتقدات السائدة. وكان لاهتمام الانسان اليمني بالجانب الجمالي وعنايته الفائقة بمظهره وبما يرتديه من ألبسة وماتطرز به من نقشات وزخارف جعلت من الأزياء الشعبية مجالاً مفتوحاً وواسعاً للابداع اليماني ، فاختلفت ازياء الساحل عن أزياء الجبل والسهل عن الوادي ، فظهرت أشكال عديدة طابعها الجمالي اليمني المميز.. والتي طرزتها أنامل يمانية لتظهر في أروع لوحة فنية جمعت فيها أجمل وأزهى الألوان الابداعية، رسم زخارفها وحك نقوشها أنامل مبدع يمني، جعلت من يحملها على صدره أويغطي بها جسمه يتأمل حكاية هذه اللوحة مع هذا الصانع، وحكاية الإبداع الفني الذي يرافقه دوماً ولعل مازاد من روعة وجمال هذه الأزياء الشعبية وخصوصاً أزياء الرجال ذلك العسيب المطرز بالخيوط الذهبية والمنسوجة بطريقة ابداعية وفنية ساحرة والجنبية ذات النصل اليماني الشهير والموسمة بأقراص الذهب أو الفضة والتي أصبحت إحدى العلامات البارزة والمميزة في المجتمع اليمني، والتي تلبس بشكل كبير.. في المناسبات والأعياد الخاصة وتختلف جودة الجنابي من نوع إلىو آخر طبقاً لنوع النصل والقرون المستخدمة في صناعة المقبض. تنوع الصناعات التقليدية الأعمال اليدوية كثيرة ومتنوعة تنوع جبال وسهول اليمن، والحرفيون اليمنيون كثيرون وفي مختلف المناطق اليمنية، ولعل ما يدعو إلى التأمل أن كل نوع من هذه الحرف والصناعات اليدوية كانت تمارس من قبل أسر معينة أو في مناطق معينة ظلت تتوارثها جيلاً بعد جيل إلى وقتنا الحاضر، فمثلاً تتميز محافظة حجة بعدة صناعات يدوية كصناعة الكوافي المصنوعة من الخيزران والتي تعتبر من أهم الصناعات التقليدية التي تتميز بها محافظة حجة، وهي مصنوعات ثمينة جداً قد يصل سعر بعضها أحياناً إلى أكثر من ثلاثين ألف ريال وذلك بحسب دقة وجودة الصناعة، أيضاً تشتهر حجة بصناعة الظل وهي صناعة يدوية تقي صاحبها حر الشمس خاصة أثناء العمل في الحقول، وهي قبعة دائرية تصنع من سعف النخيل، كذلك اشتهرت محافظة حجة واليمن بشكل عام منذ القدم بصناعة الفخار والذي مازال يستخدم حتى اليوم، وهناك صناعة المكاييل الخاصة بوزن الحبوب بأقسامها المتعددة وقد عملت في هذه الحرفة أسرة الوصابي والتي مازالت تعمل حتى يومنا في صناعة المكاييل أما مدينة حيس في محافظة الحديدة فقد اشتهرت بصناعة الأواني الفخارية، أو مايسمى الحياسي نسبة إلى مدينة حيس وهي عبارة عن مدر تصنع من الطين بأشكال وأحجام مختلفة وتترك هذه الأواني في الهواء حتى تجف ثم تدهن بمادة الرصاص ليضفي عليها لمعاناً وبريقاً وهناك أيضاًصناعة الحراضي الحجرية والتي تشتهر بها منطقة رازح بمحافظة صعدة وكذلك محافظة حجة، تصنع في مديرية قارة ووشحة، وهي أوان حجرية غالية الثمن تستخرج أحجارها من قمم الجبال في تلك المناطق، يتم تكسير هذه الأحجار إلى أجسام صغيرة ثم تنحت بطريقة فنية رائعة بعدة أشكال كمايتم نحتها بشكل سلاسل حجرية تستخدم للزينة وتعلق على أبواب المنازل ولعل المتجول في أسواق صنعاء القديمة يلاحظ النشاط الكبير للحرفيين اليمنيين الذين شكل كل أصحاب صناعة معينة ونشاط معين سوقاً خاصاً بهم، فهناك سوق الحدادة وكذلك سوق الجلد، وأيضاً سوق المدر، أيضاً الحرفيون العاملون بصناعة العقيق اليماني مثلاً اتخذوا حالياً السماسر مقراً لصناعة وتسويق العقيق اليماني الشهير بعد أن تم إنشاء مركز للحفاظ على الحرف والصناعات اليدوية بسمسرة النحاس التي أصبح يعول الكثير من هذا المركز في حماية وتطوير هذه المشغولات والصناعات اليدوية لتظل علامة بارزة على صناعة الجمال الروحي مستمداً الفكرة من الطبيعة الخلابة للبيئة اليمنية ومستوحاة من خياله للعشق الأبدي لكل مايربطه بالجمال ومن زقاق إلى آخر في صنعاء القديمة تشاهد تجمعاً آخر وحرفاً أخرى فالحدادون موجودون بقوة استمدوها من خصبة الأرض اليمنية التي تحتاج إلى أدوات الحراثة فأذاب الانسان اليمني الحديد ليعيد تشكيله إلى أدوات زراعية مختلفة لحراثة هذه الأرض فصنعوا المحاجين والسكاكين والمطارق وغيرها بطرق يدوية في غاية الإبداع والجمال والمتانة ومن سوق إلى آخر تشاهد الكثير مما لا يخطر على البال كما أن ما يدعو إلى التعجب والاندهاش هي جمال وروعة تلك العقود النصف دائرية والتي تزين بها مباني مدينة صنعاء القديمة، حيث لا يكاد يخلو منزل من هذا العقد الأنيق ، القمرية المصنوع من الجص الأبيض بسمك «5» سم تقريباً والذي يحفر بعد أن يجف بأداة حادة حتى تخترق الجهة الخلفية للعقد مرة أخرى وتركه حتى يجف ثم تحفر فتحات موازية للفتحات الأولى وتترك حتى يجف وماتزين بها المنازل من الداخل من رسم بهذه المادة وبتشكيلات فاقت مراحل الإبداع الفني لتصل إلى مراحل السحر والخيال. اتحاد للجمعيات الحرفية وكما هو معلوم أن هناك اليوم العديد من الجمعيات والمؤسسات الخاصة بالصناعات الحرفية والتي تعمل بقدر استطاعتها على تدريب وتأهيل الحرفيين وتوفير المستلزمات الخاصة بهم من أدوات ومعدات، وتعمل كذلك على ترويج منتجاتهم الحرفية وتشارك كذلك في المعارض الترويجية داخل اليمن وخارجها من أجل التعريف بهذه الصناعات التراثية التقليدية، ومن أجل إيجاد أسواق لها، ومن هذه الجمعيات والمؤسسات الحرفية مؤسسة «بيتنا» للتنمية والتراث والتي تديرها الأستاذة أمة الرزاق جحاف حيث تقوم هذه المؤسسة على رفع وتنمية قدرات المرأة الفنية والمهنية حتى تكتسب حرفة معينة تعينها على مواجهة ظروف المعيشة، وهناك العديد من الجمعيات والمؤسسات الأخرى التي تقوم بالدور ذاته وذلك في إطار جهود منظمات المجتمع المدني المكملة لجهود الحكومة في رفع المستوى الاقتصادي والمعيشي للمجتمع. جهود كبيرة وحالياً تسعى وزارة الصناعة والتجارة لإنشاء الاتحاد العام للجمعيات الحرفية كما أوضح الأخ فارس عبدالله حزام مدير عام الجمعيات الحرفية بالوزارة وذلك في إطار سعي الوزارة إلى لم شمل الجمعيات الحرفية في كيان واحد يكون مسئولاً عن مستوى تطور هذه الصناعات الصغيرة، كما تقوم الوزارة هذه الأيام بالتحضير لعقد الملتقى الرابع للصناعات الصغيرة والمتوسطة والذي ستحتضنه العاصمة صنعاء في الخامس والعشرين من الشهر الجاري، حيث ستنظمه وزارة الصناعة والتجارة بالتعاون مع الهيئة العربية للتنمية الصناعية والبنك الإسلامي للتنمية وبمشاركة عربية واسعة وكذلك بمشاركة العديد من المنظمات والهيئات الدولية وكل هذا في إطار اهتمام الحكومة بالصناعات الصغيرة.. والصناعات الحرفية باعتبارها من أهم وأبرز الركائز الاقتصادية الأساسية والتي تعول عليها الحكومة في الارتقاء بالاقتصاد الوطني والحد من البطالة والتخفيف من الفقر.