الصناعات الصغيرة والأصغر تعتبر من أهم وأبرز العوامل الفاعلة للارتقاء بالاقتصاد الوطني والقضاء على البطالة وكذلك الوسيلة المثلى في التخفيف من الفقر والحد من البطالة خصوصاً في دولة نامية كبلادنا .. خاصة إذا ما عرفنا أن الصناعات الصغيرة في اليمن تمثل أكثر من 95% من إجمالي عدد المنشآت الصناعية ويعمل فيها حوالي 42% من إجمالي عدد المشتغلين في قطاع الصناعات التحويلية. وبحسب المعلومات فإن أعداد خريجي الجامعات اليمنية في تزايد بشكل دائم كل عام ومع ذلك يعانون من البطالة لعدم ملاءمة التخصصات والمناهج الدراسية في العديد من الجامعات اليمنية مع متطلبات واحتياجات التنمية وهو الأمر الذي دفع بالكثير من خريجي الثانوية العامة خلال السنوت القليلة الماضية نحو التعليم الفني والتدريب المهني لاكتساب العديد من المهارات والمعارف التقنية والفنية والمهنية لمواكبة التطورات المتسارعة لسوق العمل وكذلك لتلبية متطلبات واحتياجات التنمية من خلال الالتحاق مع القطاع الخاص أو فتح منشأة صغيرة لمزاولة المهنة أو الحرفة التي اكتسبها من خلال التحاقه بالتعليم الفني والتدريب المهني دون الركون إلى الفرص الوظيفية التي توفرها الحكومة. صناعات يدوية وكما هو معروف فإن معظم هذه الصناعات الصغيرة هي الصناعات الحرفية اليدوية والتقليدية والتي توارثها الحرفي اليمني جيلاً عن جيل وأبدع فيها الحرفيون اليمنيون بشكل كبير وأوجدت لها مكانة رفيعة في الأسواق العالمية ، ساعد الحرفي اليمني على ذلك الإبداع توفر المواد الخام المختلفة في مختلف المناطق والمحافظات اليمنية ، وهو الأمر الذي جعل كل منطقة تشتهر بحرفة معينة وذلك بحسب ما تتوفر من المواد الخام الطبيعية لكل منطقة من المناطق اليمنية وغيرها من العوامل والمقومات المساعدة الأخرى والمتمثلة في الموهبة والحس الفني الرفيع لدى الإنسان اليمني الذي أبدع كثيراً في فن الصناعات الحرفية اليدوية والتي نتج عنها أعمال ومشغولات يدوية تقليدية تعتبر في غاية الجمال والروعة. ولعل الكم الكبير والهائل من الحرف والمشغولات اليدوية التي رسمتها أنامل الإنسان اليمني الذي توارث حرفة الصناعات اليدوية منذ القدم ، وجعلت منه العامل الأساسي في الحفاظ على هذه الثروة التاريخية والتراثية والشعبية العظيمة بصورتها الأصلية والمتلائمة مع متطلبات حياته. حرف مهددة بالاندثار أما اليوم فنلاحظ أن الكثير من هذه الصناعات الحرفية والإبداعية مهددة بالاندثار رغم الدور الكبير الذي تقوم به في الحد من البطالة والتخفيف من الفقر سواء للحرفيين أو العاملين في بيعها وشرائها ، حيث أصبحت تستخدم هذه الصناعات عند كثير من الناس كزينة ، على اعتبار أنها جزء من تاريخنا التراثي العريق بعد أن كانت تمثل هذه الصناعات الصغيرة التقليدية من أهم الحاجيات الضرورية المرتبطة بالحياة اليومية للإنسان اليمني منذ استخدم الإنسان الحجر في صناعة مختلف الأواني التي يحتاج إليها في عصور ما قبل التاريخ. أيضاً بسبب التحول نحو السوق الحر ، الأمر الذي سمح بدخول الكثير من المنتجات والسلع الصناعية الحرفية المستوردة من العديد من دول العالم وبأسعار منافسة ، بالرغم أنها أقل جودة إلا أنها وجدت لها رواجاً واسعاً في السوق اليمنية ، في الوقت الذي مازالت الصناعات الحرفية اليمنية تعتمد على ذات الآلات والمعدات القديمة. الصناعات القديمة تحدثنا كتب التاريخ وتؤكد لنا بأنه ليس هناك مناطق في اليمن تتوفر بها المواد الخام وخاصة معادن الذهب والفضة والرصاص ، وتؤكد كتب التاريخ أيضاً بأنه إلى جانب الذهب والفضة كان اليمنيون يستخرجون معادن الحديد والنحاس والرصاص الأسود ، حيث عرف الحديد والرصاص في بلدانهم وعرف أيضاً في جبل نقم وكانت حمير تصنع من الحديد السيوف الحميرية وكذلك عرف الحديد في بلاد برط أما النحاس والفضة فقد عرف في ذمار والنحاس الأحمر في البيضاء ، وكذلك وجدت العديد من المعادن في الكثير من المناطق اليمنية ، مما يعني أن الإنسان اليمني قد عرف قديماً مختلف المعادن واستخدمها في الكثير من الصناعات الضرورية ، كما أن كتب اليونان والرومان قد تحدثت عما يملكه السبئيون في بلاد اليمن من أثاث وحلي مصنوعة من الذهب والفضة يصعب وصفها ، ولعل ما ذكره المؤرخ أبو الحسن الهمداني في كتابه الجوهرتين العتيقتين عن منجم «الرضراض» في منطقة نهم ونتائج الدراسة الأثرية على الكربون المشع والتي أكدت أن المنجم استخدم مابين القرنين السادس عشر والتاسع عشر الأمر الذي يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن اليمنيين هم أول من استخرج الفضة ، مما يعني أنهم أيضاً أول من استخدمها وطوعها لخدمة الإنسان. كما أن موقع اليمن الجغرافي المتميز والمطل على طريق التجارة جعل منها سوقاً رئيسياً لتصدير الفضة والأحجار الكريمة وغيرها من المشغولات اليدوية إلى أوروبا وغيرها من أصقاع العالم مما زاد من الإقبال على المصنوعات والمنتجات اليمنية الراقية ، ولعل الكتابات الرومانية التي يرجع تاريخها إلى القرن السابع عشر الميلادي وتتحدث عن مناجم الفضة في اليمن التي تغيب بها النصوص الآشورية اعتبرت الفضة مصدراً للقوة يمكن أن تحل العديد من المشاكل والأزمات الطارئة وخصوصاً عند النساء التي كن يكتنزن الذهب والفضة لارتدائها في المناسبات حتى أصبحت وسيلة هامة لاجتذاب اهتمام الرجال والتفاخر فيما بينهن. ارتباط وثيق ولعل التلازم الوثيق والترابط الأزلي منذ القدم بين صناعة الحلي والملابس التقليدية والأزياء الشعبية التي تشكل علاقة ثنائية ،أضحى كل منهما مكملاً للآخر لتظهر بالشكل الجميل والأنيق الجميل للشخصية الاجتماعية المرتبطة بالعادات والتقاليد السائدة في المجتمع والمعتقدات السائدة. الاهتمام بالجانب الجمالي وكان لاهتمام الإنسان اليمني بالجانب الجمالي والعناية الفائقة بمظهره وبما يرتديه من ألبسة وما تطرز به من نقشات وزخارف جعلت من الأزياء الشعبية مجالاً مفتوحاً وواسعاً للإبداع اليماني ، فاختلفت أزياء الساحل عن أزياء الجبل والسهل عن الوادي ، فظهرت أشكال عديدة وأنواع مختلفة في أشكالها وأنواعها من منطقة إلى أخرى ، لكنها في مجملها تتفق بطابعها الجمالي اليمني المميز ، والتي طرزتها أنامل يمانية لتظهر في أروع لوحة فنية جمعت فيها أجمل وأزهى الألوان الإبداعية ، ورسم زخارفها وحك نقوشها أنامل مبدع يمني وجعلت من يحملها على صدره أو يغطي بها جسمه يتأمل حكاية هذه اللوحة مع هذا الصانع أو حكاية الإبداع الفني الذي يرافقه دوماً ولعل ما زاد من روعة وجمال هذه الأزياء الشعبية وخصوصاً أزياء الرجال ذلك العسيب المطرز بالخيوط الذهبية والمنسوجة بطريقة إبداعية وفنية ساعدة والجنبية ذات النصل اليماني الشهير والموسمة بأقراص الذهب أو الفضة والتي أصبحت إحدى العلامات البارزة والمميزة في المجتمع اليمني والتي تلبس بشكل كبير بالمناسبات والأعياد الخاصة وتختلف جودة الجنابي من نوع إلى آخر طبقاً لنوع النصل والقرون المستخدمة في صناعة المقبض. تنوع الصناعات التقليدية الأعمال اليدوية كثيرة ومتنوعة تنوع جبال وسهول اليمن، والحرفيون اليمنيون كثيرون وفي مختلف المناطق اليمنية ، ولعل ما يدعو إلى التأمل أن كل نوع من هذه الحرف والصناعات اليدوية كانت تمارس من قبل أسر معينة أو في مناطق معينة ظلت تتوارثها جيل بعد جيل إلى وقتنا الحاضر ، فمثلاً تتميز محافظة حجة بعدة صناعات يدوية كصناعة الكوافي المصنوعة من الخيزران والتي تعتبر من أهم الصناعات التقليدية التي تتميز بها محافظة حجة وهي مصنوعات ثمينة جداً قد يصل سعر بعضها أحياناً إلى أكثر من ثلاثين ألف ريال وذلك بحسب دقة وجودة الصناعة. منتجات متنوعة أيضاً تشتهر حجة بصناعة الظل وهي صناعة يدوية صاحبها حر الشمس خاصة أثناء العمل في الحقول ، وهي قبعة تصنع من سعف النخيل وكذلك اشتهرت محافظة حجةواليمن بشكل عام منذ القدم بصناعة الفخار والذي مازال يستخدم حتى اليوم ، وهناك صناعة المكاييل الخاصة بوزن الحبوب بأقسامها المتعددة ، وقد عملت في هذه الحرفة أسرة الوصابي والتي مازالت تعمل حتى يومنا في صناعة المكاييل. أما مدينة حيس في محافظة الحديدة فقد اشتهرت بصناعة الأواني الفخارية ، أو ما يسمى الحياسي نسبة إلى مدينة حيس وهي عبارة عن مدر تصنع من الطين بأشكال وأحجام مختلفة ، وتترك هذه الأواني في الهواء حتى تجف ثم تدهن بمادة الرصاص ليضفي عليها لمعاناً وبريقاً وهناك أيضاً صناعة الحراضي الحجرية والتي تشتهر بها منطقة رازح محافظة صعدة وكذلك محافظة حجة ، وتصنع في مديرية قارة ووشحة ، وهي أوان حجرية غالية الثمن وتستخرج أحجارها من قمم الجبال في تلك المناطق ، ويتم تكسير هذه الأحجار إلى أقسام صغيرة ثم تنحت بطريقة فنية رائعة بعدة أشكال .. كما يتم نحتها بشكل سلاسل حجرية تستخدم للزينة وتعلق على أبواب المنازل ولعل المتجول في أسواق صنعاء القديمة يلاحظ النشاط الكبير للحرفيين اليمنيين الذين شكل كل أصحاب صناعة معينة ونشاط معين سوقاً خاصاً بهم . فهناك سوق الحدادة وسوق الجلد أسوق المدر أيضاً الحرفيون العاملون بصناعة العقيق اليماني مثلاً اتخذوا حالياً السماسر مقراً لصناعة وتسويق العقيق اليماني الشهير ، بعد أن تم إنشاء مركز للحفاظ على الحرف والصناعات اليدوية لتظل علامة بارزة على صناعة الجمال الروحي مستمداً الفكرة من الطبيعة الخلابة للبيئة اليمنية ومستوحاة من خياله للعشق الأبدي لكل ما يربطه بالجمال ومن زقاق إلى آخر في صنعاء القديمة تشاهد تجمعاً آخر وحرفاً أخرى فالحدادون موجودون بقوة استمدوها من خصوبة الأرض اليمنية التي تحتاج إلى أدوات الحراثة فأذاب الإنسان اليمني الحديد ليعيد تشكيله إلى أدوات زراعية مختلفة لحراثة هذه الأرض ، فصنعوا المحاجين والسكاكين والمطارق وغيرها بطرق يدوية في غاية الإبداع والجمال والمتانة. ومن سوق إلى آخر تشاهد الكثير مما لم يخطر على البال كما أن ما يدعو إلى التعجب والاندهاش هو جمال وروعة تلك العقود النصف دائرية والتي تزين بها مباني مدينة صنعاء القديمة حيث لايكاد يخلو منزل من هذا العقد الأنيق «القمرية» المصنوع من الجص الأبيض بسمك (5) سم تقريباً والذي يحفر بعد أن يجف بأداة حادة حتى تخترق الجهة الخلفية للعقد مرة أخرى وتركه حتى يجف ثم تحفر فتحات موازية للفتحات الأولى وتترك حتى يجف وما تزين بها المنازل من الداخل من رسم بهذه المادة وبتشكيلات فاقت مراحل الإبداع الفني لتصل إلى مراحل السحر والخيال. اتحاد الجمعيات الحرفية أواخر الشهر الماضي تم تأسيس اتحاد للجمعيات الحرفية والصناعات الصغيرة والذي يضم أكثر من خمسين جمعية عاملة في هذا المجال في بداية التأسيس من أمانة العاصمة ومحافظات عدن وتعز وحضرموت والحديدة وشبوة والمحويت وعمران وهو الأمر الذي يعلق عليه الحرفيون كثيراً في انتشالهم من الوضع الذي يعانون منه نتيجة عدم وجود كيان موحد يضمهم ويرتب أوضاعهم.. الدكتورة أمة الرزاق علي حمد وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل اعتبرت أن تأسيس اتحاد للجمعيات الحرفية والصناعات الصغيرة عمل نوعي وسيعمل على تطوير العمل الحرفي وتحسين أوضاع. منتسبي مختلف الجمعيات الحرفية والرفع من قدراتهم ومهاراتهم الفنية .. واشارت أن الجمعيات الحرفية والتي وصل عددها إلى أكثر من مائة جمعية حرفية وصناعات صغيرة أصبحت من المشاركين في رسم الخطط والاستراتيجيات التنموية وتقوم بدور مهم وفعال في تنفيذ تلك الخطط والاستراتيجيات.. وزير الصناعة والتجارة الدكتور يحيى بن يحيى المتوكل أكد من جانبه أهمية الدور الذي تلعبه الجمعيات الحرفية في الحد من البطالة وفي الحفاظ على الموروث اليمني ومشدداً في الوقت ذاته على أهمية توسيع الاتحاد ليضم مختلف الجمعيات الحرفية وجمعيات الصناعات الصغيرة في مختلف محافظات الجمهورية.. خاصة أن هناك العديد من الجمعيات والمؤسسات العاملة في مجال الصناعات الحرفية والتي تعمل بقدر استطاعتها على تدريب وتأهيل الحرفيين ، وتوفير المستلزمات الخاصة بهم من أدوات ومعدات وتعمل كذلك على ترويج منتجاتهم الحرفية وتشارك كذلك في المعارض الترويجية داخل اليمن وخارجها من أجل التعريف بهذه الصناعات التراثية التقليدية ، ومن أجل ايجاد أسواق لها غير أن كل ذلك يتم بشكل عشوائي ولذلك من المؤمل أن ينظم كل ذلك الاتحاد الوليد.