لا تقترب خطر الموت أغوص في جسد المدينة أبحث عنها ، منذ زمن ... صباح الخير يا وطن .. بعد ليل كموج البحر أرخى سدوله ... فهل الإصباح منه بأمثل ... صباح الخير يا هامات السرو الممتلئة بماء الوطن وعصافيره ... هل النهار يمر أليفا ؟؟!! أسير باتجاه يتقاطع مع خطوط الرصاص ... الشوارع شبه مقفرة كأنها شجرة مصعوقة .. وطعم القهوة ما زال مرا ولذيذا في دمي ... صباح الخير يا غزة ، ياعِزة ... هذا نشيد الشهداء ... غزة ياغزتنا يا معمرة بالشهداء ... صور الشهداء تصرخ : أفسحوا الطريق للوطن ليرتشف من ينبوع الحياة ... قف لا تتقدم خطر ... الموت قادم من ست جهات ،إلا جهة واحدة ! الشارع ممتد وطويل ... الموت يفتح ذراعيه كصديق حميم ... الموت يحتضن قلوبنا ، يعصرها ، يكمشها ... ما الفرق ؟؟!! هناك شارع عمر المختار ، وهنا شارع عمر المختار ... غزة يا عِزة ... ما الفرق ؟؟!! السماء فارغ ... و المدافع الثقيلة في إجازة !! البحر أمامنا و العدو خلفنا ... هل نحن مستعدون للهرب نحو عدونا من بحرنا ؟!!! إذا كنتم أعداء ألف بين أعدائكم !!! أصر أن لي صديقة في انتظاري ...أصر على الوصول ... أتعثر ، أحبو ، أتدحرج ، أمشي أنبطح ، أقف ، أزحف ، أستيقظ ، أنام أموت ، وأصر في موتي على الوصول ... ومن الحب ما قتل ... الحب غصن قد تكسره قطرات الندى ... فلن أبقى أشقى هاربا بالضوء إلى الملاجئ ... لن يطفئ النزيف حلمي ... توزعت أوردة لا تروي العاشق ... الدم أحمر الجرح أحمر الورد أحمر الأفق أحمر العشق أحمر و الوطن بلا لون !! أيها اللون الأحمر ، يا سيد الألوان امنح هذا الوطن لونا ليكون له صهوة ... أيها الرصاص ، امنحني لحظة لأنقل خطوتي إلى الأمام أو الوراء ، دعني يا غبي أستدير و إلا أمرت دمي أن يقبلك على شفتيك ... لن أصبح رهين المنافي و الأسفار أصر على ارتقاء العتبات التي تكاد أن تهوي ... أصغي لوهج لا يرى ... غزة يا غزتنا يا معمرة بالثوار ... أصر أن أبحث عن شيء أسميه الوطن ، لأعرف من سيكون الوطن ... هل عرفتني يا وطن ؟؟ أنا وطن منهك .. شاخت لغتي ... شاخت عواطفي ... أربعون حولا ... مئة حول ... هي قريبة و أنا بعيد ، هي بعيدة وأنا بعيد !! هل الهواء يحجب صورة الموت ... امنحني خطوة هي أمامي أراها بكل حواسي لماذا لا تأتي إلي ؟ هل سئمتيني ... والله ما سئمت بحرك الأزرق ولا طائر الدوري المحلق في سماء عينيك الهائلتين ... أنا لا أخاف الموت ، أنا أكذب على نفسي ... لا تتحسس الموت كي تشعر بالحياة لا تفكر في قدمك كي تشعر بالخطوة الموت يحيط بك آه لو استدار إليك الموت ... إياك و الهروب آه لو ربتت على قلبك فتاة تمتشق مدفعا رشاشا يفضحني ظلي ... ألتصق بجدار الوطن كمسمار ... كيف يمكن أن تسمع صرختي ... الكل جاهز ليكون الضحية ... ونستمر في البحث عن وطن يأوي جذورنا المنفية ... غزة يا عزة ... تنظر إلّي... تستصرخني ... المسافة قريبة ، لكنها ممطوطة و مثقوبة ... يا صقر فلسطين امنحني فضاءك يا حجر وطني امنحني مكانك لا أريد أسطورة ... ألا ترها ... وهي تلوح لي ، وتمد هامتها تظهر تتلاشى ... أشرع قلبي أسير على ماء ولكن ليس إليك ولا أصل ... مات الجمر من دفق الدم ... أقليل من الدم يجعل الوطن قبيح ؟ نعم ... أكثير من الدم يجعل الوطن جميل ؟ نعم ... قالت : ما أجمل أن ترسمني على حجر بفحم أصابعك ، ثم تمضي ، تأخذي إلى مخدعك وحيدا وتنام !! وطني يا صحراء ... وطني يا دماء... وطني يا شهداء ... وطني يا ماء... وطني بلا وطن ... أتقصفون عرش زهرة ... فقر ، شهداء ، أنصاف شهداء ، بطاقات تموين ، رصاص ، سجناء ، صبايا ، مراهقون ، جنون في عدالة عدالة في جنون ... الحكمة إلى الوراء... الجرح يتسع ... مستمر نحوك رغم أنفي غزة يا غزتنا يا أم الليمون و البرتقال ... ما الفرق بين اللقاء هنا أو اللقاء هناك ؟؟!! هل نلتقي حين يعبر الموت ؟؟ بإمكانك أن تأخذيني من جنوني ... فأنا طفل أتعبه السفر ... الوطن لم يعد صالحا للموت ... الوطن لم يعد صالحا للحياة ... شكرا للنخيل الشامخ وسط الحريق ... شكرا لسيدة تعد طعام أطفالها و تداري جرح الوطن ... شكرا لتلميذ يدوس فوق حجب الشمس ... يفرد ذراعيه هكذا ... يحمل حقيبة فيها خريطة و نهرا و مسدسا ... يدير الكرة الأرضية على إصبعه ، ثم يلقفها لزميله و يضحك ، ويهوي بنعله على مجنون يلتصق بجدار مدرسته ،يعلن أن القتل هواية ... حريق في زوايا الوطن .. أرق يصيب المطر و الشجر و القمر ... الهواء كثيف مثل الصدأ ... أحاول أن أقتلع قدمي من وحل هائل ... جميل ، قل لهم يا جميل ، كم رصاصة اخترقت جسدك ؟ عدنان ، بالله عليك ، أخبرهم كم شظية مزقت جسدك ، في مخيمات السبعين ، وأنت تحمل وطنك وتزحف به تحت صدر الليل ؟؟ وأنت يا عدن ، كيف حالك بعد مئة عام في الركن الرطب ؟ وأنت ترى كيف يكون القتل فعلا بطيئا منتظما متدرجا وهم يصبون سياطهم على ظهرك ، رأسك ، بين ساقيك ، والموت يدنو منك ، يأخذك يغص بك ، ويقذف بك في الركن الرطب ، مئة ألف عام انسحبت من بين أحشائك ، إياكم أن تخدشوا حلم عدن ، لا تنظروا إلى أعضائه وبخاصة عينيه ، لن تسرقوا كنزه المدفون في صدر محكم الإغلاق ليس بمقدور أحد أن يفعل ذلك ، فهو من خصوصياته الحميمة ... أحبك يا عدن ، أخشع عند نعليك ، وأنت يا جميل ، عدن ، الدم تحت لسانك عنيفا تبتلعه لذيذا ليأخذك إلى دفق الحياة يا شارع عمر المختار تعلم من جميل الجميل ... اسمحو لجميل وعدنان وعدن أن يصلوا إلى بداية حلمهم أو نهايته لن يهشم الحلم وينثر ... دعوني أمر بحلمي إلى حلمي ... يا أبراج غزة ، هناك أسلاك شائكة ، هدير عرباتهم ضحكات شامتة ، يرتد صدها فولاذا في صدري ... أعود إلى جميل ، كان صديقي في الثانوية ، درسنا معا في مدرسة الكرمل ،وأطللنا على الوطن من فوق قمة الكرمل ، فرسم جميل خارطة الوطن ، وأخطأ في تحديد أمكنة المدن ، فوضع غزة مكان يافا، ووضع نابلس مكان صفد ، وعندما نبهته للخطأ ، ضحك ، ضحكة صافية .... ليس خطأ فالوطن واحد ، الوطن واحد لا فرق بين وبين ... الله عليك ياجميل وضعت صيغة لفكرة عجز عنها كل العرب منذ اغتيال الخليفة عثمان . حين ركض الدم في بدنك يا جميل ... الدم ينز من بدنك يا جميل ، الماء ينز من حلمك يا جميل ، حلمك يرسم ورودا وأشجارا وعصافير ، ووطنا واحدا ويوم بصم الدم ليظهر جوفك المتمرد ... الدم صرخ: الوطن واحد هنا شارع عمر المختار و بعد متر شارع عمر المختار وقبل متر شارع عمر المختار كم شارع في الشارع ، كم مختار في الشارع ؟ وجميل واحد ... اقتلعت قدمي ما زالت في الهواء معلقة ، تنتظر أن أضعها للخطوة التالية... لا تقترب خطر الموت !!!!!!!!!! جميل ، أسمعني صرختك ...... لا أحد يقترب من حلمي ، التوقيع : جميل بقلم : محمود عبد الرحمن حسونة ( أبو فيصل ) دنيا الوطن