حصلت الممثلة الأسترالية كيت بلانشيت على أوسكار أفضل ممثلة عن دورها في فيلم (ياسمين أزرق) للمخرج وودي آلن يوم الأحد الماضي، واستحقت بلانشيت هذه الجائزة للدور المركب الذي قدمته من خلال شخصيتي جاسمين (ياسمين) وجانيت، وهما اسمان لهما حاجتهما في الوقت الذي تحدده، حسب مصلحتها وتطلعاتها، امرأة تواطأت بشكل غير مباشر على اختلاسات زوجها هال الذي أدى دوره (أليك بالدوين)، وغضت البصر عن خياناته المتتالية التي كانت تنتهي بهدية ثمينة لها، وانهار كل شيء عندما تحولت علاقة زوجها مع امرأة عشرينية فرنسية الى علاقة حب، هنا انتفضت جانيت أو ياسمين وقررت الانتقام، فكان الخاسر الوحيد مع كل هذا الصخب هي وحدها، وكان عليها بعد أن عانت الانهيار العصبي والتحدث إلى نفسها أمام الناس، اللجوء الى شقيقتها (جنجر) وهو اسم الزنجبيل، وكأن اختيار المخرج وهو كاتب سيناريو الفيلم للاسمين الإسقاط الأكبر على واقع أميركي يتحكم فيه الأثرياء على حساب الفقراء الطامحين إلى حياة أفضل. الفيلم الذي يعيد المشاهد مع حكاية ياسمين الى حياتها الماضية مع وقع كل جملة تثير فيها الذكرى في الوقت الحاضر، يبدأ معها وهي على متن طائرة متجهة من نيويوركمسقط اقامتها وحياتها السابقة المملوءة بالثراء الى سان فرانسيسكو مكان إقامة شقيقتها (جنجر) الفقيرة الحال، التي خسرت وطليقها حلمها الوحيد، عندما وثقت بزوج ياسمين وأعطته ما كسبته من ورقة يانصيب قيمتها 200 ألف دولار أميركي، المشهد في الطائرة كفيل بوضع اللمسات الأولى على شخصية ياسمين، فهي تتحدث إلى امرأة عجوز الى جانبها عن زواجها الناجح المملوء بالمغامرات والثراء والتسوق من أفضل المحالات في العالم، تحكي دون توقف حتى تخال أن علاقة وطيدة بينها وبين العجوز، لتتكشف أولى حياة ياسمين الجديدة بعد وصولهما، وهرب العجوز منها الى زوجها لتقول له «كنت أعتقد أنها تتحدث مع نفسها، وعندما قاطعتها لم تصمت طوال الرحلة»، اذاً نحن أمام امرأة تعاني حالة نفسية تجعلها تتحدث مع نفسها في أوقات متقطعة، استطاعت أن تحتفظ بحقيبة (برادا)، كأنها ارث تريد أن تحكي حياتها من خلاله، حقيبة لازمتها في كل مشاهدها اللاحقة، حتى عندما قررا بعد عناء العمل في عيادة طبيب أسنان كسكرتيرة. تصل ياسمين إلى منزل شقيقتها جنجر المتواضع الذي لا يتلاءم مع ملابسها وحقائبها من ماركة لويس فيتون، الشقيقتان اللتان تحملان اسماء لزهور، تعكسان المعنى المراد ايصاله، شقيقتان تم تمييز ياسمين حسب ما قالته جنجر بسبب ذكائها فهي التي درست علوم الأحياء ولم تكمل دراستها بسبب تعرفها على (هال)، أما جنجر التي عانت التمييز هربت من البيت مبكراً، وعاشت حياة العشوائيات، بين ملمس المخمل الذي يميز شخصية ياسمين وبين ملمس الجنجر المعروف بقسوته وبقباحة شكله، حكاية مجتمع كامل، يفصل بين الأثرياء فيه والفقراء، اللقاء بينهما أنذر بخط آخر في مجريات الأحداث، فجنجر وبساطتها وقبولها أن تكون الأضعف استقبلت ياسمين واستغنت عن خطتها في استقبال صديقها الجديد في بيتها على أمل مستقبل زواج ثانٍ ناجح، في المقابل ومع العودة مع ذكريات ياسمين، قصدتها يوماً جنجر في نيويورك، واستقبلتها وزوجها على مضض خوفاً من منظرهما الاجتماعي أمام الطبقة المخملية التي ينتمون لها، لكن (هال) استغل ضعف طليق جنجر الذي ربح اليانصيب، واعداً اياه بثروة قادمة لم تأت ابداً، بل اثرت في حياته مع جنجر، التي انتهت بطلاقهما. تفاصيل لابد من المرور بها، كي يتم استيعاب ما هو آت، فياسمين هذه المرة هي اللاجئة، لا تملك نقوداً ولا بيتاً، ولا عملاً، تملك بضع حقائب من ماركات عالمية، وملابس تتكرر في ايام وجودها في سان فرانسيسكو لا تتلاءم والحياة الجديدة، وحقيبة (برادا) لا تغادرها ابداً، تبدأ بالتذمر والشكوى من كل شيء، في حضرة جنجر التي لا تملك النقود الكافية التي تعيلها وطفليها، وخوفها من اعالة زائدة على كاهلها. المشاهد تمر بين حاضر ياسمين وماضيها الذي يتكشف لحظة بلحظة، مع مشاهد تصور ياسمين وهي تتحدث الى نفسها، خصوصاً عندما تتعرض لموقف يصدمها، نعرف من خلال ذكرياتها، أنها كانت تربي ابن زوجها وتعامله كابنها، هي المدللة لدى زوجها وأحلامها أوامر، تدرك أنه يخونها حتى مع صديقاتها، تواجهه ببرود فيجيب بالنكران، دائماً وابداً تغض البصر، لا يمكن التعاطف معها أبداً، حتى عندما تتحدث الى نفسها، فالمشاهد أدرك فوراً أن فيها كل الصفات السيئة بدءاً من كذبها المستمر، مروراً برضاها الخيانة مقابل سوار ماسي، وليس انتهاء بمعاملتها المتعالية على الناس الأقل منها مستوى وعلى رأسهم شقيقتها، باذخة ومصرفة، توقع على أوراق كثيرة يقدمها لها زوجها هال دون قراءتها، الأهم لديها أن تجني ثمن هذا التوقيع، الذي يكون عادة منزل أو رحلة تسوق في باريس، تعاني حالات نفسية كثيرة حتى وهي في كل هذا الثراء، تبتلع الحبوب المهدئة وتشرب الكحول دائماً، شخصية غريبة محطمة لذاتها مقابل حقيبة تتباهى بها أمام صديقاتها اللاتي يعلمن مغامرات زوجها المستمرة، ومع كل هذا لائمة لشقيقتها بفشل اختيارها للرجال، فهي تتهم صديق (جنجر) الجديد الذي يهيم حباً فيها بأنه فاشل مثل طليقها، الأهم لديها صورتها الاجتماعية، وكان ذلك على حساب عمل ساعات اضافية من قبل شقيقتها لتوفر لها ثمن زجاجة (الفودكا). كانت جانيت وأصبحت ياسمين جانيت وهي نفسها ياسمين، تكذب ايضاً في اسمها حسب الحالة والمصلحة، في سان فرانسيسكو قررت أن تكون ياسمين، لتبتعد عن ارتباط اسمها كجانيت بزوجها المختلس، تقرر بعد معاناة شقيقتها جنجر أن تعمل كي تستطيع تعلم الكمبيوتر الذي سيجعلها تتخصص في تصميم الديكور من خلال الدورات المجانية في مواقع الإنترنت، هنا يدرك المشاهد فعلاً أن ياسمين التي استغنت عن دراستها من أجل الثراء لا تفقه شيئاً حتى الكمبيوتر الذي يعرفه الصغار قبل الكبار، تعمل كسكرتيرة في عيادة طبيب يتحرش بها لاحقاً، وترفض رفع دعوى قضائية عليه كيلا تذهب الى المحكمة مرة أخرى وتعود بذكريات أليمة، في هذا الوقت تلبي دعوة زميلتها في معهد الكمبيوتر في حفلة تتأمل من خلالها التعرف إلى رجل ما ينشلها من كل هذا الضيق، والغريب أنها تنجح دائماً في استمالة الأثرياء بسبب طلتها الراقية التي توحي بمنبت مخملي الطبقة، لتبدأ كذبة جديدة مع رجل سياسة هذه المرة له طموحه في ترشيح نفسه للولاية يوماً ما، توهمه بأنها مصممة ديكور وكانت متزوجة من طبيب توفي نتيجة ذبحة صدرية، وأن وجودها هنا كي تبدأ مرحلة جديدة في حياتها، وهو فقد زوجته ايضاً وذاب حباً فيها من النظرة الأولى، وقرر الارتباط بها بعد أن اختبر ذوقها الرفيع وأحس أنها ستعينه في الحفلات السياسية والاجتماعية التي ستكون على عاتقة بعد ترشحه. التركيز على ياسمين في الفيلم مع أنها تمشي في خط متواز مع قصة شقيقتها جنجر التي انجرت هي الأخرى إلى عالمها وصادقت رجلاً ثرياً في الحفلة نفسها، لتكتشف أنه متزوج بعد ذلك فتعود الى رشدها وإلى حبيبها، هو التركيز على كشف شخصية ياسمين الحقيقية التي لا تقل عن شخصية زوجها (المختلس)، فالفساد في دمها يبدأ من كذبها وانسلاخها عن الواقع، الذي ينكشف في لحظة مصيرية بنت عليها أحلامها وآلامها بعد أن اوقعت ثرياً آخر، أمام متجر المجوهرات تحديداً، الذي قصدته وخطيبها الجديد لاختيار خاتم الزواج، وقبيل الوصول الى الباب يفاجئها طليق شقيقتها، يسلم عليها ويسألها عن ضميرها اذا ما كان مرتاحاً، مؤكداً أنه رأى ابنها (ابن زوجها) يعمل كمساعد مدير في محل لبيع الإسطوانات الموسيقية بعد أن ترك جامعة هارفرد، فيفاجأ الخطيب بأن لديها ابناً، ويضيف طليق شقيقتها حكايته مع زوجها الذي اختلس ماله وحلمه وانتحر، وهذه كذبة أخرى، ومع كل هذا ينتهي المشهد مع طليق شقيقتها وهو يقول «النسيان ليس سمة كل البشر، خصوصاً اذا كان الألم عنوانه»، فكانت هذه الجملة كفيلة بانهيار خططها مع الخطيب الجديد المخدوع بكل القصص التي قالتها عن نفسها، ومع كل هذا تصر ياسمين على دخول المتجر وكأن شيئاً لم يحدث، لكنها تفشل ويغادر الخطيب بعد أن أنزلها في منتصف الطريق. ترى ياسمين نفسها وهي أمام المحال الذي يعمل فيه ابنها بالتبني بعد أن ذكر عنوانه طليق شقيقتها، يواجهها قائلاً «كنت أعتقد أنك ضحية لكني علمت أنك شريكة في كل هذا، ومتواطئة»، لتعود آخر ذكرى لها عندما علمت بعلاقة زوجها مع فتاة فرنسية عشرينية في العمر، المواجهة بينهما هذه المرة لم تكن باردة فثمة اشارة تؤكد جدية العلاقة، يعترف (هال) بحبه للفرنسية، واعداً اياها بأنه لن يتخلى عن دعم حياتها الثرية، تفقد ياسمين صوابها وتطلب منه الرحيل، وتتصل ب (اف بي آي)، وينتهي المشهد وعناصر من الشرطة الفدرالية تلقي القبض على (هال) الذي انتحر قبل اصدار الأحكام عليه، وترك ياسمين شاهدة على انهيار الثروة التي بنيت على أحلام الفقراء والحالمين، فالفساد موجود في ياسمين منذ البداية ،وكانت شاهدة عليه وعلى يقين كامل بكل المعاملات التي كان يجريها، لكنها داست على كل هذا مقابل استمرار حياة الثراء التي تعيشها. تعود ياسمين إلى منزل شقيقتها التي عادت الى حبيبها، مؤكدة أنها سترحل لتتزوج الرجل السياسي الثري الذي هجرها، لتعيد كرة الانسلاخ عن الواقع مرة أخرى، تستحم، وترتدي لباسها الأنيق، وترحل، تجلس على كرسي في حديقة وتبدأ الحديث مع نفسها، وكأنها ما زالت تعيش الزمن الجميل المبني على الغش والخداع والخيانة، فجنونها أرحم عليها من واقع لن تقبل أن تعيشه. للإطلاع على الموضوع كاملا يرجى الضغط على هذا الرابط. الامارات اليوم