أسدل مهرجان «طيران الإمارات للآداب» الستار، أمس، على فعاليات دورته السادسة بحفل ختامي تشاركت فيه الكلمة الشعرية والسرد والموسيقى والفلكلور والتشكيل، بعد خمسة أيام شكلت حالة وصال بين ثقافات مختلفة، ومبدعون من حول العالم. قد يكون مفهوم السياحة الثقافية غير مفعل بالشكل الكافي عربياً، لارتباط السياحة في المقام الأول بمفهوم الترفيه، وهو ما جعل السعي لإبراز إمكانات المدن العربية مرتبطاً بشكل أكبر بتوفير أماكن جاذبة للترفيه والتسوق، لكن «طيران الإمارات للآداب» قدم مفهوماً مغايراً في هذا الصدد، ويكفي إلقاء نظرة سريعة على قاعة من قاعات فندق إنتركونتننتال في دبي فيستفال سيتي التي خصصت لإقامة فعاليات المهرجان المختلفة، للتأكد من أن كفة الحضور تميل بشكل واضح إلى جمهور من ثقافات أجنبية غير عربية، والكثيرون منهم ليسوا من المقيمين في الدولة، وجاؤوا خصيصى لحضور هذا الحدث، الذي جاء بمبادرة فردية قبل أن تتلقفه وتحتضنه هيئة دبي للثقافة والفنون. وحسب مديرة المهرجان وصاحبة فكرة إقامته، إيزابيل بالهول، فإن «طيران الإمارات للآداب» مهرجان ثقافي لا يستهدف النخبة، ويسعى إلى كسر حاجز وهم أن الثقافة هي لشريحة محدودة من المجتمع، مضيفة «ليس هناك معنى أن تظل مكرساً فعالياتك كمهرجان لما يعتمده البعض وفق تصنيفاتهم (مثقفاً)، والأولى أن تسعى إلى التنويع لاجتذاب جميع أفراد الأسرة على اختلاف الأعمار والتوجهات، وهو أمر يعني بالضرورة اجتذاب المجتمع». ولا تثير مفردة السياحة الثقافية هاجساً سلبياً لدى بالهول، حينما يتعلق الأمر بمهرجان طيران الإمارات للآداب، فالمهم هو تلك الحالة من الوصال بين حضور ينتمون لثقافات مختلفة، وعدم الاستسلام لدعوى التقوقع. ويبقى مؤشر حجز تذاكر حضور الفعاليات مقابل مبالغ مالية، وحقيقة أن بعض تلك الفعاليات أصبحت «مكتملة العدد» حتى قبل انطلاق المهرجان، دليلاً محايداً على نجاح الفكرة، بالنسبة لبالهول. ومع وجود العديد من الشخصيات الثقافية والأدبية المدعوة لحضور الحدث على نفقة المهرجان معظمهم من المملكة المتحدة، أو من الأجانب المقيمين في دول الخليج من المهتمين بالشأن الثقافي، فإن هناك قطاعاً كبيراً حرص على أن يستثمر أيام المهرجان الخمسة، التي جاء ختامها في عطلة نهاية الأسبوع، لقضاء أوقات مختلفة في دبي التي تشتهر بنشاطها الاقتصادي وطابعها العمراني الحديث والمتطور، وأن زيارتها تبقى دوماً فرصة مواتية للتسوق. مارتين لوث، بريطانية مقيمة في البحرين، حرصت على حضور فعاليات المهرجان بصحبة زوجها وطفليها، وقالت «جئنا إلى دبي في مناسبتين مختلفتين للاستمتاع بفرص الترفيه والتسوق، لكن هذه المرة جاءت الزيارة من أجل المشاركة في هذا المهرجان الأدبي، خصوصاً أن هناك نقاشات ثرية مع عدد من الأدباء الذين اعتدنا أن نقرأ لهم أنا وزوجي، دون أن يتسنى لنا لقاءهم عن قرب، رغم أنهم من جنسيتنا». بول هايدج بريطاني أيضاً، لكنه قدم مع زوجته من لندن بعد أن قررا زيارة دبي، ومع توارد أخبار المهرجان، وجدا أنها الفترة الأنسب لتحقيق أكثر من هدف من الزيارة في وقت واحد، إذ أشار هايدج إلى أنه مؤمن بأن «ثقافة البلدان الحقيقية تتجلى بشكل أكبر في مجالات الإبداع الروائي والشعري». وقد تجذب الثقافة ما لا تروج له سواها، فالسياحة الإفريقية التي ترتبط لدى البعض بالنشاط التجاري، كان لها نصيب في المهرجان، وإن كان محدوداً بالطبع مقارنة بالسياحة الأوروبية، خصوصاً البريطانية، التي تأثرت برعاية مهرجان طيران الإمارات للآداب لها، والعلاقة الوطيدة التي تربط مديرة المهرجان إيزابيل بالهول بالعديد من الفعاليات الثقافية هناك، إذ قال مجموعة من الشباب الإثيوبيين إنهم حصلوا على إجازة من محل عملهم في أبوظبي، من أجل لقاء شاعر إثيوبي جاء من أديس أبابا من أجل إلقاء نخبة من أحدث قصائده في فعالية «أبيات من عمق الصحراء» التي تعد من أبرز فعاليات المهرجان، ويحرص كثيرون على المشاركة فيها، وحضور أجوائها المميزة في قلب صحراء دبي الجميلة. مساحة مختلفة قال مدير عام هيئة دبي للثقافة والفنون، سعيد النابودة، إن «مهرجان طيران الإمارات للآداب يشغل جانباً ومساحة مختلفة في أجندة الفعاليات الثقافية في الإمارة»، لافتاً إلى حالة الوصال التي ينسجها بين إبداعات الثقافات المختلفة على أرض دبي. وأضاف «لا يمكن أن يتوقف طموح مهرجان في دبي، فقد بدأ التحدي باتجاه إكسبو 2020، الذي يبقى في حد ذاته مجرد خطوة في سياق تحديات أخرى، نستلهم تجاوزها باتجاه الطموحات من رؤية وتوجيهات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي». عالمية الأدب لم تجذب العديد من فعاليات المهرجان في دورته السادسة جمهوراً عربياً بالقدر الذي جاء جمهورها أجنبياً، وتحديداً من المملكة المتحدة، رغم أن هذا الحضور كان يبدي تقديراً واستمتاعاً بنماذج الإبداع العربي حينما يتم عرضها، في حين شهدت فعاليات بعينها حضوراً أكثر كثافة بناء على شهرة ضيوفها. حالة الإعجاب والإشادة التي قوبلت بها أشعار خالد البدور وخلود المعلا جعلت البعض يدعو اللجنة المنظمة للمهرجان إلى مراجعة فكرة أن التركيز على الفعاليات الجاذبة للجاليات غير العربية هي السبيل الوحيد لإنجاح المهرجان، وضمان الشغف الجماهيري بفعالياته. ورغم وجود بعض المشاركات لمؤسسات وطنية مثل مبادرة «وطني»، ومركز حمدان بن محمد لإحياء التراث، فإن إدارة المهرجان مالت بشكل أكبر هذا العام إلى التعاون مع المدارس الناطقة بالإنجليزية. عمل فني خاص ب «أبيات من أعماق الصحراء» كلفت «هيئة دبي للثقافة والفنون» (دبي للثقافة)، الهيئة المعنية بشؤون الثقافة والفنون والتراث في الإمارة، الفنان الإماراتي شادي المطروشي بإعداد عمل فني خاص بالدورة الثانية من مبادرة «أبيات من أعماق الصحراء». ويستوحي المجسم على الرمال تصميمه من أشعار صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، والذي يقول: من حبّي الصعْب أطْرَبْ كلّمْا يصْعَبْ متْعَودٍ بالشّدايِدْ هايِمْ هْيَامي وقام شادي المطروشي بتنفيذ المنحوتة التي تحمل اسم «رمال الإمارات تحكي قصة وإنجازات» على مدى ثلاث ساعات من الزمن باستخدام الرمال والماء، لتزين احتفالية «أبيات من أعماق الصحراء»، الأمسية التي جمعت بين الأشعار العالمية والموسيقى الرائعة مع أجواء الضيافة الإماراتية الأصيلة تحت سماء الصحراء الجميلة. ونظمت «دبي للثقافة» هذه المبادرة بالتعاون مع «مهرجان طيران الإمارات للآداب»، بمشاركة نخبة من ألمع الشعراء في الإمارات والعالم، بمن فيهم خالد البدور، فرانك كلوتجين، أندرو موشن، خلود المعلا، يان لي، ليمن سيساي. وخلال فعاليات «أشعار في الصحراء»، استضافت «دبي للثقافة» منصات للطبخ تقدم أشهر المأكولات التقليدية المحلية من اللحوم والأرز والحلويات، وتم استقبال الضيوف من قبل ثلة من الفتيات الإماراتيات اللاتي رحبن بهم بماء الورد. كما شهدت الفعالية باقة من الأنشطة الإماراتية التقليدية، مثل ركوب الإبل، ولمحة عن الصيد بالصقور. القادم أفضل أكد المستشار الثقافي لهيئة دبي للثقافة والفنون د.صلاح القاسم، أن القادم أفضل في جعبة مهرجان الآداب، الذي سيتجه في الفترة المقبلة نحو تفعيل مزيد من المشاركة العربية والمحلية في فعالياته. وأضاف «علينا استثمار حالة الألق التي نجح في خلقها المهرجان، والتفاعل الثقافي يبقى أكثر جدوى بحضور الأدب والأديب، وكذلك الجمهور العربي». وأكد القاسم أن المرسوم الذي أصدره صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، بشأن إدراج المهرجان تحت مظلة عنوانها «مؤسسة الإمارات للآداب»، يبقى انتصاراً للثقافة والآداب، ودفعة حقيقية ترسم آفاقاً واعدة للمهرجان الذي يتطلع إلى دورته السابعة. الامارات اليوم