لا يشعر العجوز ديفيد تورين أن الحكومة الالمانية تفعل شيئًا لإعادة حقه الفني المسلوب إليه، والدعوى القانونية التي رفعها لاستعادة لوحات فنية شهيرة طال أمدها ولم يتم البت فيها. كانت لدى عم ديفيد تورين الأكبر مجموعة من الأعمال الفنية التي سلبها النازيون. وعُثر مؤخرًا على احدى لوحات المجموعة في شقة كورنيليوس غورليت في مدينة ميونيخ. ويكافح تورين الآن من اجل استعادتها لكنه يتهم الالمان بعرقلة جهوده. تورين في اواخر الثمانينات من العمر وشبه اعمى بسبب الشيخوخة، ولكن صوته ما زال قويًا عندما يتحدث عن حقه المسلوب. ويقول النيويوركي العجوز إنه مكافح لن يكل الى أن ينال حقه. وقدم تورين دعوى قانونية على المانيا ، البلد الذي ولد فيه ، ولكن انتظار البت في الدعوى أتعبه. وهو يشعر أن الحكومة الالمانية لم تفعل شيئًا لإعادة حقه اليه والى الآخرين من ضحايا السرقات الفنية النازية. فان تورين من مواليد 1925 ولم يبقَ لديه وقت طويل يقضيه في الانتظار. فارسان على الشاطئ ويطالب تورين بتسليمه لوحة صودرت من غورليت العجوز مثله وابن تاجر فني كان يتعامل مع النازيين. والعمل الفني موضوع الدعوى هو لوحة زيتية عنوانها "فارسان على الشاطئ" للفنان الانطباعي الالماني ماكس ليبرمان. وبالنسبة لتورين، فإن القضية لا تتعلق باللوحة فحسب، بل ترتبط بقصة حياته ايضًا. فإن والديه قُتلا بالغاز في معسكر آوشفيتس بعد أن هرَّبا ولديهما الى مكان آمن. فهرب هو ، الابن الأصغر ، الى السويد في صيف 1939 وسافر شقيقه الى هولندا ومنها الى انكلترا قبل يوم على اندلاع الحرب. ونجا الاثنان بجلدهما ولا شيء آخر غيره. ويروي ملف الدعوى كيف هاجر تورين الى الولاياتالمتحدة عام 1956 وفي جيبه أقل من 100 دولار. وفي الولاياتالمتحدة أصبح تورين محاميًا ناجحاً ويعيش اليوم في منطقة راقية من مانهاتن في نيويورك. وساعده نجله بيتر المحامي ايضاً في إعداد الدعوى التي يطالب فيها باعادة لوحة الفنان ماكس ليبرمان اليه بوصفه مالكها الشرعي مع أخيه. وكانت اللوحة اختفت فترة طويلة واصبح معروفاً الآن انها اصبحت بحوزة هلدبراند غورليت التاجر الفني الذي كان يقدم خدمات للنازيين. وعادت اللوحة الى الظهور عام 2012 ضمن 1300 عمل فني ضبطها مسؤولو الجمارك في شقة ابنه كورنيليوس غورليت في ميونيخ. ضجة عالمية ولم يُعلن عن ضبط هذا العدد من الأعمال الفنية إلا اواخر 2013 بعدما كشف مصدر تفاصيل التحقيق لأحد الصحافيين. وأثار كشف هذا الكنز من الإبداع الفني ضجة عالمية. واشتدت الضغوط على الادعاء العام في مدينة آوسبورغ في ولاية بافاريا جنوبي المانيا الذي استجاب بمؤتمر صحفي عرض فيه صور اللوحات المصادرة ومنها لوحة ليبرمان التي يطالب بها تورين. وما زال الغموض يكتنف قضية غورليت الذي ورث الأعمال الفنية من والده وأخفاها طيلة هذه السنوات. وطالب سياسيون في برلين بتشكيل فريق من الخبراء سرعان ما صنف 590 عملاً فنياً على أنها سرقات فنية نازية. ومؤخرًا كُشف أن كورنيليوس غورليت أخفى لوحات أثمن في منزله في مدينة سالزبورغ. وطُرحت فكرة تدعو الى بيع الأعمال المصادرة في المزاد وتوزيع الريع. ولكن تورين يريد اعادة اللوحة اليه باسم عائلته. ويقول تورين إن مستشار غورليت طلب 300 الف يورو مقابل اللوحة ثم خُفض الرقم الى 100 الف يورو. سلوك غريب وقد تكون دعوى تورين الطريقة الوحيدة التي تبين مدى غرابة السلوك الالماني في التعامل مع القضية. وهو سلوك غريب لأن فريق الخبراء مطلع على دفاتر حسابات التاجر الفني هلدبراند غورليت التي يمكن أن تحدد أصول ومناشئ 589 عملاً فنيًا آخر ومساعدة ورثة مقتنين يهود آخرين على الوصول الى ميراثهم ، ومن هؤلاء تورين الذي يعتقد أن مجموعة غورليت تضم لوحات أخرى من مجموعة عمه الأكبر فريدمان. ولكن طالما أن فريق الخبراء لا يسمح لأحد بالاطلاع على الدفاتر الحسابية، فإن محامي غورليت يستطيع بسهولة أن يدعي أن اللوحات لا تضم بينها الكثير من الأعمال التي سرقها النازيون، وبالتالي ليست هناك إلا قلة من المطالب المشروعة لورثة هذه الأعمال. كان تورين رأى عمه الأكبر واللوحة آخر مرة في تشرين الثاني/نوفمبر 1938 ، في اليوم التالي على ليلة الكريستال التي شهدت هجومًا نازيًا منظماً على اليهود وممتلكاتهم. وتثبت رسالة بتاريخ كانون الأول/ديسمبر 1939 أن مسؤولين نازيين ارادوا الاستحواذ على مجموعة فريدمان من الأعمال الفنية. وتبين رسالة بتاريخ آب/اغسطس 1944 اطلعت مجلة شبيغل على نسخة منها أن مدير متحف في مدينة بريسلاو حيث كان يعيش فريدمان ضالع في عملية السرقة. وكان هذا المدير مؤرخًا فنيًا وعضوًا في الحزب النازي تولى تقييم مجموعات فنية يملكها يهود بطلب من الغستابو. وتشير وثائق قديمة الى أنه حفظ العديد من الأعمال في مخزن متحفه ثم قام ببيعها. انقاذ الفن اما التاجر الفني هلدبراند غورليت فانه اعتبر نفسه منقذ اعمال من الفن الحديث، كان النازيون سيمنعون عرضها في المتاحف، وأنه كان يتعامل قبل عام 1945 بأغلى اللوحات الفنية في العالم. والمعروف أن ارملة غورليت وابنته التي توفيت قبل عامين وابنه كورنيليوس باعوا لوحات من مجموعته الفنية في مناسبات مختلفة. ولعل هذا ما حدث للوحة ثانية من انتاج ليبرمان كانت ضمن مجموعة فريدمان عم تورين الأكبر بعنوان "حائكات السلال". إذ بيعت لوحة بهذا الاسم وبنفس الأبعاد للفنان ليبرمان في دار فيلا غريزباخ للمزاد في برلين عام 2000. ويرد اسم هلدبراند غورليت بوصفه احد مالكيها السابقين. يتكلم تورين السويدية والعبرية وما زال يتكلم الالمانية بطلاقة. وبوصفه محاميًا في نيويورك يجد تورين صعوبة في تمثيل موكلين المان. إذ كسب قضية لصالح شركة المانية لهندسة الطيران في الولاياتالمتحدة وعمل لشركة المانية أخرى ثم اكتشف أنها كانت مساهمة في مجموعة صناعية كانت تنتج الغاز الذي قُتل به والداه. حاول تورين استقدام والديه الى السويد قبل أن يبلغ سن الثامنة عشرة، ولكنه لم يجد احدًا يكفلهم ماليًا. وإذا استعاد تورين وعائلته لوحة ليبرمان التي كانت ضمن مجموعة عمه الأكبر فإن استعادتها لن تصلح شيئاً. ولكن إذا أخفق في استعادتها فان هذا يعني بنظره أن لا أحد تعلّم شيئًا. ايلاف